25.9 C
الجمهورية اليمنية
8:09 مساءً - 21 نوفمبر, 2024
موقع اليمن الاتحادي
- أهم الأخبارعين الحقيقة

الحوثيون وحربهم على أطفال إب..أرقام وشهادات

قرابة شهر مضى على استدراج الطفل “أسامة لطف الحجاجي” وثلاثة من أصدقائه عن طريق أحد المتحوثين في منطقتهم بمركز مديرية القفر-محافظة إب، واقتيادهم سرا –بدون إذن أسرهم-إلى العاصمة صنعاء لحضور دورات توعوية طائفية.
على الأرجح، لا يبدو أن الطفل “الحجاجي” ورفاقه الثلاثة، سيكون بمقدورهم العودة إلى أحضان أمهاتهم بعد الأن، حيث تمهد مثل تلك الدورات التوعوية إلى نقلة نوعية نحو محرقة من النادر أن يعود منها أحد.
عمليا، لا يمثل ذلك سوى إحدى الحلقات ضمن سلسلة طويلة من الانتهاكات التي تطال الطفولة، بطرق عدة ومتنوعة، من قبل مليشيات الحوثي وصالح الانقلابية في محافظة إب منذ اجتياحها المحافظة قبل ثلاث سنوات.
ومن بين أبرز تلك الانتهاكات، استهدف الأطفال بشكل مباشر عبر الاغتيال والقتل والقصف العشوائي والممنهج أو الزج بهم في المعارك أو المعتقلات؛ وإما بشكل غير مباشر بالتشريد والحرمان من التعليم أو من أبسط متع الحياة الأخرى، في ظل إصرار تلك الميليشيات على مواصلة حربها الخاصة على طول البلاد وعرضها، وتمسكها بفرض قبضتها الحديدية على محافظة إب.


الطفل “بدير”.. تدشين الحرب الكبرى على الطفولة

منذ الأيام الأولى لاجتياحها محافظة إب، دشنت ميليشيات الحوثي والمخلوع صالح انتهاكاتها المروعة ضد أبناء المحافظة المسالمة، باستهداف البراءة ابتداء، بقتل الطفل “أسامة بدير”، في أبشع جريمة شهدتها المحافظة في حق الطفولة.

من مسافة قريبة جدا، وبدون رحمة، أطلق مسلح حوثي دفعة من رصاص بندقه نحو الطفل “أسامه بدير”، بعد أن علم منه أنه حفيد الشيخ “علي مسعد بدير”، الرجل الذي وقف بكل صمود وبسالة في وجه تقدم وتوسع الميليشيات في منطقته.

ولم تكتفِ الميليشيات بجريمة القتل، بل نكلت بجثة الطفل ورمت بها إلى قارعة الطريق ومنعت الاقتراب منه بذريعة أن الجثة تم تفخيخها..!! حسب ما أشيع حينها على نطاق واسع.

وزاد الناشط “محمد المقبلي”، تأكيد الرواية قائلا: “كنت بين الكثيرين الذين حضروا إلى المكان ورأيت بعيني جثة الطفل اسامة مرمية في أحد جنبات الطريق العام في مدينة يريم لساعات طويلة دون أن يتمكن أحد من انتشاله، حيث تعمدت عناصر من المليشيا ترويع الناس بأن الجثة مفخخة، وأن سماعة هاتفه التي في أذنه عبارة عن أسلاك الحزام الناسف”..!!

وعلى هذا النحو، يعتقد كثيرون أن هذه الجريمة استهدفت الميليشيات من وراءها إرعاب بقية أبناء المحافظة وجعلهم يضعون أيديهم على قلوبهم خوفا من البطش الذي سيلحقهم وأطفالهم في قادم الأيام حالكة السواد، ضمن رسالة تكشف عن استراتيجية السيطرة عبر التخويف والترهيب بالعنف المفرط.

ويقول “المقبلي” – وهو من منطقة “القفر”، محافظة إب، التي ينتمي إليها الضحية حول هذه الجريمة، إنه مازال يعيش “تفاصيل هذه المأساة المؤلمة حتى اللحظة”، وهو ما يعكس نجاح الميليشيات في تحقيق غايتها الإرهابية من وراء هذه الجريمة النكراء.

