29.7 C
الجمهورية اليمنية
6:51 صباحًا - 1 يونيو, 2025
موقع اليمن الاتحادي
Image default
اقلام حرة

الخليج وحضرموت: بين كلفة الانهيار وفرص التأهيل … أي طريق تختار الدول؟

أماني خليل باخريبة :

يُمثِّل اليمن – بموقعه الجيواستراتيجي الفريد، وحدوده البرية الممتدة (1485 كم مع المملكة العربية السعودية شمالًا، و288 كم مع سلطنة عُمان شرقًا)، حيث تمثل حضرموت ثلثي هذه المساحة إضافة إلى العمق والثقل التاريخي والثقافي والإقتصادي و كجزء حيوي من شبه الجزيرة العربية – تحديًا واستثمارًا استراتيجيًا لدول مجلس التعاون الخليجي. فبدلاً من النظر إلى تأهيلها كتكلفة أو مصدر للمخاطر، ينبغي اعتبارها فرصة تاريخية لبناء منطقة مستقرة، وتحويل هذا الملف من نقطة ضعف إلى ركيزة قوة سياسية واقتصادية وأمنية ويمكن الاستفادة من التجربة الاوربية مع دول شرق أوروبا : ففي ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، نجحت دول الاتحاد الأوروبي في دمج اقتصادات هشة مثل إسبانيا والبرتغال واليونان عبر برامج تأهيلية طموحة، رغم التحديات الهيكلية التي واجهتها. وهذا النموذج يُقدّم درسًا واضحًا للخليج: فبإمكان حضرموت ذات التنوع الجغرافي والسكاني أن تصبح نموذجًا للتكامل الإقليمي، شريطة أن تقوم الشراكة على رؤية شمولية تُحقق الاستدامة وتُعزز المصالح المشتركة.

يشكّل استقرار حضرموت ركيزة أساسية لتعزيز الأمن القومي الخليجي، حيث يمثل درعًا واقيًا للحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية، ومنفذًا استراتيجيًا لدول المجلس إلى بحر العرب والمحيط الهندي، وبديلًا جزئيًا لطرق تصدير النفط عبر مضيق هرمز. كما أن إحكام السيطرة على النفوذ الإيراني المتمثل في جماعة الحوثي يصبح أكثر فعالية في ظل منطقة أكثر أمانا”واستقرارا” .

على الصعيد الجيوسياسي، يُعد تعزيز الأمن البحري في باب المندب والبحر الأحمر أحد أبرز مكاسب استقرار اليمن بشكل عام مما ينعكس إيجابًا على سلامة الملاحة الدولية ويحد من تحول الأراضي اليمنية إلى بؤرة للأنشطة غير المشروعة كتجارة السلاح والتهريب أما اقتصاديًا.

وتتمتع حضرموت بمقومات سوق واعدة بفضل تنوعها الجغرافي والسكاني وحاجتها الملحة للاستثمارات في البنية التحتية والخدمات الأساسية، ما يوفر فرصًا ذهبية للشركات الخليجية. كما أن العمالة الحضرمية واليمنية المؤهلة تشكل موردًا بشريًا مهمًا لدول المجلس، حيث بدأت بعض الدول مثل الكويت في مايو 2025 بخطوات عملية لاستقطاب هذه الكفاءات بهذا الشكل، تتحول الاستثمارات الخليجية في حضرموت إلى رافعة تنموية وسياسية تحقق مكاسب متعددة الأبعاد لكلا الطرفين.

من ناحية أخرى، فإن ترك حضرموت في حالة اضطراب دائم لا يعني سوى المزيد من الاستنزاف لدول الخليج، سواء من خلال التدخلات العسكرية المباشرة أو من خلال تداعيات الحرب مثل النزوح الجماعي والضغط الاقتصادي وتهديدات الأمن الداخلي. والأسوأ من ذلك، أن استمرار ضعف الدولة اليمنية يفتح الباب أمام أطراف إقليمية ودولية لتعزيز نفوذها، على حساب المصالح الخليجية.

ولعل إيران أبرز من استفاد من غياب الدولة في اليمن، حيث تمكنت من بناء ذراع عسكري وسياسي متمثل في جماعة الحوثي، وهو خطر مباشر على السعودية وعلى أمن الخليج ككل.

