حققت عروض فيلم «10 أيام قبل الزفة» نجاحا لافتا في مدينة عدن، من خلال تواصل إقبال الجمهور عليه بعد أكثر من مئة عرض؛ ما جعل المخرج عمرو جمال يستعد لنقل العرض لمدينة المُكلا في محافظة حضرموت شرقي البلاد، ومنها لمحافظات أخرى، مؤكدا على أن إنتاج الفيلم كان مخاطرة في ظروف حرب… وهي الظروف التي لم يتحداها المخرج وفريقه وحسب، بل تحداها الجمهور هناك، أيضا، من خلال إصرارهم على تجاوز مخاوفهم والذهاب لمشاهدة فيلم يروي حكايتهم.
مخاطرة«أكثر من 400 شخص يحضرون العرض الواحد تقريبا بعد مئة عرض لهذا الفيلم بعدن؛ وهو جمهور يأتي من كل أنحاء المدينة بمن فيهم نساء وأطفال، وفي ظروف غير طبيعية تعيشها المدينة جراء تبعات الحرب المختلفة».
يقول المخرج.بلا شك في أن إقبال الجمهور على عروض الفيلم منذ عيد الأضحى وحتى الآن في هذا المستوى، يؤكد انتصار هذه التجربة السينمائية على ظروف بالغة التعقيد، في بلد تفتك به حربان داخلية وخارجية، ومشاريع تفتيت، كما يعاني فقرا وأوبئة واختلالا أمنيا ومشاكل في الخدمات، بالإضافة إلى عدم وجود صالات عرض… في بلد كهذا فإن مجرد التفكير فقط، بإنتاج وعرض فيلم سينمائي طويل وعن الحرب، يمثل مخاطرة!
«وهي كانت مخاطرة ومخاطرة كبيرة» يقول المخرج عمرو جمال متحدثا لـ«القدس العربي» عقب خروجه مبتهجا من العرض (106) للفيلم؛ وهي العروض التي تتم في صالة أعراس تم تكييفها لتكون مناسبة للعرض والجمهور كحل كان لابد من التفكير فيه وتجاوز مشكلته قبل البدء في التصوير.
«بعد أن قررنا أن نخوض التجربة، كان لابد أن نفكر بالمشكلة الأهم؛ وهي صالات العرض، لاسيما والمدينة لم يعد فيها أي صالة عرض؛ فبدأنا بالبحث حتى وجدنا من بين صالات الأعراس صالتين في كل منهما مدرج، ووجدنا إمكانية تكييفهما للعرض؛ فحجزناهما» يوضح عمرو.
صالات العرض وعرفت اليمن صالات العرض السينمائي في خمسينيات القرن الفائت في عدن، ومنها انتشرت لبقية المحافظات الجنوبية والشرقية، وكانت الدولة هناك، قبل إعادة تحقيق الوحدة عام 1990، تمتلك جميع الدُور التي وصل عددها لـ (24) دارا حتى عام 1990.
أما المحافظات الشمالية فهي لم تعرف هذه الصالات إلا عام 1962، وكان يملك القطاع الخاص هناك جميع تلك الدُور، التي وصل عددها حتى عام 1990 لـ(25) دارا أو بالأصح صالة عرض. عقب إعادة تحقيق الوحدة تراجع الاهتمام الحكومي بالفنون؛ فتوقف كثير من البرامج، وأُغلقت تدريجيا جميع تلك الدُور لأسباب مختلفة إلى أن أصبحت البلاد بلا أي صالة عرض سينمائي.
وفي ظل واقع كهذا تضاف إليه نتائج الحرب الراهنة كان من الطبيعي انطلاق العرض الأول لهذا الفيلم في صالة أعراس.
وقد كان عرضه الأول محاطا بمخاوف كثيرة من الفشل، إلا أن إقبال الجمهور كان مفاجئا، على الرغم من أن العرض في مدينة تعيش ظروفا اقتصادية وأمنية متردية. يقول المخرج «لم يكن إقبال الجمهور هو المفاجأة الأولى لنا؛ فقد سبقه تفاعل وتشجيع ودعم الناس لنا خلال نزولنا للتصوير في الشوارع والأسواق والحارات؛ حيث كنا ممتلئين بكثير من المخاوف، لاسيما في ظل ما تنشره وسائل الإعلام عن حوادث الاختطافات والاغتيالات وغيرها من المشاكل الأمنية في المدينة؛ إلا أننا فوجئنا بتفاعل وتشجيع ودعم لا محدود من الناس، حتى يمكن القول إن الناس كان لهم دور في إنجاز تصوير الفيلم».
تم تصوير 60٪ من الفيلم في مواقع خارجية، بما فيها مواقع تعرضت للحرب كأسواق وشوارع وأحياء شعبية وفي أوســاط الناس «بما يُبرز بعض ملامح المعاناة الناجمة عن الحرب على الإنسان والمكان هنا» حسب عمرو جمال.عالج الفيلم، الذي استغرق التحضير له سبعة شهور، وتم تصويره في 30 يوما، تبعات الحرب على حياة الناس خاصة الشباب، من خلال قصة (رشا) و(مأمون) اللذين ظل يتأجل موعد زفافهما منذ انطلاق الحرب عند تدخل التحالف العسكري في اليمن عام 2015؛ وهو الزفاف الذي ظل يواجه العديد من الإشكالات حتى بعد توقف الحرب في عدن، حيث بدأوا بمواجهة ظروف ما بعد الحرب، التي أنتجت واقعا مأزوما.
يندرج هذا الفيلم، ومدته ساعتان، ضمن فئة الأفلام الكوميدية الدرامية الموسيقية وشارك فيه 45 ممثلا من أجيال مختلفة، وقام بدور البطولة: سالي حمادة وخالد حمدان. جاء إنتاج الفيلم بمبادرة فردية تصدى لها عدد من الشباب بقيادة المخرج الذي سبق له العمل على إخراج عددٍ من الأعمال المسرحية والدرامية التلفزيونية.
