“أحسن ما نكون مثل سوريا والعراق”.. عبارة طالما كررها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، منذ عام 2014، ليحذر من مخاطر عديدة، بينها تنظيم داعش، قبل أن يتطور الأمر إلى التحذير، الشهر الماضي من انتقال عناصر إرهابية من ليبيا إلى مصر ودول أفريقية أخرى.
هذا التحذير الرئاسي من ذلك المجهول، الذي لا يُعرف عدده المحتمل ولا إمكانية انتشاره، وفق خبراء، له ما يدلل على جديته وخطورته، لاسيما مع استهداف مسلحين بشكل مفاجئ لعناصر من الشرطة على حدود مصر الغربية، في أكبر عملية للمتشددين، بعد ثمانية أيام من تمديد حالة الطوارئ بالبلاد، في 12 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وتبنت حركة مجهولة تسمى “أنصار الإسلام” هجوم الواحات، الذي قُتل فيه 16 شرطيًا، غير أن هذا التنظيم يبدو، بحسب الخبراء، قريبًا من فكر تنظيم القاعدة، وليس “داعش”، الذي يقل تواجده بشكل ملحوظ في شبه جزيرة سيناء المصرية (شمال شرق).
ولمواجهة تلك المحاولات المجهولة لاختراق الحدود، وتحديد من يقف وراءها في ظل ندرة المعلومات، يطرح الخبراء ثلاثة تدابير، وهي: إجراءات أمنية وعسكرية صارمة تحت غطاء دولي، والاستعانة بالتقنيات الحديثة كالأقمار الصناعية للحد من التسلل، وزيادة التنسيق الأمني والمعلوماتي مع دول بالمنطقة والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.
وقال رئيس الأركان المصري الجديد، الفريق محمد فريد، الأحد الماضي، إن بلاده تتخذ مزيدًا من التدابير والإجراءات (لم يكشفها) لحماية حدودها برًا وبحرًا وجوًا، مطالبًا عسكريين التقاهم غربي البلاد بـ”اليقظة الكاملة”، عقب جولة تفقدية لعدد من نقاط التأمين الحدودية في نطاق المنطقة الغربية، التي تؤمن الحدود غربي مصر، والتي شهدت العملية الإرهابية الأخيرة.
وكشف وزير الدفاع المصري، صدقي صبحي، في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، خلال كلمة بثها التلفزيون الرسمي، عن وجود “محاولات” (لم يذكر تفاصيلها) لـ”نشر الفوضى على حدود” مصر، مشددًا على أنه سيواجهها بـ”حسم وردع”.
وقبلها، وتحديدًا في 24 أكتوبر/ تشرين أول الماضي، اعتبر السيسي، في مقابلة مع قناة “فرانس 24 “الإخبارية، أن النجاح العسكري المتحقق في سوريا والعراق ضد داعش سيترتب عليه انتقال بعض فُلُول داعش (عناصر متفرقة من التنظيم المهزوم) في اتجاه ليبيا ومصر، ولاسيما سيناء، وكذلك غرب أفريقيا.
ويحد مصر من الشمال البحر الأبيض المتوسط، ومن الغرب ليبيا، ومن الجنوب السودان، ومن الشرق البحر الأحمر ومن الشمال الشرقي قطاع غزة وإسرائيل، التي تحتل دولة فلسطين، ولمصر صحراء شرقية وغربية.
مجهول على الحدود
وفق تقارير صحفية محلية وبيانات رسمية فإن الحدود الغربية المصرية المتاخمة لليبيا هي أكثر الحدود المهددة، حيث تشهد بين الحين والآخر إعلان الجيش المصري إحباط محاولات لاختراقها من جانب “مهربين” ومتشددين من الجهة الأخرى.
وفي فبراير/شباط ومايو/أيار الماضيين، قصف الجيش المصري معسكرات (لم يحدد عددها) لمسلحين متشددين في مدينة درنة شمال شرقي ليبيا، ردًا على هجومين قتلا أكثر من 40 مصريًا، واتُهمت بارتكابهما عناصر في ليبيا، التي تشهد أوضاعًا سياسية وأمنية مضطربة منذ الإطاحة بنظام حكم معمر القذافي (1969-2011).
كما تهتم مصر بشكل متزايد بحدودها الجنوبية، ومن مظاهر هذا الاهتمام لقاء مدير إدارة المخابرات الحربية المصرية، اللواء أركان حرب محمد فرج الشحات، مع وزير الدفاع السوداني، الفريق أول ركن عوض بن عوف، في الخرطوم، الشهر الماضي، حيث بحثا سبل الارتقاء بالتنسيق العسكري والأمني بين البلدين بشأن الحدود، وفق بيان سوداني رسمي.
وتشهد حدود مصر الجنوبية المتاخمة للسودان تدخلاً مصريًا لضبط مهربين ومهاجرين غير شرعيين، وسط مخاوف من أن تصبح معبرًا لمتشددين ينشطون في أفريقيا.
وخلال عامي 2016 و2017، عقد تجمع دول الساحل والصحراء الذي (تأسس في 4 فبراير/ شباط 1998 ويضم 23 دولة عربية وأفريقية) اجتماعين في مصر لبحث سبل مواجهة الإرهاب.
واتفق الاجتماع الأول على إنشاء مركز لمكافحة الإرهاب، يكون مقره القاهرة، وتنظيم مناورات مشتركة في دول التجمع، في ظل تواجد لحركات متشددة في أفريقيا، بينها “بوكو حرام” وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب المغربي، وتنظيم ولاية سيناء، التابع لـ”داعش”، في مصر.