ومن هذا المنطلق، فإن مسألة تأهيل حضرموت وانضمامها إلى مجلس التعاون الخليجي ليست مستحيلة، بل يمكن أن تكون واقعية إذا ما تم التعامل معها عبر مراحل مدروسة تبدأ بالتأهيل المؤسساتي والاقتصادي، مرورًا ببرامج تنمية طويلة الأمد، وانتهاًء بمرحلة الاندماج التدريجي. هذا الإجراءات لا يجب أن يكون لحظيًا، بل يمكن أن يُصمم على نمط مشابه لتجربة انضمام دول أوروبا الشرقية إلى الاتحاد الأوروبي، بحيث يُبنى على تحقيق معايير الحوكمة الرشيدة والاستقرار السياسي، ودمج البنية الاقتصادية والمؤسساتية بنفس نمط المنظومة الخليجية تدريجيًا ، انطلاقًا من أن أمن الخليج يبدأ من حضرموت واليمن ككل ، وأن دعم حضرموت ليس منّة بل ضرورة استراتيجية.

فبناء منطقة مستقرةوقوية سيكون بمثابة جدار صد في الجنوب، وساحة استثمار واعدة، وشريك جغرافي وثقافي طبيعي لا يمكن تجاهله إلى الأبد.

ورغم أهمية المبادرات والمبالغ الكبيرة المخصصة، التي قدمتها دول الخليج خصوصًا المملكة العربية السعودية منذ بداية الحرب في اليمن إلا أن هذا الدعم، في جوهره، لم يكن كافيًا للتأهيل بشكل متكامل وعلى كل الأصعدة. فهذه الجهود، وإن عكست نية خليجية صادقة لتواكب المنطقة جزئيًا والتطور الخليجي، افتقرت إلى الرؤية الاستراتيجية الشاملة التي تربط الدعم التنموي بإصلاحات مؤسسية واقتصادية هيكلية، وإلى آليات فعالة لضمان التنفيذ ومواجهة تحديات الحوكمة والفساد والبُنية الإدارية الضعيفة في التي تعاني منها الحكومة اليمنية ومنظمومة السلطة الشرعية، وعلاوة على ذلك، فإن الدعم الخليجي بقي في إطار المساعدات التنموية المؤقتة أو الإغاثية، ولم يُترجم إلى مسار تأهيلي حقيقي على غرار ما قامت به أوروبا مع دول مثل إسبانيا والبرتغال واليونان، عبر برامج تكامل مؤسسي، واندماج تدريجي، ومرافقة مباشرة في تطوير القطاعات الحيوية من التعليم إلى البنية التحتية إلى الحوكمة. كما أن البيئة السياسية والأمنية المضطربة في اليمن، وغياب الاستقرار الحكومي، حالت دون استفادة كاملة من التعهدات، بل إن جزءًا كبيرًا من التمويلات تأخر صرفه أو لم يتم استخدامه بالشكل المطلوب، وهو ما دفع البنك الإسلامي للتنمية لإعداد دراسة خاصة حول العقبات التنفيذية.

 إن الدعم الخليجي لحضرموت واليمن كان مهمًا لكنه غير كافٍ لتأهيله الشامل. فما تم تقديمه حتى الآن يُعد خطوة في الطريق، لكنه بحاجة إلى ترجمة إلى مشروع سياسي–اقتصادي متكامل يرتبط بوضوح بهدف استراتيجي: دمج حضرموت في مجلس التعاون تدريجيًا، وليس فقط دعمه من الخارج وإذا لم تبادر دول الخليج لقيادة مشروع تأهيل حضرموت، فإنها تخاطر بخسارة هذه المنطقة لصالح أطراف أخرى ستستمر في دفع كلفة الانهيار دون أفق لنهاية الأزمات. أما إذا اختارت المضي في طريق التأهيل، فإنها قد تُرسخ نموذجًا غير مسبوق للتكامل العربي، وتفتح الباب أمام إعادة تعريف الدور الخليجي في المنطقة كقوة تنموية واستقرار، لا كفاعل ظرفي تدفعه الأزمات بمعنى ان هناك العديد من الصعوبات قد تواجه هذه التوجه الا ان بقاء اليمن في حالة اضطراب وحروب وعدم استقرارها سوف تكون كلفتها اعلى على دول الجوار من مواجهة التحديات والعمل على تاهيل اليمن على كل الأصعدة، بمبداء الكلفة مقابل المنفعه لان اليمن برمته ليس عبئًا على الخليج، بل فرصة قد لا تتكرر.

*مركز المعرفة للدراسات والابحاث الاستراتيجية

أخبار ذات صلة

جار التحميل....

يستخدم موقع اليمن الاتحادي ملفات Cookies لضمان حصولك على افضل تجربة موافقة إقرأ المزيد