مسلسل متواصل وأشكال متعددة من انتهاكات الطفولة

لم يتوقف مسلسل قتل الطفولة في إب عند حد معين، فقد واصلت المليشيا حربها من طرف واحد، لتحصد في العام الأول من اجتياحها للمحافظة، أرواح 13 طفل، وفق إحصائيات محلية موثقة.

وخلال الأعوام الثلاثة من سيطرتها على المحافظة، بلغ عدد القتلى من الأطفال على يد الميليشيات مالا يقل عن 34 طفل، و51 جريح، بحسب تقرير حديث صادر عن المركز الإعلامي للمقاومة بمحافظة إب.

وبأخذ عينات من تلك الجرائم نجد أن جرائم القتل بحق الطفولة انتشرت في معظم مديريات المحافظة وتوزعت على أكثر من شكل.

فجريمة قتل “أسامة بدير” ـ مديرية يريم ـ أخذت شكل التصفية الجسدية من مسافة قريبة، فيما اغتيل الطفل “مهند سعيد علي حسن” ـ مديرية جبلة – في 25/7/2015، عن طريق القنص من قبل أحد القناصة الحوثيين المتمركزين في منطقة وراف، وأصيب شخص آخر برصاصة من القناص نفسه بينما كان يحاول إسعافه.

وكانت الطفلة “رنا الزنم” هي آخر ضحايا الأطفال-حتى الأن- الذين قتلوا برصاص مسلحي جماعة الحوثي، حيث تم قتلها في حديقة عامة وسط المدينة وهي تلعب مع الأطفال في عيد الأضحى المبارك.

وقُتلت الطفلتين “صابرين بشير”، و “منيرة محمد مهدي” ـ مديرية بعدان، بقصف عشوائي من الميليشيات الانقلابية، وبالطريقة نفسها أيضا قُتلت طفلتين أخريتين بمديرية ذي السفال، هما “دعاء أحمد مسرع”، وشقيقتها. وطال هذا النوع من القتل عدد من الأطفال في منطقة الشعاور بالحزم.


رهائن ومختطفين

وفي نوع آخر من مسلسل الانتهاكات، اختطفت الميليشيات واعتقلت تسعة أطفال خلال الأعوام الثلاثة من سيطرتها على المحافظة، طبقا لتقرير محلي حديث.

بعض هؤلاء الأطفال، أطلق سراحه بعد فترة من الاختطاف والاعتقال، فيما لا يزال أخرون مختطفون حتى الأن، على رأسهم الطفل “جبران نجيب علي يحي القاضي”، 15 عام، من أهالي مديرية حزم العدين، والذي يتربع المرتبة الأولى في عدد أيام الاعتقال، حيث ما يزال معتقلا حتى الآن منذ قرابة 300 يوم.

أما الطفل “عبدالمجيد وازع السياسه” فقد استمر في سجن الأمن السياسي، الذي تتخذ منه مليشيات الانقلاب سجناً خاصاً، لأكثر من ثلاثة أشهر مختطفاً كرهينة، قبل أن تنجح وساطات محلية في إخراجه بفدية مالية.

واختطفت مليشيا الحوثي الطفل “عبدالمجيد” في أواخر نوفمبر 2016، بعد اقتحام منزلهم الكائن في منطقة الربادي بمديرية جبلة للبحث عن والده، وحين لم تجده أخذت ابنه كرهينة بديلاً عنه.

والأمر نفسه تكرر مع الطفل “أنس الواصلي” في ابريل 2015م؛ ونجلي “محمد عبدالكريم القوسي” اللذين اختطفتهما المليشيات الانقلابية من مدرستهما في ديسمبر 2016م، للضغط على والدهما الذي تصدى لحملة مسلحة قدمت إلى منزله في منطقة “السحول” وأحرقته، فتم اختطاف الأطفال كرهائن قبل أن يسلم الأب نفسه في وقت لاحق بعد اشتباكات قتل فيها اثنين من أشقائه.