وتزامن ذلك مع إعلان سفير مصر لدى إثيوبيا، أبو بكر حفني، مطلع 2016، عن تولي بلاده قيادة ملف تشكيل “قوة عسكرية” في شمالي أفريقيا، للحفاظ على السلم والأمن، بحسب الوكالة الرسمية المصرية للأنباء آنذاك.
وبخصوص الحدود في شمال شرقي مصر، اتجهت القاهرة، مؤخرًا، في ظل تفاهمات مع حركة حماس في قطاع غزة إلى إحكام القبضة الأمنية لمنع تسلل عناصر داعشية صوب شمالي سيناء، التي تشهد منذ فترة هدمًا لأنفاق ممتدة إلى غزة، وبدء عمليات إخلاء لبعض سكان سيناء.
القاعدة تسبق داعش
في ظل تلك التحديات، ووفق جهاد عودة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان، فإن “هجوم الواحات وظهور جماعة أنصار الإسلام، هو سياق يُفهم منه إعادة تشكيل قواعد تنظيم القاعدة، في ظل تشقق داعش جراء الهزائم، ومن ثم إعادة تشكيل وانتشار في أماكن أخرى، كالصحراء الكبرى وليبيا ومصر وتشاد”.
واستبعد عودة أن “تتأثر سيناء بهذه التحركات بسبب ضعف سيطرة العناصر المتشددة المتواجدة حاليًا، بفضل عوامل عدة، بينها الضربات العسكرية المستمرة (منذ 2013)”.
وبحسب تقرير لـ”الهيئة العامة للاستعلامات” (تابعة للرئاسة المصرية)، انخفضت معدلات العمليات الإرهابية في سيناء، حيث حدثت، خلال النصف الأول من العام الحالي، قرابة 25 عملية بمصر، منها 6 عمليات في سيناء، مقارنة بـ532 عملية، منها 120 في سيناء، خلال النصف الأول من 2015.
بديل عن أفغانستان
على مقربة من هذا الطرح، اعتبر أنس القصاص، الباحث المصري في الشؤون الاستراتيجية وقضايا الأمن الدولي، أن “تأثير داعش بات محدودًا، ولا يزال القادمون من سوريا والعراق يشكلون تحديًا، ولكن التأثير والتحدي الأكبر الآن هو تأثير القاعدة”.
وحذر القصاص، من “تداعيات إعلان تنظيم أنصار الإسلام والمسلمين الذي (يتبع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب وأعلن عنه في أبريل/نيسان الماضي) من غانا مرورًا بالقاهرة وتشاد وحدود السودان مع مصر وليبيا”.
ورأى أن “جزءًا كبيرًا من عملية الواحات يبدو أنه من أعمال هذا التنظيم، ويبدو أن هناك تنسيقًا ضخمًا من أجل تواجد تنظيم القاعدة في هذه المناطق، بديلاً عن أفغانستان ومناطق المواجهات حوله”.
وأعرب الباحث المصري عن قلقه من أن “حدود مصر كبيرة ومترامية ومن الوارد وجود ثغرات فيها”.
الجنوب المقلق
أما عن الحدود الجنوبية، “فربما يقل الخطر نسبيًا، لوجود حكومة مركزية وجيش موحد (في السودان)”، بحسب أحمد بان، الباحث المصري في شؤون الحركات الإسلامية.
واستدرك بان قائلاً “لكن يبقى أن التناقض بين الجانبين المصري والسوداني يسمح بتسلل مجموعات مسلحة تتحرك من الجنوب وتهدد الأمن المصري”.
ومن آن إلى آخر تتوتر العلاقات بين القاهرة والخرطوم بسبب ملفات منها، النزاع على مثلث حلايب وشلاتين وأبو رماد الحدودي، وسد النهضة الإثيوبي.
ويتفق الباحث المصري مع سابقيه في أن “الخطر الأساسي قل شرقًا مع القبضة الأمنية، وبدأ ينشط غربًا عبر مجموعات محسوبة على تنظيم القاعدة أكثر منها على تنظيم داعش، كما حدث في الواحات”.
وحذر “بان” من أن “هذا ربما يمثل خطرًا في المستقبل القريب في ظل التحالفات التي نشأت بين مجموعات القاعدة في الساحل الأفريقي وليبيا وما تبقى من عناصر داعش”.
3 تدابير مطلوبة
ومع هروب متوقع لمسلحي داعش من العراق وسوريا صوب ليبيا ومصر تحتاج القاهرة، وفق الخبير الأمني، العميد متقاعد محمود قطري، إلى “اتخاذ إجراءات أمنية وعسكرية صارمة تحت غطاء دولي لفرض الأمن”.
وبخلاف التدخل الأمني والعسكري، يشدد الباحث المصري، أنس القصاص، على “أهمية الاستعانة بالتقنيات الحديثة، مثل الأقمار الصناعية، للحد من عمليات تسلل الإرهابيين، وذلك بالتنسيق مع روسيا وفرنسا في هذا الصدد”.
فيما يطرح سامح عيد، وهو باحث في شؤون الحركات الإسلامية، تدبيرًا ثالثًا، وهو “إيجاد تنسيق أمني ومعلوماتي بين مصر والدول الإقليمية من ناحية، والولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية من ناحية أخرى”.