اغرقت جماعة الحوثي المتمردة شوارع العاصمة صنعاء باللافتات والشعارات عن ما يسمى “الولاية” , ليزداد الوضع سوءاً على سوئه، بما يؤسسون عليه حكمهم في المناطق الخاضعة تحت سيطرتهم من طائفية وجهل وتعصب.
واعتبر المراقبين للمشهد اليمني شعارات الحوثيين في ذكرى ما يوصف بيوم الولاية محاولة صريحة لإعلان ثقافة الإقصاء التي انتهجها الحوثيون منذ انقلابهم على الشرعية , وتقديم أنفسهم كخيار إلهي وليس طرفاً سياسياً.
وتؤكد المعطيات على ارض الواقع ان جماعة الحوثي تسعى الى فرض نظام ولاية الفقيه الإيراني في اليمن على الرغم من اختلاف مذهب أتباع الحوثي عن المذهب الاثني عشر، بسبب التقاء المصالح والأهداف السياسية والتوسعية للطرفين ضمن توافق مستمر .
و ولاية الفقيه , بحسب التعريف الشيعي لها , هي مصطلح فقهي قديم في الفقه الشيعي الاثني عشري منذ بدايات الغيبة الكبرى للإمام الثاني عشر عند الشيعة الإثني عشرية المهدي المنتظر. حيث يعتبرها الفقهاء ولاية وحاكمية الفقيه الجامع لشرائط الفتوى والمرجعية الدينية المعبر عنه بالمجتهد في الأحكام الشرعية في عصر غيبة الإمام الحجة، حيث ينوب الولي الفقيه عن الإمام الغائب في قيادة الأمة وإدارة شؤونها والقيام بمهام الحكومة الاسلامية وإقامة حكم اللّه على الأرض .
والجدير بالذكر ان جمهوراً واسعاً من الشيعة الإمامية، لا يدينون بالاتباع لولاية الفقيه المطلقة التي ابتدعها الخميني، فضلاً عن فرق الشيعة الأخرى، كالزيدية والإسماعيلية.
ولقد تصدى العديد من الفقهاء الشيعة لتفنيد شرعية مشاركة الفقهاء في السياسة والحكم ابتداء، والتأكيد على أن الفقهاء، وبالجملة رجال الدين، يجب أن يظلوا بعيداً عن السياسة وشؤونها، ناهيك عن أن يتولوا شؤونها بأنفسهم.
وكان بداية اقرار نظام ولاية الفقيه عندما تفجرت الثورة في إيران , وكانت موجهة في المقام الأول ضد النظام البهلوي الشاهنشاهي الحاكم , وبعد نجاحها، سرعان ما استحدث نظام سياسي جديد، يحول رجال الدين الإيرانيين، الذين قادوا الثورة، إلى سلطة سياسية حاكمة تقبض على جميع الأمور.
إن حدود وصلاحية الولي الفقيه ما زالت من أكثر النقاط جدلاً بين الفقهاء الشيعة أنفسهم, وبين السياسيين الإيرانيين جميعاً, فالأدلة النقلية والعقلية إذا استطاعت أن تقنع أنصار الولاية بوجوبها, فإن صلاحيات الولي وحدود الولاية بقيت أمراً عصياً على الاتفاق وأثارت جدلاً في المذهب الشيعي عامة وفي البيت الداخلي الإيراني خاصة .
وفي نظام ولاية الفقيه يحدد نوع الحاكم وبالتالي صلاحياته (أي كونه فقيهاً مطلق التصرف) كوريث للنص الذي يحدد عين الإمام المعصوم في الإمامة الإلهية. حيث ينحصر الحكم فعلياً في الفقهاء, ويمنع عمن سواهم, وبهذا تحولهم إلى طبقة مستفيدة من الحكم خاصة وأن الولي الفقيه فوق الدستور, وبهذا المعنى يقترب من الحكم الثيوقراطي الذي يحكم فيه الفقيه باسم الإله.
وتبرر ولاية الفقيه وجودها بحيازتها على الشرعية الإلهية , وبهذا يسيطر المعنى الديني فيها على المعنى السياسي , وبالتالي سيساهم في ولادة أحزاب عقائدية قد تتحول إلى فرق دينية في أرجاء الدولة والمذهب, فكأنها محاولة لإعادة إنتاج الإمامة بصورة الفقاهة.
وأسوأ ما قد ينتج من ولاية الفقيه المطلقة، أن السلطات الثلاث، إذ تتركز في يد الولي الفقيه، فإنها ستؤدي حتماً إلى أسوء أنواع الاستبداد ، فالولي الفقيه يقوم بالإفتاء والاجتهاد، ثم ينفذ اجتهاداته من خلال منصبه على رأس السلطة التنفيذية.
إن مشروع إيران في العالم العربي وفي اليمن من خلال الحوثيين يستند إلى الطائفية المقيتة، لا سيما أن المتشيع الصفوي يكون ولاؤه لإيران وولاية الفقيه أكبر من ولائه لبلده.
يذكر أن علاقة الحوثيين مع إيران انتقلت من السر إلى العلن بعد إن سيطر المتمردون على العاصمة صنعاء بتواطؤ مع حليفهم الرئيس السابق علي صالح والقوات التابعة له، ومنذ ذلك الحين يسعى الحوثيون ومن خلال عدة مجالات إلى تكوين قوة عسكرية طائفية في اليمن.