أثارت الوثيقة السرية التي نشرتها “بي بي سي” بالإنجليزية، أمس الأربعاء حول قبول الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك طلباً أمريكياً بتوطين فلسطينيين من لبنان في مصر، واشتراطه أن يكون ذلك في إطار حل شامل، صخباً إعلامياً واسعاً خلال الساعات الماضية، مرشحاً لأن يتواصل.
فبالإضافة إلى تساؤلات عن توقيت اختيار هذه الوثيقة بالذات للنشر، متزامنة مع موجة أخيرة من موجات الحديث عن الحلول الفلسطينية، فإن ما لفت الاهتمام هو التفاوت وربما إساءة الفهم العفوية أو المتعمدة، في قراءة وتفسير نصوص الوثيقة التي لم تنشر ضمن الكشف الدوري عن وثائق الأرشيف البريطاني، فقد طلبتها “بي بي سي” حصرياً بمقتضى قانون حرية المعلومات، وترتب على نشرها جدل واسع في مصر وإسرائيل والأردن.
القصة في ظروفها
في شهر فبراير/ شباط عام 1983 قام الرئيس مبارك بزيارة لواشنطن، التقى فيها الرئيس رونالد ريغان، وفي طريق عودته للقاهرة زار بريطانيا والتقى رئيسة الوزراء مارغريت تاتشر، إذ استعرض معها ما جرى بينه وبين الإدارة الأمريكية لمعالجة تبعات ومرتبات الغزو الإسرائيلي للبنان والذي كان حصل في الـ 6 من يونيو/ حزيران 1984، بذريعة الانتقام الإسرائيلي من اغتيال الفلسطينيين (مجموعة أبو نضال) السفيرَ الإسرائيلي في لندن.
وفي نطاق البحث الإسرائيلي واللبناني عن ترتيبات جديدة للوجود الفلسطيني في لبنان (وهو الذي كان ذريعة الغزو)، قال مبارك لتاتشر، إنه كان تلقى طلباً من واشنطن بأن يقبل فلسطينيين من لبنان في مصر، وكان ردّه أنه يمكن أن يفعل ذلك -فقط- كجزء من إطار عمل شامل للحل” رغم ما فيه من مخاطر.
ويشير المحضر الذي عرضته” بي بي سي” إلى أن تاتشر ألمحت إلى أنه أياً كانت التسوية المستقبلية فإنه لا يمكن أن يعود الفلسطينيون إلى فلسطين التاريخية، وأنه حتى إقامة دولة فلسطينية لا يمكن أن تؤدي إلى استيعاب كل فلسطينيي الشتات، بمن فيهم الفلسطينيون في الكويت وبقية دول الخليج.
الفيدرالية أو الكونفدرالية مع الأردن
الوثيقة تضمنت -أيضاً- أن مبارك في زيارته لواشنطن سعى لإقناع الولايات المتحدة وإسرائيل بقبول إنشاء كيان فلسطيني في إطار كونفدرالية مع الأردن، تمهيداً لإقامة دولة فلسطينية مستقلة مستقبلاً.
وجاء في الوثيقة أن رئيسة الوزراء البريطانية بدت مؤيدة لفكرة “الفيدرالية” بين الأردن ودولة فلسطين، إذ قالت إن “هذا الحل هو ما يتصوره معظم الناس، وأبدت تحفظاً على قيام دولة فلسطينية مستقلة عن الأردن؛ قائلة إن البعض يخشى أن تخضع هذه الدولة لهيمنة الاتحاد السوفياتي”.
ورد الدكتور أسامة الباز، المستشار السياسي لمبارك، يومها على هذا التحفظ قائلًا “هذا تصور خاطئ. فلن تكون أي دولة فلسطينية خاضعة -أبدًا- لهيمنة الروس”.
وقال “هذه الدولة سوف تعتمد اقتصاديًا على العرب الأغنياء بالبترول .الخطوة الأولى يجب أن تكون كيانًا فلسطينيًا متحدًا في فيدرالية مع الأردن. وهذا سوف يتطور خلال 10 إلى 15 سنة إلى دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وكي يزيد من تطمين ثاتشر، أضاف مبارك أن “دولة فلسطينية لن تكون أبدًا تهديدًا لإسرائيل. الفلسطينيون في الكويت وبقية الخليج لن يعودوا مطلقا إلى دولة فلسطينية”.
