كشفت مصادر خاصة، عن مفاوضات سرية، تحاط بتكم شديد، من شأنها أن تفضي إلى استحواذ ميليشيات الحوثي على شركة (MTN)- يمن، عبر صفقة “إلتفافية” أوشكت مفاوضاتها “السرية جدا” على الإنتهاء، بهدف بيع الشركة للميليشيات، لكن عبر مستثمرين خارجيين “في الظاهر”، يرجح أن يكون “هايل عبد الحق” على رأسهم.
وقالت المصادر، التي تحدثت في تصريحات خاصة لـ”يمن شباب نت” شريطة الأحتفاظ بهويتها، إن المفاوضات بين الطرفين (الحوثيين، وإدارة شركة MTN في اليمن) ليست حديثة، إلا أنها تكثفت مؤخرا، بشكل ملفت، وقد بلغت مرحلة متقدمة.
وأضافت: المؤكد لدينا أن تلك المفاوضات أثمرت مؤخرا عن عقد “صفقة”، لكن يبدو أنها تواجه بعض العوائق والعراقيل القانونية، على المستويين المحلي والدولي، وحاليا يتم العمل على كيفية تجاوزها، وهناك معلومات عن وجود عملية “إلتفافية” لتجاوز تلك العوائق القانونية.
تفاصيل الصفقة “المشبوهة”
تتبع شركة MTN- يمن، مجموعة MTN العالمية؛ وهي مجموعة إتصالات متعددة الجنسيات تأسست في جنوب أفريقيا عام 1994. وكانت MTN YEMEN في السابق تعمل في اليمن تحت اسم شركة “سبيستل يمن”، منذ العام 2000، وأصبحت لاحقا جزء من مجموعة إنفستكوم المحدودة، والتي أندمجت لاحقا مع مجموعة MTN العالمية في يوليو/ تموز 2006، ليصبح أسمها MTN- يمن.
وبحسب أحد المصادر، فإن الشركة الأم (مجموعة MTN العالمية) كانت في وقت سابق من مطلع العام 2018، أعربت عن رغبتها جديا في الإنسحاب من اليمن، نظرا لعدم جدوى استمراريتها في ظل الأوضاع التي ضربت البلاد وهددت الإقتصاد والاستثمار، في الوقت الذي ظلت فيه عرضة للإبتزاز المالي من قبل ميليشيات الحوثي تحت مسميات عدة.
وذكر المصدر، بهذا الخصوص، أن المحاكم التابعة للميليشيات بصنعاء أصدرت عددا من الأحكام الجائرة ضد الشركة تمثلت بدفع مليارات الدولارات كضرائب، بينها أيضا أحكاما تنفيذية بحجز عشرات المليارات من أموال الشركة وإيراداتها لدى البنوك وشركات الإتصالات المحلية المصادرة من قبل الحوثيين.
وأكد المصدر (الأول)، أن الميليشيات الحوثية تسعى بكل ثقلها للاستحواذ على الشركة بأي ثمن، في حين ترغب مجموعة MTN العالمية في التخلي عن أعمالها في اليمن بشكل نهائي بغية التخلص من أعبائها وخسائرها المالية ودون أي تبعات، مضيفا: وبالتالي يمكن القول إن “الصفقة” تأتي كحل مناسب للطرفين، وبتوافقهما..
وأستدرك: لكن ماتزال هناك عوائق قانونية يتم العمل على تجاوزها حاليا؛ فجموعة MTN العالمية، من الناحية القانونية لا تستطيع أن تتعامل مباشرة مع الجماعة هنا، لا بيعا ولا شراءً، وذلك بسبب قرارات وعقوبات الأمم المتحدة، ولكون حكومة الحوثي غير شرعية بنظر المجتمع الدولي، فيما أن المجموعة معروفة عالميا ويجب عليها الإلتزام بمثل هذه القرارات والقوانيين الدولية.
