بعكس العديد من المقالات التي نشرت عن الجنرال قاسم سليماني ووصفته بأنه اقوى رجال ايران ومهندس توسعها في المنطقة، الا ان الكاتب الاميركي الشهير توماس فريدمان كان له رأي مخالف فكتب في مقال له بصحيفة نيويورك تايمز يقول:
قد يُطلق الإيرانيون ذات يوم، اسم دونالد ترامب على أحد شوارع طهران، لأن ترامب أمر باغتيال أغبى رجل في إيران وأكثر من تمت المبالغة في أهميته الاستراتيجية في الشرق الأوسط: انه اللواء قاسم سليماني.
ولننظر الى الحسابات الخاطئة التي أقدم عليها سليماني. ففي عام 2015، وافقت الولايات المتحدة والقوى الأوروبية الكبرى على رفع جميع العقوبات المفروضة على إيران، والتي يعود الكثير منها إلى عام 1979، في مقابل أن توقف إيران برنامجها النووي،على أن تحتفظ بحقها في بناء برنامج نووي سلمي. لقد كانت صفقة رائعة لإيران. وحقق اقتصادها نمواً بنسبة 12 في المئة في العام التالي. فماذا فعل سليماني بهذا المكسب المفاجئ؟
أطلق سليماني والمرشد الأعلى مشروعًا امبرياليا إقليميًا عدوانيًا جعل من إيران ووكلائها، القوة المسيطرة الفعلية في بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء. هذا الأمر أزعج حلفاء الولايات المتحدة في العالم العربي وإسرائيل، فضغطوا على إدارة ترامب للرد. ترامب نفسه، كان يتوق لتمزيق أية معاهدة أبرمها الرئيس أوباما، لذا، انسحب من الاتفاق النووي وفرض عقوبات نفطية على إيران، أدت الى انكماش اقتصادها بنسبة 10 في المئة تقريبًا وارتفاع معدل البطالة الى 16 في المئة.
حدث كل هذا لكي تقول طهران انها تسيطر على بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء. فما الفائدة؟
مع حرمان نظام طهران من الأموال، اضطر آيات الله إلى رفع أسعار البنزين في الداخل، مما أدى إلى اندلاع الاحتجاجات. وهذا ما استدعى حملة قمع من قبل رجال الدين ضد شعبهم، أسفرت عن قتل واعتقال الآلاف، مما أضعف من شرعية النظام.
سمك في برميل
ثم قرر «العسكري العبقري» (سليماني) أنه، بعد دعم نظام بشار الأسد، والمساعدة في قتل نصف مليون سوري، محاولة ممارسة الضغط المباشر على إسرائيل، من خلال محاولة نقل الصواريخ الموجهة ذات الدقة العالية من إيران إلى وكلائها في لبنان وسوريا.
لكنه اكتشف، أن محاربة إسرائيل بما تمتلكه من قوة جوية وقوات خاصة ومخابرات إلكترونية- ليس كالقتال ضد جبهة النصرة أو «داعش». فقد رد عليه الإسرائيليون بقوة، وقتلوا عددا كبيرا من الإيرانيين في سوريا وهاجموا عملاءهم في أماكن وصلت الى غرب العراق.
في الواقع، اخترقت المخابرات الإسرائيلية قوات فيلق القدس ووكلاءه إلى درجة أن الطائرة المحملة بذخائر دقيقة كانت تهبط في سوريا عند الساعة الخامسة مساءً، فيقصفها سلاح الجو الإسرائيلي عند الساعة الخامسة والنصف مساءً. كان رجال سليماني كالسمك في برميل. لو كان لإيران صحافة حرة وبرلمان حقيقي، لتم عزل سليماني لسوء إدارته الفاضح.
لكن الأمور أصبحت أفضل، أو-بالأحرى- أسوأ، بالنسبة لسليماني. فقد ورد في العديد من اعلانات نعيه إنه قاد الحرب ضد «داعش» في العراق، في تحالف ضمني مع أميركا. وهذا صحيح. لكن ما أغفلوه هو أن تجاوزات سليماني وإيران في العراق هي التي ساعدت على نشوء «داعش»، في المقام الأول.
قوة امبريالية
لقد كان سليماني وزملاؤه في فيلق القدس هم الذين دفعوا رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، لطرد السنة من الحكومة والجيش، والتوقف عن دفع رواتب الجنود السنة، وقتل أعداد كبيرة من المتظاهرين السنة المسالمين وتحويل العراق إلى دولة طائفية يهيمن عليها الشيعة. ولم يكن «داعش» سوى الرد على ذلك.
أخيرًا، كان مشروع سليماني بجعل إيران القوة الإمبريالية في الشرق الأوسط هو الذي حول إيران إلى أكثر قوة مكروهة في الشرق الأوسط بالنسبة للعديد من الشباب والقوى المؤيدة للديموقراطية في كل من السنة والشيعة، في لبنان وسوريا والعراق.