وتعد سياسة أخذ الرهائن للضغط على الآباء المستهدفين، واحدة من الجرائم التي استدعاها الحوثيون من ارثهم الغابر، حيث اشتهر بها أجدادهم الأئمة لتركيع أبناء الشعب اليمني. وقد عبّر عنها الروائي الراحل “زيد مطيع دماج” في روايته الشهيرة “الرهينة”.


تجنيد قسري.. إحصاءات ونماذج مأساوية

يأتي تجنيد الأطفال القصر وزجهم في محرقة الحرب، على رأس قائمة الانتهاكات الكبرى بحق الطفولة في محافظة إب.

وهي واحدة من جرائم الحرب التي اشتهرت بها الميليشيات بشكل كبير لتعويض النقص في عدد المقاتلين.

وفي أحدث تقرير للمركز الإعلامي للمقاومة في إب بعنوان “حصاد السلام الزائف” والذي يوثق جرائم الحوثيين في المحافظة خلال ثلاثة أعوام، رصد المركز تجنيد الحوثيين لنحو (423) طفل من أبناء المحافظة خلال الفترة الماضية.

وكان ستة أطفال من أبناء المحافظة قد قتلوا في أواخر فبراير الماضي، فيما أصيب 13 آخرون، إثر انقلاب شاحنة عسكرية تابعة للحوثيين في نقيل “سمارة” أثناء عملية تهريبهم بصورة قسرية للتجنيد.

وأتهم أولياء أمور الأطفال الذين قتلوا في الحادث- في بلاغ رفعوه إلى جهات حقوقية- ميليشيات الحوثي باستدراج أطفالهم من المدارس وتجنيدهم قسرا دون علم أهاليهم.

وفي وقت سابق من هذا العام عثرت أسرة الطفل “حمزة عبد الحميد حسن السبل” على ابنها في أحد مشافي مدينة إب وهو مصاب بالشلل وغير قادر على الكلام، نتيجة إصابتهبطلق ناري في الرأس، بعد أن زجت به مليشيا الحوثي وصالح إلى أحدى جبهات القتال.

الطفل “حمزة”، وينتمي لمديرية القفر شمال محافظة إب، كان قد اختفى منذ أشهر من العاصمة صنعاء، حيث انتقل إليها سكن أسرته، وتم إبلاغ الجهات المعنية بالعاصمة وفي إب عن اختفائه بشكل مفاجئ ، فيما لم تقم تلك السلطات بأي شيء في سبيل البحث عن الطفل، الذي اتضح لاحقاً أنه كان يقاتل في صفوف الحوثيين.

وليس “حمزة” سوى واحد من عدد كبير من الاطفال وقعوا ضحايا عملية استدراج وتظليل تقوم بها عناصر متخصصة ومدربة تتبع مليشيات الانقلاب في العاصمة والمحافظات المسيطرة عليها، تستخدم وسائل اغراء واغواء ممنهجة للتغرير بالأطفال، تحت ضائقة الفقر والعوز، وتنجح بالزج بهم في جبهات القتال دون علم أسرهم.

وحذر المرصد القانوني لحقوق الإنسان في المحافظة من أن “تجنيد واستخدام الأطفال دون الخامسة عشرة من العمر للعمل بوصفهم جنوداً، أمر محظور بموجب القانون الدولي الإنساني وطبقاً للمعاهدات والأعراف، كما يتم تعريفه بوصفه جريمة حرب من جانب المحكمة الجنائية الدولية”.

ضحايا الحرب والفقر والتشرد

الأطفال أكثر الشرائح المتضررة من النزوح والتشرد، فالهروب من مناطق النزاع المسلح أو الهروب من المناطق المتضررة من الحرب، تخلف وراءها مآسي كثيرة للأطفال في حياتهم وتعليمهم وصحتهم.

