اتخذ البرلمان العراقي قراره الأحد بالموافقة على استقالة الحكومة، بعد أسبوع شهد أشد الأحداث دموية منذ بدء المظاهرات، إذ سقط عشرات القتلى خاصة في مدينتي الناصرية والنجف بجنوب البلاد.
ويتعين على خليفة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي مواجهة الاضطرابات التي تعصف بالبلاد، بعد أن فتحت قوات الأمن النار على المتظاهرين وقتلت أكثر من 420 شخصا في شهرين، ما يزيد المخاوف من انهيار الدولة تماما.
ويحذر تقرير لصحيفة الغارديان من اختيار الكتل السياسية خليفة لعبد المهدي يكون مقربا من طهران، التي استعدت الشعب العراقي ووجهت المسؤولين في بغداد بفتح النار على المتظاهرين لإخماد الثورة.
“توجيهات إيرانية”
وقتلت قوات الأمن ما لا يقل عن 45 مدنيا كانوا يحتجون حول مدينة الناصرية الجنوبية الخميس الماضي في واحد من أسوأ أيام الانتفاضة العراقية.
ويبدو أن الحكومة العراقية كانت تقصد إظهار القوة الغاشمة ضد المتظاهرين بعد قذف قنابل المولوتوف ضد القنصلية الإيرانية في النجف الأربعاء الماضي، والذي كان يعبر عن مشاعر متصاعدة وغاضبة ضد إيران من قبل المتظاهرين العراقيين، بحسب الغارديان.
لكن محاولات قمع الاحتجاجات بالقوة الغاشمة لم ينتج عنها إلا مزيد من الغضب في وسط وجنوب العراق وتعميق الفجوة بين المتظاهرين المتشبثين بالشوارع والطبقة السياسية.
وتتوزع الكعكة السياسية في العراق بناء على محاصصة سياسية طائفية تم تقسيمها منذ 2003، حتى أصبحت المؤسسات تستخدم كإقطاعيات من قبل الوزراء الذين غالبا ما يكون ولائهم لأحزابهم السياسية ساميا فوق ولائهم للدولة.
وتقول الغارديان: “أدت المحاصصة الطائفية والحزبية إلى فساد مستشر ومحسوبية في جميع مناحي القطاع العام في الدولة ما سمح بنهب ثروات العراق النفطية وترك العديد من العراقيين بدون فرص، فكان الفساد ونهب إيرادات الدولة هو الدافع الرئيسي لحركة الاحتجاج التي قادها شباب محرومون من حقوقهم”.
“النظام الطائفي بدأ في الانهيار”
ويرى أستاذ العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد والمتخصص حول قضايا العراق، توبي دودج، أن النظام الذي تأسس ما بعد 2003 وضم الفساد والطائفية بدأ في الانهيار، بحسب الصحيفة.
وقال دودج لـ”الأوبزرفر” إن “الأسس الأيديولوجية والطائفية التي تم تقسيم المجتمع العراقي على أساسها تم رفضها، وفي نفس الوقت كانت النخب الحاكمة الطائفية تستمر في تقسيم الغنائم بينها حتى أصبح الأمر علنيا بشكل واضح وفاضح، ما أدى إلى تزايد الرفض الشعبي لهذا النظام”.
ويضيف دودج للصحيفة: “كانت النخب الحاكمة معارضة لنظام صدام حسين، لكن مع مرور الوقت، توقف الشعب عن رؤيتهم كأبطال وأصبح يراهم كباحثين عن مصالحهم الشخصية والحزبية فقط، خاصة مع استخدام ميليشياتهم لتثبيت حكمهم ونفوذهم”.
تعدى الأمر من عموم الشعب إلى عمداء القبائل الذين انقلبوا على قوات الأمن القمعية بعد قتل المتظاهرين، متهمينها بالحصول على توجيهات من المسؤولين الإيرانيين بتصفية المعارضين ومواجهة التظاهرات بحسم، وفق الصحيفة.
ولعبت إيران دورا محوريا في محاولات قمع الاحتجاجات في العراق، بالرغم أن المتظاهرين الذين انتفضوا كانوا من الشيعة.
ويرى تقرير الصحيفة أن إيران أصبح لها دور متنام ومتصاعد في العراق ما بعد 2003، وخاصة بعد الانسحاب الأميركي من العراق في 2011. وأن الجنرال الإيراني قاسم سليماني هو الشخصية المحورية وراء قمع الاحتجاجات وتوجيه البنادق إلى أدمغة المتظاهرين.