وكما أشار الباحث الأميركي من أصول إيرانية، راي تاكيه في مقالة في مجلة بوليتيكو، «بدأ سليماني في السنوات الأخيرة في توسيع حدود إيران الإمبريالية. لأول مرة في تاريخها، أصبحت إيران قوة إقليمية حقيقية، تمتد نفوذها من ضفاف البحر المتوسط إلى الخليج العربي. لقد أدرك سليماني أن الفُرس ليسوا مستعدين للموت في ساحات القتال البعيدة من أجل العرب، لذلك ركز على تجنيد العرب والأفغان كقوة مساندة. كان يتفاخر في كثير من الأحيان بأنه قادر على إنشاء ميليشيا في وقت قصير ونشرها ضد مختلف أعداء إيران».
دولة داخل الدولة
هؤلاء بالضبط، هم وكلاء سليماني-حزب الله في لبنان وسوريا وقوات الحشد الشعبي في العراق والحوثيون في اليمن-هم الذين أنشأوا دولًا موالية لإيران داخل هذه الدول. وهذه الدول داخل الدول هي التي ساعدت في منع أي من هذه البلدان المحافظة على وحدتها أو محاربة الفساد، وحالت دون تطوير البنية التحتية كالمدارس والطرق والكهرباء.
وبالتالي، أصبح يُنظر لسليماني ووكلائه من «صانعي الملوك» في لبنان وسوريا والعراق، بشكل متزايد، كقوى إمبريالية بالمنطقة، أكثر من أميركا ترامب. وقد أدى ذلك إلى انطلاق حراك ديموقراطي شعبي من القاعدة إلى القمة، في لبنان والعراق ضمت السنة والشيعة الذين توحدوا للمطالبة بحكم ديموقراطي غير فاسد وغير طائفي.
وفي 27 نوفمبر، قام الشيعة العراقيون بإحراق القنصلية الإيرانية في النجف، ونزع العلم الإيراني من المبنى ورفع العلم العراقي. كان ذلك بعد أن أشعل العراقيون، في سبتمبر 2018، النار في القنصلية الإيرانية في البصرة، وهتفوا ضد تدخل إيران في السياسة العراقية.
ومن المؤكد ان عملية «الاحتجاج» برمتها، ضد مجمع سفارة الولايات المتحدة في بغداد الأسبوع الماضي كانت من تدبير سليماني لجعلها تبدو كما لو أن العراقيين يطالبون بخروج القوات الأميركية، بينما كان العراقيون، يطالبون بانسحاب إيران. فالمتظاهرون كانوا من افراد الميليشيات المؤيدة لإيران. ولم ينخدع أحد في بغداد بهذا.
ترامب لم يأكل الطُعم
لقد كان ذلك -بطريقة ما- هو سبب مقتل سليماني. فقد أراد أن يغطى إخفاقاته في العراق، فقرر أن يبدأ في استفزاز الأميركيين هناك بقصف قواتهم، على أمل أن يبالغوا في رد فعلهم وقتل العراقيين لكي ينقلبوا على الولايات المتحدة. وبدلاً من أن يأكل ترامب الطُعم، قرر قتل سليماني.
لا أعرف إن كان هذا القرار حكيماً أم ستكون له تعقيدات طويلة المدى. ولكن هناك شيئين عن الشرق الأوسط.
الأول، في كثير من الأحيان في الشرق الأوسط، يكون عكس كلمة «سيئ» ليس «جيدًا». وغالبًا ما يتبين أن عكسها هو «فوضى». فلمجرد أن تحيّد عنصرا سيئًا مثل سليماني لا يعني ان يحل محله عنصر جيد، أو أن تغييرا جيداً سيحدث في سياسة إيران.
سليماني هو جزء من نظام يسمى الثورة الإسلامية. وهذه الثورة تمكنت من الاحتفاظ بالسلطة باستخدام أموال النفط والعنف منذ عام 1979. هذه هي مأساة إيران، وهي مأساة لن يغيرها مقتل سليماني.
إيران اليوم هي وريث حضارة عظيمة وشعب موهوب للغاية وثقافة لها اهميتها. وحقيقة أن سليماني الإيراني الأكثر شهرة في المنطقة تقول الكثير عن الفراغ المطلق لهذا النظام، وكيف أنه أهدر حياة جيلين من الإيرانيين من خلال البحث عن الكرامة في جميع الأماكن الخاطئة وبكل الطرق الخاطئة.
انتصارات وهمية
الشيء الثاني هو أنه في الشرق الأوسط، تحدث كل السياسات المهمة في صباح اليوم التالي للغد.
نعم، في الأيام المقبلة سيكون هناك احتجاجات صاخبة في إيران، وحرق الأعلام الأميركية والبكاء على «الشهيد». وفي صباح اليوم التالي، سيكون هناك ألف محادثة هادئة داخل إيران لن يُعلن عنها. سيتحدثون عن مأساة حكوماتهم وكيف أهدرت الكثير من ثروات إيران ومواهبها في مشروع إمبريالي جعل إيران مكروهة في انحاء الشرق الأوسط.
نعم، في صباح اليوم التالي، سيحتفل حلفاء أميركا العرب بهدوء بوفاة سليماني، لكن يجب ألا ننسى أبدًا أن الخلل في الكثير من الدول العربية، هو افتقارها إلى الحرية والتعليم الحديث وتمكين المرأة، وهو ما جعلها ضعيفة لدرجة أن تتمكن إيران من الاستيلاء على دولهم من الداخل بواسطة وكلائها.
* نقلاً عن صحيفة «القبس» الكويتية