وأطفال إب ليسوا بمنأى عن هذا لوضع، حيث تشردت أكثر من (1683) أسرة من أماكن المواجهات المسلحة في بعدان والحزم والرضمة ومناطق أخرى، فيما فرت أسر كثيرة من المحافظة، وأخرى إلى مناطق داخل المحافظة خشية الملاحقة والاختطاف. الأمر الذي خلف أطفال مشردين حُرموا من التعليم، وآخرين يعانون من نقص حاد في التغذية وبحاجة ماسة إلى الخدمات الصحية، ونتيجة لهذه الظروف تم تسجيل حالات وفاة لعدد من الأطفال.

وكانت مديريات حزم العدين وفرع العدين وحبيش والقفر قد أُعلنت في وقت سابق من قبل سلطات المحافظة كمديريات منكوبة وأبنائها بحاجة ماسة للغذاء والدواء. وكان الأطفال أكثر الفئات المتضررة حيث تم توثيق وفاة عدد منهم نتيجة لذلك.

ومؤخرا، سجلت عشرات الوفيات من الأطفال نتيجة إصابتهم بداء الكوليرا، الذي انتشر في المحافظة والبلد بشكل عام بعد انهيار المؤسسات الطبية كنتيجة للحرب التي أشعلتها مليشيا الانقلاب.


إنتهاكات أخرى: التعليم والتلقين الطائفي

إلى جانب كل ما سبق، أخذت الانتهاكات التي ترتكبها ميليشيا الحوثي بحق الطفولة في إب مناحٍ أخرى، بينها سياسة التجهيل التي تعتمدها المليشيا كنهج في طريق تسهيل
السيطرة الكاملة على البلاد.

وفي محافظة إب – كما هو الحال في بقية المحافظات الأخرى الواقعة تحت سيطرة الميليشيات- ظهرت هذه السياسة الممنهجة بشكل جلي من خلال عدم إيجاد حل جذري لمشكلة انقطاع المرتبات عن المعلمين، الذين اجبرتهم هذه الظروف المفتعلة على الانقطاع القسري عن التدريس، ما انعكس سلباً على شريحة الطلاب من الأطفال، حيث تعذر عودة الآلاف منهم إلى المدارس الحكومية، في وقت بلغت فيه ظاهرة التسرب من المدارس نسب عالية، نتيجة الحرب وما رافقها من فقر وتحول الكثير من الطلاب إلى سوق العمل في سن مبكرة على حساب الدراسة.

وفي مسار مواز من الحرب الممنهجة ضد الطفولة في إب، استغلت ميليشيا الانقلاب هذه الظروف المفتعلة، في دعم وافتتاح مراكز صيفية استدرجت إليها الأطفال بالترغيب تارة وبالترهيب تارات أخرى، لتدريس مناهجهم الطائفية وزراعة أفكارهم المذهبية، بهدف إنتاج جيل متفسخ من كل الثوابت الوطنية والدينية، معبئ بالخرافات الطائفية والسلالية التي تؤدي في النتيجة إلى تشظي المجتمع وتقسيمه وتركيعه لمشاريعهم التدميرية.

 

الخلاصة

تكشف كل هذه الجرائم وغيرها، سجلا حافلا لميليشيات الحوثي في انتهاكات حقوق الطفولة في محافظة إب، منذ الأيام الأولى لاحتلالهم المحافظة وما يزال مستمرا حتى اليوم، في تحدٍ سافر لكل المواثيق والاتفاقات الدولية والإعلانات الأممية التي تحمي الأطفال وتدافع عن حقوقهم.

ورغم أن الأمم المتحدة في تقريرها الأخير أدرجت مليشيا الانقلاب في قائمة العار التي تستهدف الطفولة، إلاّ أن هذه المليشيا لا تعترف أصلاً بالمواثيق الدولية والمعاهدات الأممية.
الأمر الذي يتطلب المزيد من الحزم، لاسيما من قبل المجتمع الدولي، حيث سيتوجب عليه اللجوء إلى استخدام أدوات وأليات الضغط الدولية الأكثر فاعلية، وفقا لصلاحياته بموجب القانون الدولي.
*نقلاً عن موقع يمن شباب نت

أخبار ذات صلة

جار التحميل....

يستخدم موقع اليمن الاتحادي ملفات Cookies لضمان حصولك على افضل تجربة موافقة إقرأ المزيد