بينما تدخل الحرب اليمنية عامها الرابع تقريبا هذا الشهر، يتوالى سقوط اللبنة الحيوية لمستقبل البلاد, ضحية حرب عبثية قادتها مليشيا الانقلاب منذ الـ21من سبتمبر من العام2014م، فـ”حمادة” ذو العشرة أعوام، والطالب في الصف الرابع لم يتسنى اكمال مشواره التعليمي هذا العام نتيجة ما ألت اليه الأوضاع سوءً.
مئات الألاف من الطلاب في اليمن الطالب حمادة، أحدهم اضحوا يقطنون منازلهم اليوم، نتيجة لما صار اليه الوضع التعليمي من تفاقم في انعدام العملية التعليمية ونهب مستحقاتها، علاوة على استخدامها كأداة حرب، ووسيلة لنشر الطائفية بعملية ممنهجة في المناطق الخاضعة لسيطرة ثنائي الدمار تحالف مليشيا صالح والحوثي الانقلابية.
تعليم أضحى في مهب الريح، بعد أن دخلت المليشيا الانقلابية العاصمة صنعاء في العام2014م، وسيطرتها على كافة مؤسسات الدولة، بما فيها المؤسسات التعليمية.
المليشيا الانقلابية لم تكتفي بهذا العمل العبثي فحسب، بل عمدت على القضاء على التعليم في البلاد، في كافة المدارس والجامعات والمعاهد، فأصبحت الشهادات الجامعية اليمنية غير معترف بها في معظم الدول، نظراً لانهاك المليشيا الانقلابية العملية التعليمية وسعيها لتحريفها طائفياً من حيث تغيير المناهج.
حتى الكتاب المدرسي لهذا العام وبعد تغيير وصف من قبل مدرسين بالخطير، لم يتم انزالها الى المدراس ومكاتب التعليم، ليحل بذلك العام2017م، عاما دراسيا بلا كتب، في الوقت الذي ما يزال فيه إضراب الاف المعلمين مستمرا نتيجة نهب المليشيا الانقلابية مرتباتهم منذ العام تقريبا، واستبدال المئات منهم بمعلمين جدد ومدراء موالين للمليشيا , ويحملون أيديولوجية الفكرة الممنهجة للجماعة.
أن يحل عاما دراسيا بهذا الدمار والانحطاط الذي تمارسه المليشيا الانقلابية يقول الأستاذ في قسم اللغة العربية “ط.ع” انه لعمل شنيع ومشين، ومن المحزن أن هذه الواقعة ليست سوى أحدث معركة في حرب وحشية ضد حق أساسي لا بد أن يكون مكفولا لجميع الأطفال، وهو الحق في التعليم.
يضيف “عرفنا مؤخرا عبر مذكرة صادرة من وزارة التربية والتعليم الخاضعة للمليشيا الانقلابية الغير معترف بها، إن السنة الدراسية الجديدة تحل على الطلاب دون كتب، في وقت يواصل فيه مئات الالاف من المعلمين والمدرسين الإضراب الشامل عن التدريس بسبب نهب المليشيا المرتبات.
ومن خلال متابعات الحديث معه، عرض صورة للمذكرة التي ذكرت إن الكتب في مخازن الوزارة لم تعد كافية، بسبب تلفها ونهبها وبيعها في الأسواق، خلال الثلاثة الأعوام الماضية، في الوقت الذي تتجاهل حكومة الحوثيين هذه المشكلة، مضيفاً إن إضراب المعلمين ما يزال مرفوعاً.
مذكرة وزارة المليشيا الانقلابية في صنعاء، توحي بتفاقم أزمة التعليم في اليمن بشكل عام وأن سلطة الأمر الواقع التي فرضت على اليمنيين من قبل المليشيا لم تعد قادرة على تقديم أهم الخدمات، في الوقت الذي تحتدم وتيرة الخلافات بين حليفي الانقلاب في عاصمة تمركزهم صنعاء، حيث إن الخلافات وصلت الى اتهام كلا الطرفين للأخر بنهب ايرادات الدولة، وافشال العملية التعليمية، وتحويلها طائفيا.
نهب المرتبات خطوة لتعزيز الجبهات بالطلاب
العملية التعليمية التي تنهار يوما بعد يوم في اليمن، وتدمر مقوماتها بكل السبل المتاحة أمام المليشيا الانقلابية، تزداد سوء في ظل تعمد المليشيا بحرمان مئات الآلاف من الكوادر وأساتذة الجامعات ومعلمي المدارس من رواتبهم، كي تفسح المجال لمدرسين موالين لها في نشر الفكر الطائفي بين أوساط الطلبة، وارسال الالاف من الطلاب الى الجبهات لتعزيز مقاتليها.
التجنيد الاجباري للأطفال وطلاب المدارس
كانت المليشيا الانقلابية ولا زالت تنشط في محاولة استقطاب الأطفال من المدارس بهدف تجنيدهم ورفد جبهات القتال، أخرها عملية الزج بمئات الأطفال في محافظة المحويت للتجنيد الإجباري، والذي أعتبر نتيجة لذلك الأستاذ “ط.ع” إن المكان لتواجد هؤلاء الأطفال هو المدارس.
