اليمن الاتحادي / خاص :
مايقارب المليوني مغترب يمني يعيشون في المملكة العربية السعودية منذ عقود ، ويشغلون اعمالا في مجالات مختلفة، ويشكلون رافدا اساسيا للاقتصاد الوطني ومصدرا هاما لرفد البلاد بالعملة الصعبة.
وفي ظل هذه الحرب الممتدة منذ سنوات والازمة الاقتصادية التي تشهدها اليمن وتثقل كاهل المواطنين في الداخل، تظل تحويلات المغتربين من ارجاء العالم وعلى رأسها السعودية المنقذ الاول لملايين الاسر في الداخل من الموت جوعا.
وظل المغترب اليمني في الخليج العربي يتحمل في صمت تبعات هذه الغربة من قرارات للحد من اعداد المقيمين واغلاق فرص العمل ومنعه حتى من السفر وطلب الرزق في بعضها.
قرارات سعودية … تنذر بكارثة اقتصادية في اليمن
ومؤخرا شكلت القرارات الاخيرة التي اتخذتها القيادة السعودية للحد من العمالة الاجنبية هاجسا لغالبية المغتربين، حيث فقد عشرات الالاف اعمالهم وتقلصت مصادر دخلهم الى حد بعيد، واثقلت كاهلهم الرسوم الجديدة المفروضة والتي ستقضي على كل مدخراتهم ومايتحصلونه من مال ليقتاتوا به او يرسلوه للداخل في ظل ظروف معيشية باتت صعبة للغاية في بلد الاغتراب.
ولم تشفع الحرب الدائر رحاها في اليمن لدى القيادة السعودية لتستثني المغترب اليمني من تلك القرارات، بل سعت السلطات لترحيل الالاف من المغتربين دون اي تردد او مراعاة للظروف الخاصة التي تمر بها البلاد ، لترمي بهم في احضان الميليشيات واللادولة وتتسبب في حدوث كارثة اقتصادية وقطع مصدر هام للدخل لمئات الالاف من الاسر وتعرضهم للموت جوعا وتزيد من رقعة الفقر التي اتسعت كثيرا خلال السنوات الثلاث الماضية.
وبقي المغترب امام خيارين صعبين للغاية فأما الرحيل والعودة للوطن لموجهة المجهول او البقاء وتسليم كل أجورهم مقابل الرسوم الكثيرة التي تُفرض عليهم ، مما يعني توقف جزء كبير من تحويلاتهم المالية التي تعد أهم موارد الإقتصاد اليمني في ظل الحرب.
ويعتبر المغتربون أن قرار فرض رسوم جديدة بمثابة قرار ترحيل مباشر، حيث يعمل أغلب اليمنيين في مهن بسيطة وبأجور متدنية تذهب معظمها لسداد الرسوم المفروضة عليهم والتي تصاعدت لتأخذ الراتب كله.
تخاذل حكومي :
اصدر الرئيس عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية توجيها يوم امس الاحد بتشكيل لجنة للتواصل مع الجانب السعودي في ما يخص وضع المغتربين اليمنيين في المملكة العربية السعودية والذي تفاقم سوء أوضاعهم خلال الفترة الماضية بسبب تعرضهم للترحيل المستمر.
وحسب وكالة الأنباء الرسمية سبأ فان مصدرا برئاسة الجمهورية قال ان توجيهات الرئيس عبدربه منصور هادي في تشكيل اللجنة تأتي لمعالجة أوضاع المغتربين اليمنيين في السعودية مع هذه الظروف الاستثنائية التي يمرون بها.
وكانت وسائل إعلام ووسائط التواصل الاجتماعي قد تداولت لقطات لمئات اليمنيين في سجون التوقيف او عربيات الترحيل الإجباري وفي وضع مزري للغاية.
ورفع هؤلاء شكاوى ومناشدات للحكومة والرئيس في التوسط لتصحيح اوضاعهم
مؤكدين خطورة عودتهم إلى اليمن وخاصة لمناطق يسيطر عليها الحوثيين.
وشكل رئيس الجمهورية اللجنة من وزراء الخارجية عبدالملك المخلافي والمغتربين علوي بافقيه والشؤون الاجتماعية ابتهاج الكمال وسفير اليمن في الرياض شايع محسن وقنصل اليمن في جده علي العياشي.
وهو الامر الذي علق عليه شخصيات من المغتربين في المملكة بالقول ان هؤلاء جميعا مقيمين في الرياض وان صميم عملهم هو متابعة حالة المغتربين ولم يحركوا ساكنا حتى اللحظة.
وكانت وزارة المغتربين قد أعلنت أنها أعدّت خطة طوارئ لاستقبال نحو 500 ألف مرحّل يمني من المملكة، غير أن مصدراً في وزارة المغتربين نفى وجود أي خطة، وقال إن الوزارة لا تمتلك أي اعتمادات مالية، وليست لها سوى موازنتها التشغيلية ورواتب موظفيها فقط.