وتابع: في المقابل، أيضا، فجماعة الحوثي، هنا، لا تستطيع إتمام عملية الشراء بشكل مباشر، كونهم في نظر المجتمع الدولي غير شرعيين، ومدرجين تحت عقوبات الأمم المتحدة.
وعليه، يؤكد المصدر، فالحل الذي تم التوصل إليه، بحسب علمه، يقوم على عقد صفقة “سرية” تتمثل بشراء شركة MTN- يمن بإسم تاجر أو شركة خارجية، ظاهريا، بينما يكون الحوثيون هم المشترون من الباطن.
وهنا، أشار المصدر إلى أن المعلومات المرجحة لديه أن رجل الأعمال اليمني “هايل عبد الحق”، هو من سيقوم- ربما مع شريك آخر عماني- بشراء الشركة بأسميهما، من خارج اليمن، (أي من الشركة الأم مباشرة)، بينما سيكون للجماعة نسبة كبيرة من هذه الشراكة، لكن “من الباطن”.
و”هايل عبد الحق” هو شقيق “شاهر عبد الحق” التاجر اليمني المعروف والذي يمتلك أسهما في مجموعة MTN العالمية، وتعتبر شركة MTN- يمن تابعة له، فيما أن شقيقه “هايل” هو رئيس مجلس إدارة الشركة اليمنية حاليا، ولكنه لا يمتلك أي صلاحيات إدارية، تجيز له التصرف ببيع وشراء الشركة في اليمن، لأنها تحت ملك وتصرف الشركة العالمية، ورئاسته لمجلس إدارة الشركة ليس إلا شرفيا فقط.
وينوه مصدر آخر، ضمن مصادرنا، إلى أنه في مثل هذه الحالة المعقدة، ربما لا يمكن لأي مشترٍ آخر أن يقوم بالشراء خشية الوقوع تحت طائلة العقوبات الدولية؛ لكن بحكم أن “هايل عبد الحق” يمتلك- هو الأخر- أسهما في المجموعة الدولية، فمن حقه أن يتقدم إليها لشراء الشركة، كأي مشترٍ آخر، لإنقاذ الشركة من الإفلاس، لا سيما في ظل رغبة الشركة الأم في الإنسحاب من اليمن. وبهذه الطريقة يُعتقد أن الصفقة ستمر دون أي تبعات قانونية محلية أو دولية.
وفي الواقع، هنا، فأن “هايل عبد الحق” سيقوم بهذه الصفقة لمصلحة الحوثيين، الذين سيشاركونه “من الباطن”، وبالضرورة أنهم سيدفعون النسبة الأكبر من أموال الصفقة- (هذا إن تطلب الأمر دفع مبالغ مالية للشراء، كون المعلومات تؤكد أن الشركة الأم تريد فقط الخلاص من خسائرها في اليمن ولو بتسليم الشركة بالمجان، دون أي تبعات مالية، خصوصا وأن عليها أحكام قضائية بالتهرب من الضرائب تصل إلى 200 مليار دولار، تقريبا).
وبهذه الطريقة سيستحوذ الحوثيون على الشركة، بينما يكون هو (أي هايل) مجرد رئيس للشركة- كمالك لها في الظاهر. وعليه، فالعملية كلها ستكون عبارة عن بيع وشراء للحوثيين، أو حتى مجرد تسليم لهم. ووجود “عبد الحق” في الوسط، هو فقط للتفاف على العقوبات الدولية.
وتصل القيمة السوقية لشركة MTN- فرع اليمن، إلى ما يقارب المليار دولار. بينما تفيد معلومات نشرها وكيل وزارة الاتصالات المهندس محمد المحيميد أن “المؤسسة القابضة للإستثمار”، التابعة للحوثي، ستدفع لقاء شرائها [من الباطن] قرابة 150 مليون دولار فقط.
