موقع اليمن الاتحادي
Image default
- أهم الأخبارصورة ومعنى

في حضرة الكتب المزيفة.. قصة الحنين إلى المطالعة

كتب/ بشرى العامري:

لم تكن الكتب الورقية يوماً في حياتنا زينةً على الرفوف، بل كانت حياةً تنبض بين أيدينا، لكنها اليوم ومع التطور التكنولوجي أصبحت مهجورة حبيسة الادراج أو مخزونة في كراتين مقصية بعيداً عن الانظار وفي أحس الأحوال تكون مجرد ديكور نُزين به الاركان في بهو المنزل أو مجلسه.

بين زمنٍ كنا ندون فيه تواريخ عشقنا على ردفات الكتب، وزمنٍ أصبحنا نضعها على الرف كقطعة أثاث مهملة… ضاعت اللهفة وانكسرت الارواح، وتبعثرت المشاعر، وخمدت قلوب، وجفّ نبع الدهشة الذي كان يسقي أعماقنا، وخفُتْ بريق الحروف التي كانت تشعل فينا الدهشة والشغف.

كان الكتاب وطناً نسكنه، واليوم أصبح زينة نعلّقها على جدران النسيان.

غرقتُ في هذه المشاعر المتداخلة، اليوم وأنا أقف أمام زاوية متجر يبيع التحف والقطع الفنية التي تزين المنازل بأسعار زهيدة جداً.

كنت أبحث عن قطعة تُضفي على زوايا منزلي شيئاً من الدفء والجمال، شد انتباهي مشهدٌ بدا مألوفاً لدي ومربكاً في الوقت ذاته، مجموعة من الكتب المصطفة بعناية، حين اقتربت منها سرعان ما اكتشفت أنها لم تكن كُتباً حقيقية بل صناديق كرتونية فارغة، مُغلفةٌ بشكلٍ أنيق يُحاكي مظهر الكتب الحقيقية.

تقدمت نحوها، حملت إحداها بيدي، فإذا بها خفيفة كالورق، خاوية لا تحمل بين جنباتها حرفاً ولا فكرة، مجرد غلافٍ، صُنع ليخدع العين ويملأ الفراغ.

لحظتها، شعرت بمرارة عميقة، وكأن هذا المشهد الصغير يُلخص قصة زمن بأكمله؛ زمنٌ أصبحت فيه المعرفة شيئاً يوضع على الارفف فقط لا شيئاً يسكن العقول والقلوب.

ثمة فرق شاسع بين كتاب يُقرأ، وآخر يُعرض… وبين زمن كان للمعرفة فيه هيبة، وزمن صارت فيه المظاهر هي كل شيء في الحياة.

في الماضي، كانت الكتب تصنع ذاكرتنا، كنا نملأ هوامشها بتواريخ بداية قراءتها ونهاية الختام، ندون بين دفتيها تعليقاتنا وانفعالاتنا، نرسم خطوط الإعجاب تحت العبارات التي تسكننا.

كنا نعير ونستعير الكتب ونعيدها كمن يعيد قطعة من قلبه، ندرك أن الكتاب ليس مجرد ملكية، بل رفيق رحلة وعابر قارات، أما اليوم، فلم يعد الغرض هو القراءة، ولا التعمق، ولا الانبهار بالمعرفة، أصبح كل شيء موجهاً للعرض، للتزيين، للواجهة، ما أن تلمح الأشياء فتبهرك طلّتها، فإذا اقتربت وجدت السراب، لمعة دون دفء وصورة دون حياة.

في زمنٍ مضى، كنا نملأ الفراغ بالكتب، واليوم نملأ الكتب بالفراغ.

لم تعد الكتب وحدها الضحية في هذا التحول، بل كأن العدوى أصابت كل شيء: العلاقات، الأحلام، الطموحات. أصبح المظهر هو الحاكم، والجوهر تراجع إلى الخلف، يُغلف بالصمت أو يُنسى في زحمة الزخرف الزائف.

كم نحن بحاجة اليوم إلى أن نعيد للكُتب مكانتها، لا كمجرد صناديق أنيقة على الرفوف، بل كصوتٍ حي، وكروح تعيد صياغة أرواحنا.

كم نحن بحاجة لأن نعود للقراءة بشغف الطفل الذي يكتشف العالم لأول مرة، أن نبتعد قليلاً عن ضجيج هواتفنا وأجهزتنا الإلكترونية، وأن نغوص بعيداً مع كتاب حيّ، يعيد إلى أرواحنا صفاءها، ويوقظ فينا تلك المشاعر التي كادت تذبل تحت وطأة المظاهر الفارغة.

في زمن ازدحم بالضوضاء والسطحية، كم نحن بحاجة إلى أن نغلق شاشاتنا، ونبتعد ولو قليلاً عن ضجيج هواتفنا وأجهزتنا الإلكترونية، لنفتح كتاباً مليئاً بالحياة، يُعيدنا إلى أنفسنا، إلى دهشة البدايات، وإلى ذاك الشغف الذي علمنا أن الحروف قادرة على إنقاذ الروح.

أخبار ذات صلة

جار التحميل....

يستخدم موقع اليمن الاتحادي ملفات Cookies لضمان حصولك على افضل تجربة موافقة إقرأ المزيد