في زمنٍ تتقاسم فيه الحرب أرغفة الفقراء، ويُساق الموظفون كضحايا في معركة لا ناقة لهم فيها ولا رأي، يقف الحوثي كأقسى تجلٍّ للاستبداد .
فمنذ سيطرته على مؤسسات الدولة، حوّل حياة مئات الآلاف من الموظفين والعاملين إلى جحيمٍ يوميّ، عنوانه الجبايات، قطع الرواتب، الفصل التعسفي، وتسييس الكرامة.
وشهدت القوى العاملة في البلاد تدهوراً حاداً منذ اندلاع الحرب الانقلابية لمليشيا الحوثي في 21 من سبتمبر 2014 مما أدى إلى أزمة بطالة وفقر غير مسبوقة.، حيث تسببت الحرب في فقدان أكثر من 5 ملايين عامل وظائفهم، أي ما يعادل نحو 80% من القوى العاملة في البلاد.
فيما يكابد ما يزيد على 8 ملايين عامل بالأجر اليومي وذويهم اليوم جراء ندرة العمل، وانقطاع الرواتب، وتفشي البطالة، واتساع رقعة الفقر والجوع، 80% منهم يعملون في الاقتصاد غير الرسمي، دون أي تأمين اجتماعي أو صحي، ودون عقود قانونية تضمن حقوقهم.
وارتفعت نسبة البطالة من 14% قبل الحرب إلى 35%، مع ارتفاع معدل البطالة بين الشباب إلى 60%
وأغلقت آلاف الشركات والمصانع أبوابها، مما أدى إلى تسريح 70% من العمال في القطاع الخاص.
وأدى القصف إلى تدمير 355 مصنعاً، مما تسبب في فقدان 15 ألف موظف لفرص عملهم في القطاع النفطي.
كما توقفت أنشطة القطاع المصرفي نتيجة سيطرة الحوثيين على أرباح البنوك والديون المحلية، مما أدى إلى شلل في القطاع التجاري.
ولم تكن النساء بمنئى عن تلك الاضرار فقد كانت نسبة مشاركة النساء في القوى العاملة 6% فقط، وانخفضت عمالة الإناث بنسبة 28% في عام 2015، مقارنة بانخفاض 11% بين الذكور، وتجاوزت نسبة البطالة في أوساط النساء 60%.
وواجهت النساء صعوبات في الوصول إلى الحسابات المصرفية بالدولار، مما أثر على قدرتهن على إدارة الأعمال.
وفي تقرير حقوقي للمركز الأمريكي للعدالة، كشف عن 8400 حالة انتهاك تعرضت لها النساء منذ بداية الحرب وحتى نهاية العام الماضي، تنوعت بين العنف القائم ضدها دون مراعاة الحقوق التي يجب أن تمنح لها دون تمييز وتهميش لدورها في أماكن تواجدها سواء أكانت في العمل أو المنزل.
من بين تلك الانتهاكات ما يقارب 1900 حالة اعتقال تعسفي وآلاف من حالات القتل حيث تؤكد العديد من المصادر الحقوقية أن هذه الأرقام قد لا تعكس الحجم الحقيقي للفظائع التي تعرضت لها النساء طوال سنوات الحرب، حيث تُقدَّر وفيات النساء بالآلاف نتيجة التعرض للعنف المنهجي والاعتقالات التعسفية في ظل نزاع دامٍ ومعقد.
كما أثرت الحرب على الشباب بشكل كبير حيث يشكل الشباب حوالي 70% من إجمالي السكان في اليمن.
وبلغت نسبة البطالة بين الشباب 60%، مما يعكس تحديات كبيرة في توفير فرص العمل لهذه الفئة، وبات اليوم أكثر من 80% من السكان يعيشون تحت خط الفقر، كما ارتفع معدل التضخم إلى نحو 45%، مما زاد من صعوبة المعيشة للمواطنين.
القطاع العام، أيضا كان الأكثر تأثرا بالحرب التي شنها الحوثيون وكانت الوجهة الأبرز التي استهدفتها المليشيات ودمرتها بشكل كبير منذ اللحظات الأولى لاستيلائها على مؤسسات الدولة المختلفة ونهبها لكل مواردها وميزانيتها بما فيها البنك المركزي وكانت تلك المؤسسات مصدراً هاماً للوظائف قبل الحرب.
وتشير بيانات منظمة العمل الدولية إلى أن أكثر من 30% من القوى العاملة في اليمن كانت تعمل في القطاع العام قبل 2015، في حين تورد أرقام يمنية رسمية أنّ كشوف الرواتب العامة تحتوي على حوالي 1.25 مليون شخص، وكانت هذه الرواتب تدعم قرابة 6 ملايين شخص في البلاد.
كما حُرم موظفو الدولة، في مناطق سيطرة الحوثي لذين يشكلون النسبة الأكبر من القوة العاملة في القطاع العام، تعسفياً من رواتبهم منذ عام 2016.
ويشكل المعلمون شريحة واسعة منها من ظروف عمل ومعيشة متردية في الوقت الذي لا يزالون فيه مداومين على عملهم بمستحقات منخفضة تتمثل في نصف راتب غير منتظم يصرف كل ستة اشهر تقريباً.
وادى انهيار العملة المحلية إلى تدهور القوة الشرائية للمواطنين، بمن فيهم العاملون الذي يعانون من انخفاض أجورهم بشكل حاد وعدم انتظام صرفها وشبه انعدام الأمان الوظيفي.
عمال اليمن .. موظفو السخرة تحت سلطة الحوثي
بجرة قلم، أوقف الحوثي الرواتب منذ أكثر من سبعة أعوام، تاركاً الموظف حائراً بين الجوع والذل، وبقرارات مسيّسة، طَرد الكفاءات، وأحال المئات إلى البطالة المقنّعة بتهم ملفّقة، وبدل أن يضمن لهم الأمان الوظيفي، زرع الرعب في أروقة المؤسسات.
أما الجبايات التي تُفرض باسم “المجهود الحربي”، فكانت كالسيف على رقاب البسطاء، تُؤخذ من أفواه أطفالهم لتُنفَق في آلة الحرب، لا في بناء وطن.
في ظل هذا الواقع، لم يعد العامل في مناطق الحوثي مجرد موظف مسحوق، بل صار رقماً في معركة التجويع والترويع.
فمن يعوّض سنوات العمر التي ضاعت بين وعود الصرف الزائفة، ومن يعيد الهيبة لكرامة سُحقت تحت شعارات زائفة باسم “الصمود”؟
كما تآكلت المنظومة النقابية، وغابت المؤسسات التي كانت تدافع عن العمال والموظفين، وانقسمت القطاعات الإدارية، وسقطت عقود الأمان الوظيفي في فوضى السلاح.