قراءة تحليلية في التحولات الإقليمية والدولية
كتب/ بشرى العامري:
في ظل تصاعد الضغوط الدولية وتبدلات المشهد السياسي في المنطقة، تتجه الأنظار إلى العلاقة المعقدة التي تربط إيران بجماعة الحوثي في اليمن، وسط تساؤلات متكررة: هل باتت طهران تفكر فعلياً في التخلي عن حلفائها في صنعاء؟ أم أن العلاقة بين الطرفين ما زالت استراتيجية وعميقة يصعب فكّ الارتباط فيها؟
علاقة استراتيجية أم تحالف ظرفي؟
منذ انقلاب الحوثيين في عام 2014 وسيطرتهم على العاصمة صنعاء، نسجت إيران خيوط علاقة وثيقة معهم، قائمة على أهداف مشتركة تصب في إطار مشروعها الإقليمي.
قدمت طهران خلال تلك السنوات دعماً سياسياً وإعلامياً، إلى جانب اتهامات دولية بتقديم دعم عسكري ولوجستي ساهم في استمرار الصراع اليمني وتعقيده.
وكان للدعم الإيراني دور محوري في تعزيز قوة الحوثيين، خصوصاً في ظل الحصار والعزلة التي فرضتها الحكومة اليمنية والتحالف العربي، فقد وفّرت طهران غطاءً دبلوماسياً للجماعة في المحافل الدولية، وأسهمت في بناء آلة إعلامية قوية تروج لروايتهم.
غير أن التحولات التي طرأت مؤخراً على علاقات إيران مع دول الخليج – وعلى رأسها السعودية – بدأت تضع العلاقة مع الحوثيين تحت مجهر إعادة التقييم، فالتقارب الإيراني الخليجي، خاصة بعد اتفاق بكين، فتح باب التفاهمات التي قد تفرض على طهران مراجعة أدوارها في المنطقة، ومنها اليمن.
الحوثيون: ورقة ضغط أم عبء سياسي؟
في ظل هذه المتغيرات، تبرز تساؤلات داخل مراكز القرار الإيراني: هل لا يزال الحوثيون ورقة رابحة في يد إيران؟ أم أن استمرارهم في التصعيد خصوصاً في البحر الأحمر بات يهدد المصالح الإيرانية، ويحرجها أمام المجتمع الدولي، ويقوّض فرص التفاهم مع القوى الإقليمية والدولية؟
ورغم غياب التصريحات الصريحة، فإن بعض المؤشرات توحي بفتور في العلاقة، فقد صدرت عن طهران إشارات تدعو إلى “ضبط النفس” في البحر الأحمر، كما تجنبت الدفاع العلني عن بعض عمليات الحوثيين التي أثارت ردود فعل دولية واسعة.
أما الحوثيون، فقد أظهروا في أكثر من مناسبة استعدادهم للاستمرار في مشروعهم بمعزل عن إيران، إلا أن واقعهم السياسي والاقتصادي يظل هشاً دون هذا الدعم، وأي تخلي إيراني، ولو تدريجي، سيجعلهم في مواجهة تحديات داخلية وخارجية غير مسبوقة.
سيناريوهات المستقبل
واليوم أمام إيران خياران: إما مواصلة الدعم مع محاولة ضبط إيقاع الحوثيين بما لا يضر بعلاقاتها الجديدة، أو التخلي التدريجي عنهم ضمن صفقات إقليمية تحفظ لها نفوذاً بوسائل أقل تكلفة، أما سيناريو التخلي المفاجئ، فيبدو مستبعداً في المدى القريب، ما لم تحدث تطورات دراماتيكية على الساحة الدولية.
في ضوء المشهد الإقليمي المتغير والضغوط الدولية المتصاعدة، تبدو العلاقة بين إيران والحوثيين مقبلة على مرحلة من التحول لا الانقطاع الكامل.
فإيران، رغم براعتها في استخدام الجماعات الحليفة كأدوات نفوذ، تدرك أن دعم الحوثيين بشكل غير مشروط أصبح مكلفاً سياسياً واقتصادياً، خاصة في ظل التزاماتها المتزايدة تجاه شركائها الإقليميين الجدد.
من جهة أخرى، فإن الجماعة الحوثية، التي لطالما بنت مشروعها على الدعم الإيراني، قد تجد نفسها أمام تحدٍ وجودي إن بدأت طهران فعلياً تقليص هذا الدعم.
ومع ذلك، من غير المرجح أن تتخلى إيران تماماً عن الحوثيين في المدى القريب، لكنها قد تمضي في سياسة “إعادة التموضع”، بحيث تحتفظ بنفوذها دون أن تدفع الثمن المباشر لتصرفات الجماعة.