مع اندلاع الحرب وما فرضته من ظروف في كل مجالات العمل والانتاج، أصبح من الصعوبة استمرار كثير من الفنانين في مجالاتهم؛ ونتج عن ذلك عطالة معظمهم، في هذا الواقع ولدتْ فكرة هذا العمل الذي يُعدّ أول تجربة سينمائية للمخرج، وقد اقتحم غمارها بالمراهنة على «تحدي الواقع بدلا من البقاء منتظرين لمَن يمد لنا يده»، وكان حينها «معظم الفنانين عاطلين في بيوتهم»؛ فكانت هذه التجربة بالنسبة لهم «مسألة تحد أيضا».
بعد أن أنجز المخرج كتابة النص بالتعاون مع مازن رفعت، وبعد أن تم حل مشكلة صالة العرض، كان البحث عن تمويل، وتم الحصول على 33 الف دولار أمريكي مقابل أن تُنشر أسماء الداعمين في إعلانات الفيلم؛ «وهي كلفة متواضعة لكننا استطعنا من خلالها تخطى مشاكل كبيرة»، ومن ثم ـ حسب المخرج- كان البدء بجمع الممثلين وإنجاز البروفات.
«لقد واجهتنا مشاكل كثيرة خلال التصوير؛ ذلك أننا كنا ننفذ البروفات داخليا قبل تنفيذها خارجيا تفاديا لأي عوامل، كما واجهتنا مشاكل أخرى مثل الكهرباء، فكنا نتنقل ومعنا مولد كهربائي، علاوة على مشكلة الوقود وانقطاع شبكات الهاتف».
تقنيا، وفق المخرج، فقد تم الاعتماد «على ما هو متاح محليا وملائم للجودة السينمائية»؛ فتم التصوير من خلال كاميرات ماركة «كانون» بعدسات مختلفة وحديثة، بالإضافة للاعتماد على خبرات من خارج اليمن «خاصة في تنفيذ الأعمال الموسيقية، بما فيها الموسيقى التصويرية، بالإضافة إلى إنجاز (البوسترات) فيما يتم العمل على ترجمة الفيلم تمهيدا للمشاركة في مهرجانات دولية».
على صعيد الإنتاج السينمائي اليمنيّ يأتي هذا الفيلم ليشكل علامة مهمة في مسار العرض الجماهيري المحلي غير المجاني، إذ ربما لم يسبقه فيلم يمنيّ طويل آخر توالت عروضه للجمهور في صالة عرض عامة. وشهدت اليمن في الألفية الراهنة إنتاج عددٍ قليل من الأفلام الطويلة مثل: فيلم «يوم جديد في صنعاء» الذي أُنتج عام 2004 للمخرج اليمنيّ الأصل بريطاني الجنسية بدر بن حرسي، وفيلم «الرهان الخاسر» للمخرج فضل العلفي الذي اُنتج حكوميا عام 2006، وتم عرضه توعويا في المدارس والجامعات عام 2008م، والفيلم التلفزيوني «شيء اسمه الحنين» للمخرج سمير العفيف الذي أُنتج عام 2009… ومن ثم فيلم «أنا نجوم بنت العاشرة ومطلقة» للمخرجة خديجة السلامي الذي أُنتج عام 2014، بعد تجربة تُحسب لها في إنتاج وإخراج عدد من الأفلام التسجيلية المتميزة… إلا أن جميع تلك الأفلام الطويلة لم تُعرض للجمهور المحلي في صالة عرض عامة حتى الآن.
وعانت السينما في اليمن من مشاكل كثيرة فكان حضورها خافتا محليا وخارجيا، ومن أبرز تلك المشاكل – كما سبقت الإشارة- كان تجاهل الدولة للفنون عموما بما فيها السينما، خاصة عقب إعادة تحقيق الوحدة، إلى أن قرر عدد من الفنانين العائدين من الدراسة في الخارج أن ينطلقوا بتجاربهم، وبما يملكونه من إمكانات فأنتجوا عددا من الأفلام، إلا أن هذه الأفلام لم تلق الدعم الذي يتجاوز بها إحباط أصحابها… وهي أعمال تجاوزت الأفلام التسجيلية إلى الروائية، ومنها تجربة المخرج عبد العزيز الحرازي في الفيلم الروائي «القارب» وتجربة المخرج سمير العفيف في الفيلم التلفزيوني «العُرس»، وغيرها من التجارب التي تواصلت لاحقا وسبقت الإشارة إليها.
بموازاة ذلك بقيت تجارب الفنانين الشباب من صُناع الأفلام الجدد في اليمن تُقدم مفاجآت في إنتاج وإخراج العديد من الأفلام القصيرة في ظروف صعبة، ومنها ما وصل لمهرجانات عالمية كفيلم «ليس للكرامة جدران» للمخرجة سارة إسحاق، الذي رُشح لجوائز الأوسكار في فئة أفضل فيلم وثائقي قصير.
تحدي الحرب ويتميز فيلم «10أيام قبل الزفة» بكونه أول فيلم يمني طويل لفريق من الشباب يعالج موضوع حرب في بلد مازال يعيشها، كما استطاع طاقمه بتمويل متواضع وفي ظروف غير طبيعية إنتاجه وعرضه جماهيريا متحدين الواقع.«سيستمر عرض الفيلم في مدينة عدن حتى يتراجع الجمهور، ومن ثم سننتقل لمحافظات أخرى، ونفكر حاليا بأن تكون مدينة المُكلا (شرق) هي المحطة التالية لعرض الفيلم» يوضح المخرج.