شهدت الساحة الفلسطينية، خلال الساعات الأخيرة، سجالًا متبادلًا بين حركتي حماس وفتح، حول مصطلح “التمكين”، فمن جهة ترى حركة فتح أن تمكين حكومة التوافق الوطني في قطاع غزة؛ يجب أن يكون كما هو الحال في الضفة المحتلة، بحيث تمارس الحكومة مهامها دون أي تدخل من الفصائل، ومن ناحية أخرى تؤكد حركة حماس أنها قدمت تنازلات كبيرة لطي صفحة الانقسام الفلسطيني بما فيها تسهيل آلية تسليم الوزارات لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة رامي الحمد الله.
التنازل لأجل الشعب
وقال عضو المكتب السياسي لحركة حماس خليل الحيه، خلال مؤتمر صحافي عقده، يوم الإثنين، للحديث حول مجريات المصالحة الفلسطينية: “ذهبنا لتقديم تنازلات من أجل الشعب، ولسنا نادمين بل سنواصل الطريق، ونرحب بالوفد الأمني المصري القادم لغزة؛ لمتابعة تسلم الحكومة لدورها”، مضيفًا “اتفقنا في اجتماع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي أن يكون اجتماع الـ21 و الـ22 من نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي لمناقشة الملفات كافة المتعلقة بالمصالحة وفق اتفاق 2011، إلا أن وفد فتح خصّ مداخلاته في الاجتماع على ملف التمكين فقط”.
وتابع: “يجب فصل مسار استلام الحكومة وتمكينها عن رفع العقوبات، وطالبنا بتشكيل لجنة وطنية لمتابعة تنفيذ استلام وتمكين الحكومة، إلا أن وفد فتح ربط التراجع عن العقوبات بتمكين الحكومة بشكل كامل في غزة”، وطالب حركة فتح بعدم الاستجابة للضغوطات والإغراءات “السياسية والمالية”.
ماهية التمكين ؟
وقالت حركة فتح على لسان عضو اللجنة المركزية فيها عزام الأحمد:” إن التمكين في قطاع غزة ليس بحاجة لأكثر من ربع ساعة من الزمن، والفصائل في اجتماع القاهرة أجمعت على أن الحكومة أمامها عراقيل في التمكين، وإن الحكومة الموازية قائمة في غزة“.
وأضاف الأحمد أن السلطة الفلسطينية بدأت بجدولة تنفيذ اتفاق إنهاء الانقسام على مراحل، وفق جداول زمنية متفق عليها، ما يثبت جدية فتح لإتمام المصالحة، إلا أن “قضايا الانقسام وأموره المعقدة لا تحل في يوم وليلة”، موضحًا أن اجتماع حماس وفتح في الـ1 من ديسمبر/ كانون الأول المقبل، سيبحث تقييم مسألة تمكين الحكومة في غزة، ففي حال كانت الأمور وفق الاتفاق الأخير المنعقد بتاريخ الـ21 من أكتوبر / تشرين الأول ، سيتم التباحث في الخطوة اللاحقة من أجل إنهاء الانقسام، مشددًا على أنه لن يتم الانتقال لمربع جديد قبل تمكين الحكومة.
تسليم الوزارات
بدورها، أكدت حركة حماس أنه لم يعد لديها أي مسؤولية بالمطلق على الوزارات والمؤسسات الحكومية في غزة، مشيرة إلى أنها قدمت تنازلات كثيرة لإنهاء ملف الانقسام الفلسطيني، بما فيها حل اللجنة الإدارية بالكامل.
وبيّن الناطق باسم الحركة، حازم قاسم، أن حركته بناء على اتفاق القاهرة سهلت تسلم حكومة الوفاق برئاسة رامي الحمد الله لمهامها، وتعاملت بأريحية كاملة في تسليم الوزارات، مشيرًا إلى أن حماس ما زالت مصرّة على أنَّ المصالحة قرار إستراتيجي، لن يتمّ التراجع عنه، وستبذل ما بوسعها لطي صفحة الانقسام.
وقال قاسم: “سنصل إلى الشراكة الوطنية الحقيقية، فلا بديل عن المصالحة إلا المصالحة، لذلك يجب الالتزام بما تمّ التوافق عليه، وتغليب المصلحة الوطنية العليا على المصالح الحزبية، فإذا تمّ الالتزام سنتجاوز كل العقبات”.
وأضاف: “أن وفد مصر الأمني المتوقع وصوله إلى غزة يوم الاثنين، مهمته التأكد من أنه تمّ تطبيق الاتفاق دون خلافات”، مشيرًا إلى أن مصر تمارس دورًا وسيطًا في تقريب وجهات النظر، وليست مهمتها الضغط على أطراف المصالحة.
الحكومة تنتظر التمكين
ويرى الكاتب والمحللل السياسي خالد صادق: “إن الحكومة الفلسطينية تنتظر التمكين في غزة كي ترفع الإجراءات العقابية التي فرضتها، وإن المشكلة ماهي محددات التمكين؟ هل يعني أن تتسلم الحكومة الوزارات أم المعابر أم أموال الضرائب أم الملف الأمني، هذا المصطلح فضفاض، وغير واضح”.
وأضاف صادق في حديث لـ”إرم نيوز” أن ربط رفع العقوبات بتمكين الحكومة، يترك المجال للرئيس عباس للمناورة مع حماس كما يشاء”، مؤكدًا “أنه لا يوجد أي مبرر لاستمرار فرض العقوبات على غزة، وكان من المفترض أن يكون رفعها أول خطوة تتخذها الحكومة الفلسطينية، كي يشعر المواطن بوجود مصالحة حقيقية”.
الأولوية للتمكين
من جهته قال الكاتب والمحلل السياسي هاني حبيب:” تسلمت الحكومة وزارات غزة، ونعتقد أن الأولوية يجب أن تتناول ملف تمكين الحكومة فعليًا، إلا أن ما تمّ فعلًا هو عملية تسليم ذات طابع احتفالي توازى مع مرونة هائلة من قبل حماس في تسليم مقاليد الوزارات”، مؤكدًا أن “عملية التسليم رغم نجاحها لم تكن حاضرة لتوفر أسباب التمكين نظرًا لعامل الوقت، فنجد العملية توقفت عند تسلم المباني والمكاتب دون الملفات والميزانيات والمشاريع.. إلخ من أمور تتعلق بجوهر التمكين”.
وأوضح حبيب في حديث لـ”إرم نيوز” أن حل مسألتي الموظفين والمعبر، يشكل بداية لا بد منها للتمكين من العمل، ومن هنا تبدأ عملية إنقاذ القطاع وأهله من مستنقع الكارثة الإنسانية التي حلت بهم، بفعل الأزمات المتراكمة كالكهرباء والماء والضرائب المزدوجة والبطالة وغيرها”، منوهًا إلى أن “ملف المصالحة لا يتمّ من خلال صفقة شاملة، بل من خلال عملية متدرجة متأنية ولكن باستعجال زمني محسوب وبجدول معين” مشددًا على أنه “يبقى ما يوحد حركتي حماس وفتح أكبر من ما يفرقهما فيما سيظل الشعب الفلسطيني صمام أمان لحماية المصالحة، والتفرغ لمواجهة الاحتلال، والوصول الى حلم الدولة المستقلة وعاصمتها القدس”.