اسقاط واجب :
وبحسب المغترب محمد باتيس فإن مثل هذه الخطوة مجرد إسقاط واجب لا أكثر
وقال حسين اليافعي ان المشكلة اعمق من حلها في لجنة لا امل منها، وان القرار هو في قمة الهرم السعودي وضمن عملية برنامج السعودة للوظائف وهذا يعني استمرار التخلص من كل المهن التي يعيش منها اليمنيون.
وقال صحفي يمني مقيم في الرياض ورفض ذكر اسمه ان كل الخطوات التي تتم بحق اليمنيين ممنهجة لاعادتهم للداخل وخاصة المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
واشار الى ان الاجراءات تشمل التضييق حتى على أعضاء الحكومة الشرعيه انفسهم من المقيمين في الرياض والإعلاميين
وان الكل يعيش على فيزا مؤقتة لا تزيد عن سته أشهر، لا تعطيه اي حق سواء في تعليم ابناءه بمدارس حكومية او خاصة الا بصعوبة بالغة جدا وتمنعه كالمقيم من الحاق ابنائهم بالتعليم الجامعي الذي اضحى حكرا فقط على ابناء المواطنين السعوديين.
كما لاتمنحه تلك الفيزا سواء حكومية او عائلية من العمل في اي مجال او مكان، وحتى من استئجار شقة للسكن او التعامل البنكي وقطع شريحة اتصالات حتى.
ويعاني اصحاب الزيارة الحكومية من معضلة تجديدها كل 3 اشهر لان ذلك يحتاج علاقة خاصة هنا بالأجهزة الامنية والخضوع لسماسرة من المعقبين، فيما توقف عدد كبير من اصحاب هوية زائر عن التجديد بسبب توقف النظام عن تجديدها مما يعرضهم للترحيل ودفع غرامات مالية ليس لهم ذنب فيها.
واضاف الصحفي ان الشللية في الحصول على التاشيرة هي السائدة بحسب قوله وان المؤسف هو ان مهمة مؤسسات الدولة اليمنية هنا وصحفييها في الرياض صارت فقط
في ضرب بعضهم البعض وكتابة تقارير ضد بعضهم لا اكثر والوشاية بهم لدى اللجنة الخاصة السعودية لتصعيب امور بقاءهم واقصائهم من اعمالهم ووضعهم في ظروف معيشية بالغة الصعوبة تدفعهم للمغادرة نحو المجهول والسخط من الشرعية والتحالف الذي تحركه اليوم شللية انتهازية فاسدة.
وقال ان معارك مسئولي الحكومها وطواقمها الإعلامية في الرياض باتت مشغولة بضرب بعضها أكثر من ضرب الانقلاب والسبب في رأيه التقرب للأشقاء بشأن مصالح صغيرة.
دمعة قهر
يقول غازي عبدالنور وهو مغترب منذ أكثر من عشرين عاما:” بعد هذا العمر لا نستطيع دفع تكاليف الكفيل او الرسوم التي تتضاعف ولا يدرس أولادنا في المدارس الحكومية والجامعات، وليس لدينا بديل بسبب الحرب”، وحبس دمعة في وجهه المتعب معلقا “حسبي الله ونعم الوكيل”.
ومشهد عبدالنور المغترب هو صورة متكررة يعاني منها قرابة مليون يمني تقطعت بهم سبل العيش والحياة ولم يجدوا غير منافذ السفر إلى السعودية
وقال محامي وناشط حقوقي ومسئول في وزارة العدل اليمنية مقيم في الرياض
” المشكلة هي في عدم تصنيف اليمنيين في السعودية كلاجئي حرب حتى يطبق عليهم معيار اللجوء الدولي وينالون حقوقهم
ولا أمل لديهم للحصول على اقامات قانونية على الاقل ليعيشوا ويعملوا في امان ولهذا تضيع حياتهم وحقوقهم هنا.
وعن عدم التحرك الحكومي اليمني او الناشطين في الرياض وهم كثر رفض الرد وقال “ان المصالح الصغيرة والخشية تمنعه من الحديث”.
ازمة اقتصادية طاحنة
لايزال اليمنيون يتذكرون كيف تم ترحيل مئات الالاف من المغتربين في ظل أحداث الخليج عام 1990، عندما اتخذت السعودية قراراً بتطبيق نظام الكفيل على اليمنيين المقيمين والمستقدمين للعمل لديها، وذلك في أعقاب تصويت الحكومة اليمنية حينها ضد تدخل الأمم المتحدة في قضية غزو العراق للكويت، وتسبب قرار الترحيل ذلك في إحداث أزمة اقتصادية كبيرة شهدها اليمن، وتدهور للعملة وحدوث مجاعة في مناطق كتهامة، بالاضافة الى اتساع دائرة الفقر في اليمن.
ويتوقع مراقبون ان عملية الترحيل الاخيرة ان تمت باعداد مهولة ستسبب في احداث ازمة اقتصادية في ظل بلد منهار اقتصاديا اصلا لتدخله في ازمة جديدة خانقة يستحيل حلها لسنوات طويلة مما ينذر بكارثة انسانية في ظل صمت محلي وتجاهل اقليمي ودولي.