29.7 C
الجمهورية اليمنية
8:51 مساءً - 21 نوفمبر, 2024
موقع اليمن الاتحادي
Image default
اقلام حرة

الأموات الأحياء في صنعاء!

*عزالدين سعيد الأصبحى:

____

**تعود معركة الشعارات فى صنعاء بشكل يدلل على صراع عميق لا يُخفى على أحد. فقد أشعل الحوثى بذرة الخلاف فى إعلانه تقسيم المجتمع إلى مجاهدين وكفار. أما المجاهدون فهم أنصاره من التنظيم، وأما الكفار فكل الشعب وما تبقى من العالم.

وجعل الاحتفاء بالمولد النبوى هو مؤشر الإيمان والكفر. والاحتفال لم يعد هو تلك المناسبة الدينية التى جُبل الكل على الاحتفاء بها ودون إكراه أو تخندق سياسى، بل هى الآن فى صنعاء مظهر سياسى واضح وولاء حزبى معلن. فالمطلوب لتثبت إيمانك إظهار الولاء السياسى المطلق للجماعة. وفيما مضى بقى الاحتفاء بالمولد النبوى الشريف بكل اليمن مثل سائر الاقطار العربية، تعظيما لسيرة المصطفى صلوات الله عليه وسلم، وفرصة لتعزيز روح المحبة والسلام بين الناس، وبمظاهر يغلب عليها الفرح وإظهار التقوى. من ملابس براقة وتوزيع حلوى ومدائح النشيد الصوفى.

هذا الأمر تغير فى صنعاء منذ بضع سنوات وصار الآن مناسبة لتكريس الولاء السياسى، وخلق انقسام مجتمعي. ومظاهره لصرخة خطاب تجييش للحشود المقاتلة. ضد المجتمع وأفراده.

واللافت هو تهافت كثير من النخبة فى الذهاب نحو الخرافة إلى أبعد مدى، وظهرت مشاهد الاحتفاء بصور مضحكة مؤلمة كأننا فى فيلم الأموات الأحياء والزومبى.

والأكثر ألماً ذهاب نخبة إعلامية وسياسية لتأكيد انجرافها، واعتبار الأمر إنجازاً وبطولة. وذلك إما عبر التمجيد المباشر لحالة الجنون هذه، أو غض الطرف والإمعان فى نقد المعارضين للتوجه الحوثى، والنيل من مؤسسات الدولة الشرعية فقط، (دون أى نقد شجاع وموضوعى لكل أطراف مشروع الطائفية المتشددة. لصرف الأنظار عن كارثية المشهد والإبقاء على مصالح لا تستحق الثمن الضخم الذى يدفعه الوطن، مع ميليشيات تكرس مشروع الدمار لليمن المنكوب بصرخة الموت.

نعم الأمر ليس بحاجة إلى وقفة تردد فى الإجابة عن سؤال إلى أين يقود اليمن مشروع الميليشيات؟، فتفاصيل الصورة معلنة للمرحلة القادمة معلنة من الآن، إذا استمرت هيمنة الميليشيات.

ومن رأى حالة آلاف الناس شبه عراة مطلية أجسادهم بالطلاء الأخضر، ويضعون مصابيح خضراء فى رءوسهم، يصرخون فى المجهول ضد الكفار ، يدرك مشهد العزلة القاتلة التى تعانيها صنعاء، وعندما نرى شخصيات حزبية واعلامية تمجد ذلك علانية أو عبر صمت هو أكثر صراحة من كل قول، وعبر تخادم لا يحتاج عناء لكشف وضوحه بين الميليشيات والرؤى المنغلقة والمصالح الضيقة. وتسخير أكبر حملات الإعلام على أن ذلك نصر مبين للمؤمنين ضد كفار الكون. ندرك مدى حجم المأساة المقبلة، وصعوبة التحدى القادم أمام يمن الحكمة والإيمان.

تحد يحتاج إلى وقفة شجاعة مع الذات، خاصة أن معظم الشارع مازال يتطلع إلى عودة الوطن اليمنى المتماسك والمتسامح. ونرى ذلك بثبات العامة مع كل نداء وطني. وما رد الأغلبية الغاضبة فى الشارع اليمنى ضد توظيف المولد النبوى الشريف سياسيا، عبر رفع مستوى الاحتفاء بثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962، والتذكير بأهدافها إلا رفضا عفويا لخطاب الحوثي.

وهو عمل جيد ولكنه مجرد رد فعل وخطوة فى مسار صعب لابد من خوض غماره الآن، عبر إعادة الاعتبار لمشروع الوطن اليمنى الذى تحاصره صراعات لا تتوقف، وأول ما نحتاجه دعوة النخبة التى يتبخر دورها، بل وحتى حضورها الفعلى، فى وقف تشظ لا معنى له، والبدء ببرامج عمل حقيقية لإعادة البوصلة نحو مشروع سياسى لا يوقف الصراع فقط، ولكن يوقف الانجرار نحو هذا الضياع لجيل كامل يذهب بقوة إلى هاوية الخرافة.

إن الخطوة الأولى والأهم هو موقفنا الرافض لخطاب الكراهية والتشظى، ورفضنا لمشاريع تقول صراحة إنها ضد العقل والمساواة، وضد الحريات وضد وحدة الأمة.

موقف النخبة ضد الاستقواء بقوة سلاح منفلت لن يحسم الأمور بالنصر المبين كما يعتقد البعض، مدركين أن أى مشروعات تدعو إلى التشظى لن تحمل غير مزيد من الضياع والاضطراب وطنيا وإقليميا . والأهم هو عودة صوت العقل عبر نخبة شجاعة، تغادر مقاعد المتفرجين، وإعادة توجيه بوصلة الحاضنة التى تناصر الميليشيات بالقوة والمال والصمت، لتكون مع الوطن لا مع الرؤية الضيقة للمنطقة والمذهب.

 فالحرب تعلمنا أن الشر ينتصر إذا وقف الأخيار على الحياد، وبقى صوت الخير وحيداً.

* سفير بلادنا لدى المملكة المغربية

** نقلاً عن جريدة الأهرام المصرية

أخبار ذات صلة

جار التحميل....

يستخدم موقع اليمن الاتحادي ملفات Cookies لضمان حصولك على افضل تجربة موافقة إقرأ المزيد