تحاول تركيا تطويق مقتل زعيم داعش أبي بكر البغدادي وتداعياته من خلال موجة من الاعتقالات ضد عناصر أجنبية وغارات شمال سوريا، في مسعى لإظهار أن أنقرة شريك في الحرب على الإرهاب وتبديد الشكوك والأسئلة التي باتت تتوسع بشأن كيفية وصول البغدادي إلى إدلب، إلى منطقة واقعة تحت المراقبة التركية وفق اتفاق خفض التصعيد مع روسيا وإيران.
وقامت السلطات التركية باعتقال عشرين أجنبيا للاشتباه بأنهم على صلة بتنظيم داعش. وقالت وكالة الأناضول الرسمية إن المشتبه بهم اعتقلوا في مداهمات فجر الاثنين بالعاصمة أنقرة وأن الشرطة ستسلمهم لسلطات الهجرة لترحيلهم بعد انتهاء المسؤولين الأمنيين من الإجراءات القانونية.
وكشف المرصد السوري لحقوق الإنسان، الاثنين، أن “مروحيات مجهولة” شنت عملية في شمال سوريا، غربي نهر الفرات وذلك بعد يومين على مقتل زعيم داعش، أبوبكر البغدادي، على يد قوة أمريكية.
وقال إن “مروحيتين حلقتا على علو منخفض.. بينما هبطت المروحية الثالثة بالقرب من منطقة الملعب الواقع على طريق جسر الشيوخ جنوب شرقي مدينة جرابلس”.
ونقل المرصد عن مصادر وصفها بالـ”موثوقة” قولها إن “إحدى المروحيات أجرت عملية إنزال جوي على طريق الشيوخ، وسط معلومات عن أنها مروحيات تركية تنفذ عملية لضبط خلايا نائمة لتنظيم داعش”.
إلا أنه تبين بعد عملية الإنزال، طبقا للمصادر عينها، أن “تلك العناصر تابعة للواء الشمال التابع لعملية درع الفرات”، في إشارة إلى فصائل المسلحة السورية الموالية لتركيا.
وجاءت هذه الاعتقالات والغارات في وقت كثف فيه المسؤولون الأتراك من التحركات والتصريحات الخاصة بمقتل البغدادي، في خطوة بدا أن الهدف الظاهري منها هو إبراز الدور التركي في الهجوم الذي قاد إلى تصفية زعيم داعش والمحيطين به.
وأظهرت الخطوات التي لجأت إليها أنقرة، منذ الإعلان عن مقتل البغدادي، وتجاهل الرئيس الأميركي دونالد ترامب الحديث عن دور تركي في هذه العملية، انزعاجا تركيا جليا تحسبا لتساؤلات بدأت تتسع دائرتها عن سبب وجود زعيم داعش في منطقة يفترض أن تركيا تشرف عليها أمنيا، وهو ما يعني إما عجزا استخباريا أو وجود تواطؤ تركي سهل تسلل البغدادي إلى إدلب، وفي الحالتين تتحمل أنقرة المسؤولية المباشرة عن تحرك قيادات مطلوبة دوليا بسهولة.
وفي وقت تتمسك تركيا فيه بأن لها دورا مهما في العملية، كشفت تصريحات الرئيس الأمريكي أن هذا التنسيق لم يكن ذا قيمة استخبارية، وأنه تم تحت الضرورة.
وفي حديثه عن “الدور التركي”، قال ترامب “استخدمنا الأجواء التركية لمدة قصيرة.. لو فتح الأتراك النيران علينا لاضطررنا إلى القضاء عليهم أيضا وحدثت أشياء سيئة.. كانوا جيدين.. لم يحدثوا أي مشاكل”.
ويكشف كلام ترامب أن العلاقة الأمريكية التركية في ملف مكافحة الإرهاب ليست جيدة، وأن واشنطن قد تكون أعلمت أنقرة بأمر الهجوم في آخر لحظة، وهو ما يعني وجود شكوك أمريكية قوية في أن تركيا ليست متعاونة.
ومن شأن الشكوك الأمريكية أن تبدد ما تحاول أنقرة أن تقنع به العالم من أنها شريك في الحرب على الإرهاب، خاصة في ظل الاتهامات الموجهة لها بأنها توظف ملف الإرهاب في ابتزاز العالم سواء في قضية اللاجئين، أو لتبرير الهجوم على شمال شرق سوريا.
وإذا فشل الأتراك في تقديم رواية مقنعة عن سر وجود أهم شخصية مطلوبة دوليا في مناطق نفوذهم، فإن ذلك قد يقود إلى اهتزاز علاقاتهم ليس فقط مع الولايات المتحدة ودول أوروبية مثل ألمانيا وفرنسا، ولكن أيضا، وهذا الأهم مع روسيا التي قد تضطر إلى مراجعة التنسيق مع تركيا في جهود خفض التصعيد أو في البحث عن حل سياسي للملف السوري وفق أرضية سوتشي.
ويقول محللون وخبراء إن مقتل البغدادي في إدلب يعني أن أنقرة لم تف بالالتزامات التي تعهدت بها خلال الاتفاق على مناطق خفض التصعيد، وأن حديثها عن محاربة الإرهاب وتفكيك الجماعات المتشددة في منطقة المراقبة الخاصة بها لا يعدو أن يكون مجرد وعود.
ولمقاومة هذه الضغوط، سارت أنقرة في اتجاه مخالف تماما، إذ تسعى للظهور بمظهر البعيد عن ملف الجماعات الإرهابية، من خلال الدعوة إلى الكشف عن خفايا البحث الذي تقوم به الولايات المتحدة قبل العملية وبعدها، وهو بحث قد يشير من قريب إلى دور تركي ليس في المساعدة على مقتل البغدادي، ولكن في ما يتعلق بسهولة الحركة لدى المتشددين في إدلب خاصة بعد الهجوم التركي الأخير الذي قد يكون البغدادي استغله للانتقال من مكان إلى آخر.