المليشيا الانقلابية، الثنائي الذي سعى لتدمير كافة البلاد وكافة منجزاتها، سعى ايضا في تدمير التعليم والطلاب، والسيطرة على عقولهم بالفكر الطائفي، وتحفيزهم للقتال، وترك التعليم ليكونوا وقوداً لمعاركها العبثية والطائفية والعنصرية.
الأستاذ منصور، مدرس اللغة العربية، يقول “للشهر العاشر على التوالي تواصل المليشيا الانقلابية نهب مرتباتنا ومستحقاتنا، الأمر الذي اضطرنا لرفع الإضراب عن التدريس والمطالبة بحقوقنا، لكن المليشيا وعقب تنفيذنا الإضراب والوقفات الاحتجاجية عمدت الى تعيين مدرسين موالين لها في العديد من المدارس”.
“المئات من الزملاء المعلمين والمدرسين في الجامعات والمدارس اتجهوا للعمل في المطاعم أو في اعمال البسطات” يؤكد الأستاذ منصور ” انه أحد اولئك المدرسين الذي توجهوا للعمل في المطاعم في العاصمة صنعاء، وتوقيف اطفاله عن المدرسة بسبب سوء الوضع، فجل ما يمكن الحصول عليه بالكاد يفي بتوفير متطلبات البيت، وتجنيب أطفالي سؤال الناس في الشوارع”.
منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة “اليونيسف” كانت دعت في وقت سابق السلطات التربوية في اليمن والجهات الرسمية للتوصل الى حلول عاجلة لمشكلة توقف رواتب أكثر من166ألف معلم ومعلمة وكل التربويين في13محافظة يمنية، كانت العاصمة صنعاء في مقدمات تلك المحافظات.
أكدت المنظمة في تقريرها ان نحو أربعة مليون ونصف المليون طفل في تلك المحافظات يتلقون تعليم أقل أو لا يحصلون على أي تعليم بالمطلق.
تعليم نحو الزوال
بلا شك العملية التعليمية في اليمن في ظل سلطة الانقلاب أصبحت مهددة بالزوال كليا، حيث ان أبرز النتائج الهامة والصادرة عن منظمة اليونسف، تذكر أن هناك نحو نصف المليون طفل تتراوح أعمارهم بين الـ5 والـ17 عامًا يحتاجون إلى المساعدة التعليمية، ولم يعودوا قادرين على مواصلة التعليم، ما يعني أنهم يواجهون صعوبة في الذهاب إلى المدرسة بسبب الأخطار التي قد يتعرضون لها على طول الطريق، لا يتعلمون بسبب سوء نوعية التعليم أو عدم وجود المعلمين، وهم عرضة لخطر التسرب من التعليم.
التقرير الصادر عن المنظمة التابعة للأمم المتحدة يقول أن العدد بذلك يرفع عدد الأطفال خارج المدارس إلى أكثر من مليوني طفل، كاشفا التقرير عن تعرض ما يقارب212مدرسة للاعتداء خلال العام2016م المنصرم فقط.
الحرب العبثية التي تشهدها اليمن، وتسببت في اندلاعها مليشيا الانقلاب فرضت على ملايين من الاطفال في اليمن الحرمان من التعليم، ليرتفع بذلك العدد وفقا للمنظمة التابعة للأمم المتحدة الى أكثر من مليوني طفل، اضافة الى حرمانهم من الح-صول في حقهم في التعليم بالمستوى المطلوب هذا العام أكثر من الأعوام السابقة، بسبب إغلاق المدارس وتدميرها والتي وصلت بحسب ما ذكر التقرير الى ما يقارب212مدرسة في العام2016م المنصرم، فضلات عن تحول العديد منها الى ثكنات عسكرية ومخازن أسلحة للمليشيا الانقلابية.
كما إن نزوح مئات الألاف من الطلاب من مدارسهم في المناطق التي تشهد صراع دام، كان سبب لتحويل الكثير من هؤلاء الطلاب الى مقاتلين في صفوف المليشيا بعد اجبارهم واجبار أسرهم على ذلك، فيما ظل البعض منهم تعتليه الحيرة بين مواصلة التعليم في ظل كهذه ظروف أدت الى انهيار العملية التعليمية، أو البحث عن عمل يكفل حق لقمة عيش كريمة بعدما فقد الكثير من أولياء الأمور أعمالهم، وقطعت المليشيا رواتب الألاف منهم.
واقع تعليمي يزداد تدهوراً يوماً بعد يوم، يجعل وضع مستوى البلاد التعليمي على عتبة الجهل، ومستقبل ملايين الأطفال في بوابة المستقبل المجهول، نتيجة حرب كارثية طلت براسها في أكثر من منطقة يمنية، منذ ثلاث سنوات وما زالت مستمرة حتى الان.