وفي الوقت نفسه، تواجه إيران نفسها ضغوطا في الداخل وكذلك انتفاضة في لبنان، حيث توجد أهم أوراقه العسكرية في الخارج، حزب الله والذي يلعب دورا حيويا في شؤون البلد الهش.
إيران قد تنجح في لبنان لكنها لن تنجح في العراق
يرى مسؤول إقليمي متخصص في شؤون إيران للصحيفة أنه “رغم أن المنتفضين في العراق هم الشيعة، وأن المنتفضين في لبنان من عموم الشعب بما فيهم الشيعة، لكن إيران قد تنجح في احتواء الانتفاضة في لبنان، لكنها لن تنجح في العراق بسبب دور القبائل الذين عليهم أن يتعاملوا معها وسيخفقون في ذلك”.
ويضيف أن “المتظاهرين في العراق يحملون إيران المسؤولية عن الدم الذي يسيل ومقتل المئات، وجرح الآلاف، وهو واضح من إقدامهم على إحراق القنصليتين الإيرانيتين في النجف وكربلاء، ويهتفون بأن العراق ليست ملك إيران”.
ويشير إلى أن “مطالب زعماء القبائل في محافظة ذي قار بمحاسبة قوات الأمن وقادة الميليشيات المسؤولين عن عمليات القتل في الناصرية، يضيف المزيد من تعقيد الأمر بالنسبة لطهران، ما يجعله أخطر ما واجهته إيران في الشرق الأوسط في مرحلة ما بعد صدام”.
خطورة اختيار رئيس وزراء مقرب من طهران
ما يزيد من خطورة انهيار الدولة العراقية هو أنباء متداولة عن ترشيح شخص مقرب من طهران لخلافة رئيس الوزراء المستقيل، في هذا الوقت العصيب، وفق الصحيفة.
فمن بين المرشحين الذين قد يحلون محل عبد المهدي، هو هادي العامري، قائد وحدات التعبئة الشعبية، ويتزعم تحالف الفتح الذي يسيطر على ثاني أكبر كتلة برلمانية وعلى الميليشيات الشيعية المسلحة والموالية معظمها لإيران، وفق الصحيفة.
أمام البرلمان شهر تقريبا لتسمية خليفة لعبد المهدي، لكن يبدو أنه من الصعب التفاهم بين الكتل السياسية في العراق، مما ينذر بإغراق العراق في الهاوية.
ووفق الآلية الدستورية المتعلقة بإقالة الحكومة، فإن الأمر يتم بناء على موافقة الأغلبية المطلقة للبرلمان، حسب المادة 81، حيث يتولى رئيس الجمهورية رئاسة الوزراء، ثم يكلف بعدها وفي مدة أقصاها 15 يوما، مرشحا جديدا لتشكيل الحكومة العراقية.
يعتقد الباحث في المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية رعد هاشم، أن السياق المعتمد في العراق لتسمية رئيس وزراء جديد “يعتمد على الكتلتين الأكبر الفائزتين في الانتخابات وهما الفتح بقيادة هادي العامري (والتي تتضمن كتلته أغلب الفصائل المسلحة الموالية لإيران)، وكتلة سائرون (بقيادة مقتدى الصدر)، وذلك بالتشاور مع الكتل السياسية”.
ويقول هاشم لـ”موقع الحرة” إن المرحلة المقبلة هي “بداية أزمة ستدخلنا في نفق مليء بالمطبات، لأن هذه الكتل السياسية عودتنا على ألا تتفق، وهي دائما متناحرة تطول خلافاتها ولا تحسم إلا بتدخل خارجي”.
ويضيف أن “إقالة الحكومة واحدة من مطالب المتظاهرين، ولذا فإن الكتل السياسية الممثلة في البرلمان عليها أن تغتنم موضوع الاستقالة للوصول إلى حلول تلامس مطالب الجماهير”، لكنه يستدرك بأنه “أمر أستبعده، لكنها قد تصبح مجبرة على الاستجابة في النهاية أمام المتظاهرين الذين برهنوا أنهم يفتدون العراق بأرواحهم وبصدور عارية”.
وواصل المتظاهرون العراقيون احتجاجاتهم في بغداد والمناطق الجنوبية، معتبرين أن استقالة عبد المهدي غير مقنعة ومصرين على “تنحية جميع رموز الفساد”.
ويتوعد الثوار في الميدان المسؤولين العراقيين، حيث يقول محمود القيسي وهو عامل صلب من بغداد “أنا أقسم أن عهد هؤلاء اللصوص قد انتهى للأبد، لن نعود لبيوتنا وهم لن يذهبوا بعيدا. هذه ثورة”.