في العديد من شوارع العاصمة اليمنية صنعاء، انتشرت لوحات إعلانية لجماعة (الحوثيين) تعكس بوضوح الأزمة مع حليف “الضرورة”، حزب “المؤتمر الشعبي”، الذي يترأسه الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، في وقتٍ تتحدث فيه الأنباء عن استقدام الجماعة لمسلحين من محافظات متفرقة، استعداداً لمواجهة محتملة، على الرغم من أن جهود التهدئة والاحتواء تبدو هي الأقوى حتى اليوم على الأقل.
وفي أحدث التطورات، دعا الحوثيون على لسان رئيس ما يُسمى “اللجنة الثورية العليا”، محمد علي الحوثي، في تصريح على صفحته في موقع “تويتر”، إلى “حلحلة الاختلالات” مع حزب صالح من خلال “لجنة الحكماء والعقلاء”. وخاطب صالح بالقول: “إذا وافقتم بالتطبيق فنحن حاضرون وقد عرضناها سابقاً وهي خطوة ايجابية عملية”. هذا التصريح جاء عقب مقابلة تلفزيونية لصالح، غلبت فيها محاولات تهدئة أجواء التصعيد، بنفي الخلافات وتأكيدها في الوقت ذاته من خلال الإشارة إلى مراجعات بالتحالف بين الحزب والجماعة، مع استبعاد تطور الوضع إلى مواجهة داخل العاصمة صنعاء.
وأكدت مصادر محلية وسكان في صنعاء لـ”العربي الجديد”، أن حواجز التفتيش التي يقيمها الحوثيون، انتشرت بشكل ملحوظ خلال الأيام الأخيرة، وأحياناً تظهر حواجز وتختفي مرة أخرى، تقول مصادر الجماعة إنها تابعة لوزارة الداخلية وللأجهزة الرسمية الخاضعة لسيطرتها هي وحلفائها، لكن شعارات الحوثيين ترافقها في الغالب.
ولا تُعد حواجز التفتيش والانتشار المسلح في صنعاء، سوى أحد المظاهر والإجراءات، التي دشنتها الجماعة تحت مسمى “مواجهة التصعيد بالتصعيد”، ابتداءً بالدعوة إلى فعاليات لحشد المسلحين في مداخل العاصمة صنعاء بالتزامن مع المهرجان الذي أقامه حزب صالح في 24 أغسطس/آب الماضي، ومن وسط الفعاليات سيّرت الجماعة عشرات الطواقم العسكرية (سيارات عسكرية تحمل مسلحين)، وصلت إلى ميدان السبعين الذي أُقيم فيه مهرجان حزب صالح، وذلك بعد أن خلا من المشاركين.
وعلى الرغم من اتفاق شفهي أعلن عنه الحوثيون وحزب صالح بـ”إنهاء التوترات”، منذ أيام، لا تزال لوحات الدعاية التي شرع فيها الحوثيون للرد على تحركات حليفهم، مرفوعة في الكثير من شوارع العاصمة، بما في ذلك صورة توثّق حفل “نقل السلطة”، بين رئيس “اللجنة الثورية العليا” محمد علي الحوثي، الذي كان بموقع رئيس الأمر الواقع، وسلم لاحقاً لرئيس ما يُسمى بـ”المجلس السياسي الأعلى”، صالح الصماد. وتعتبر الجماعة أن الصورة أنموذج للتداول السلمي للسلطة، رداً على صورة كانت قد رُفعت من دعاية حزب صالح، توثق تسليم السلطة من صالح إلى الرئيس عبدربه منصور هادي عام 2012.
وفيما كان حزب “المؤتمر” أعلن عن توجيه بإزالة اللوحات الدعائية التابعة له، بعد يومين من فعالياته التي أُقيمت في 24 من الشهر الماضي، رفع الحوثيون لوحات لا تزال منتشرة، تُحذر ممن تسميهم بـ”الخونة”.
في الجانب العسكري، تحدثت مصادر قريبة من حزب صالح، عن حشد الحوثيين مسلحين من أتباعهم من محافظات مختلفة إلى صنعاء، وسط أنباء عن سحب البعض منهم من جبهات المواجهة مع قوات الشرعية. غير أن الجماعة ردت على ذلك، بما بدا أنه محاولة لإظهار أنها المسيطر على جبهات الحرب، ونظّمت زيارات لبعض مسؤوليها إلى جبهات المواجهات شرق صنعاء وفي محافظة الجوف، وصولاً إلى جبهة الحدود مع السعودية. وشن ناشطون في الجماعة هجوماً على حزب صالح، بأنه لا يشارك فعلياً بمواجهة ما يصفونه بـ”العدوان”، وهو ما ينفيه الحزب، ويشدد الطرفان على أن مواجهة “العدوان” هي الأولوية، وإن كان ذلك لم يعد هو الحقيقة الماثلة على أرض الواقع.
إلى ذلك، وجنباً إلى جنب مع استحداث حواجز التفتيش ونشر المسلحين في صنعاء والاستعراض العسكري للطواقم المسلحة للجماعة، في اليوم نفسه الذي أُقيم فيه مهرجان حزب صالح، حرصت الجماعة أيضاً على التغطية الإعلامية لتحركاتها ونشر صور من تدريبات لإحدى الكتائب المسلحة للجماعة، في ما بدا أقرب لرسائل تهديد أو الاستعراض لإيصال رسائل سياسية ومعنوية.
كذلك رفعت الجماعة دعوات متكررة لـ”تفعيل حالة الطوارئ”، واتهم مناصرون لصالح، الحوثيين بشن حملة تحريض على قيادات الحزب وصالح شخصياً، في مقابل انتقادات لاذعة تواجهها الجماعة من ناشطين أو قيادات في حزب صالح. في حين يلتزم الأغلبية الصمت والدعوة إلى احتواء الخلافات والتحذير من تبعات الانجرار وراء الخلافات، لكن الواقع يشير إلى أن هذا الصوت هو الأضعف، على الأقل وفقاً لما هو ظاهر، وقد يتغير إذا ما تم الإعلان عن اتفاق.
بناء على ما سبق، يبدو أن ثقة الحوثيين مع حليف “الضرورة”، دخلت في أزمة حقيقية، اختارت معها الجماعة التصعيد لمواجهة ما يعتقد البعض من قادتها أنه انقلاب يسعى إليه أو كان يحضر له صالح، بالتزامن مع المهرجان الذي استمرت تحضيراته أسابيع طويلة في ذكرى تأسيس الحزب الذي نفى تلك التسريبات. وبعد أن شرع الحوثيون في العديد من الإجراءات عسكرياً وإعلامياً وغير ذلك، لا يزال الوضع في غاية التعقيد، مع اعتماد حزب صالح سياسة “امتصاص الصدمات” مؤقتاً على الأقل، الأمر الذي جعل البعض ينظر إلى ذلك، كمؤشر على أن موازين القوى قد تكون لصالح الحوثي. لكن آخرين يرون أن الوقت لم يحن بعد للفصل في موازين القوة، التي قد تصبح أوضح في مرحلة مقبلة من الأزمة، ما لم تنجح جهود التهدئة بالحد منها.