وتساءل وزير الخارجية والكمنويلث البريطاني حينئذ فرانسيس بايم عن ما إذا كانت إسرائيل سوف تقبل بمفهوم دولة فلسطينية صغيرة منزوعة السلاح، فأجاب الباز بأن “الخطوة الأولى يجب أن تكون كيانًا فلسطينيًا متحدًا في فيدرالية مع الأردن. وهذا سوف يتطور خلال 10 إلى 15 سنة إلى دولة فلسطينية منزوعة السلاح”.
وعندما دون السكرتير الخاص لتاتشر محضر اللقاء مع مبارك “شدد على أن لا يوزّع إلا على نطاق ضيق للغاية”؛ ما يعني أن هذا المحضر كان يمكن أن يبقى سرياً ولا يتم الإفراج عنه؛ لولا أن بي بي سي طلبته تحديدًا بموجب قانون الحريات.
عنونة سياسية للوثيقة
الطريقة التي تناولت بها “بي بي سي” ومن ثمّ الصحف والمواقع الإخبارية، هذه الوثيقة، خالطتها تفسيرات متفاوتة أو متضاربة في موضوع “توطين الفلسطينيين في مصر”، ولعل سبب هذا التفاوت في التفسير أو إساءة التفسير هو التقارير التي لم تفتأ تُنشر وتُنفس عن استعداد مصري لتوطين بعض فلسطينيي غزة في سيناء.
ولذلك جاء رد الفعل الأول على التسريبة البريطانية من الرئيس حسني مبارك الذي أصدر يوم أمس بياناً قال فيه “إنه لا صحة إطلاقاً لأي مزاعم من قبل مصر أو قبولي لتوطين فلسطينيين بالبلاد، وتحديداً المتواجدين في لبنان في ذلك الوقت”. وأضاف “كانت هناك مساع من بعض الأطراف لإقناعي بتوطين بعض الفلسطينيين الموجودين في لبنان في ذلك الوقت بمصر، وهو ما رفضته رفضاً قاطعاً”.
مباركمساعٍ مستمرة للتوطين
وشدد مبارك على أنه رفض كل المحاولات اللاحقة لتوطين فلسطينيين في مصر، أو مجرد التفكير فيما طرح عليه من قبل إسرائيل، تحديداً عام 2010، لتوطين فلسطينيين في جزء من أراضي سيناء من خلال مقترح لتبادل أراض”.
يديعوت أحرنوت
صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية تناولت بيان مبارك بعنوان يقول إنه (مبارك) أيّد التقارير السابقة التي كانت قالت إن “رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عرض عليه (على مبارك) عام 2010 توطين فلسطينيين في سيناء كجزء من بند تبادل الأراضي مع السلطة الفلسطينية.
وقالت الصحيفة العبرية إنه “رغم النفي الذي أصدره مبارك لقبول الفكرة إلا أن وثيقة بي بي سي أشارت إلى موافقة (مبارك) على فكرة التوطين ما دامت جزءاً من الحل الشامل.
الشق الخاص بالأردن
موضوع رفض مبارك أو قبوله لعرض توطين الفلسطينيين (المقيمين في لبنان أو الضفة أو غزة) في مصر، جاء متفاوتاً في عناوين التقارير التي نشرتها الصحف والمواقع الإخبارية، وكان ملحوظاً أن التفاوت وانتقاء الفقرات والعناوين، جاء متأثراً بمواقف الصحف ودولها من مصر.
أما موضوع الفيدرالية أو الكونفدرالية بين الأردن وفلسطين، فقد حظي بتعقيب أردني وحيد، من صحفي معروف بسعة الاطلاع والصلة مع مراكز القرار.
فتحت عنوان “الكونفدرالية خط أحمر” كتب المعلق، مستشار التحرير في جريدة الغد، رئيس مجلس إدارة تلفزيون المملكة الذي ينتظر أن ينطلق قريباً، فهد الخيطان” مستعرضاً محطات من مواقف الملك حسين بشأن الفيدرالية والكونفدرالية مع السلطة والدولة الفلسطينية، منتهياً إلى القطع بأن “الأردن يرفض الكونفدرالية، الآن وفي المستقبل، أي حتى بعد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة”.
نيوزويك
مجلة نيوزويك الأمريكية تناولت اليوم الخميس الوثيقة البريطانية بعنوان يصفها بأنها تضمنت “حلاً أمريكياً للقضية الفلسطينية كان يمكن أن يتحقق لكنه لم يحصل”.