وأكد مصدرنا الخاص، أن الصفقة المزمعة ستتم لمصلحة الحوثيين بكل تأكيد، دون ظهورهم فيها قانونيا، للإلتفاف على العقوبات الدولية، لكنه لا يستبعد أيضا أن يكون “هايل عبد الحق” شريكا معهم بنسبة معينة سيدفعها من حصته، كشرط لإتمام الصفقة..
عائق الشرعية
ولكن حتى هذه العملية (بيع الشركة)، من الناحية القانونية، يجب لها أن تتم عن طريق الحكومة الشرعية. وما عدا ذلك- يؤكد المصدر- ستكون مجموعة MTN العالمية في وضعية قانونية غير سليمة، بإعتبارها متهربة من الاستحقاقات والالتزامات القانونية بموجب قانون الاتصالات اليمني، وكذا إتفاقية الترخيص الأصل الممنوحة للشركة، والتي توجب عليها التعامل مع الحكومة اليمنية الشرعية في مثل هذه الحالات، وجوبا لا أختيارا.
وهنا، ينوه المصدر، إلى أن الحكومة الشرعية سيتوجب عليها إيقاف هذه الصفقة سريعا قبل إكتمالها، وذلك بمخاطبة المجموعة (MTN) العالمية، وتحذيرها من الوقوع في مثل هذه المخالفة القانونية. خصوصا وأن المجموعة عالمية ومعروفة عالميا، وتدير تعاملاتها على المستوى العالمي، وتورطها في مثل هذه العملية المشبوهة ستضر بسمعتها، ما سيفرض عليها التراجع عن ذلك، في حال وجهت لها الحكومة الشرعية خطابا تحذيريا قويا.
ودعا المصدر الحكومة اليمنية (الشرعية) إلى أن تعد نفسها جيدا من الأن، بشكل عاجل، ودون تواني، للتعامل مع هذه العملية غير القانونية التي يزمع الحوثيون القيام بها، في محاولة للإلتفاف على العقوبات الدولية؛ مشيرا إلى أن الشرعية ستكون بحاجة إلى الإعتماد على خبرات قانونية لتجهيز ملف متكامل أمام المحافل والمحاكم الدولية، في حال تم تمرير الصفقة دون الإلتفات إلى تحذيراتها القانونية.
إبتزاز وعدم أعتراف بـ”الشرعية”
وكانت شركة MTN- يمن، بدأت جديا في دراسة جدوى مغادرة سوق اليمن، منذ مطلع العام 2018، بعد استمرار تعرضها للابتزاز المالي من قبل سلطات الانقلابيين الحوثيين في صنعاء، تحت مسميات عدة، في الوقت الذي تناقصت فيه أرباح الشركة، وشركات الإتصالات عامة، في اليمن بشكل كبير، وذلك بسبب الحرب وتداعياتها الكارثية الخطرة على الاقتصاد والاستثمار.
وذكر مصدر في الشركة لـ”يمن شباب نت”، أن المتمردين الحوثيين، مازالوا يبتزون الشركة بالضرائب الباهظة، منذ أن سيطروا على قطاع الاتصالات كليا في البلاد، مستخدمين في ذلك محاكمهم الخاصة التي أصدرت عددا من الأحكام الجائرة على الشركة بمليارات الدولارات.
ومن بين تلك الأحكام، كما ذكر المصدر؛ حكماً بالحجز التنفيذي على عشرات المليارات من أموال الشركة، والذي على ضوئه تم حجز الإيرادات اليومية التي تخصّ الشركة لدى البنوك وشركات الصرافة الخاصة، والشركة اليمنية للاتصالات الدولية (تيليمن)- التابعة للدولة، والتي أممتها سلطات الحوثيين بصنعاء لمصلحتها.
وتفيد المعلومات التي حصل عليها “يمن شباب نت”، من مصادر خاصة بالشركة أن محكمة حوثية أصدرت في وقت سابق حكما يقضي بدفع شركة MTN ما قيمته 190 مليار دولار كضريبة لبيع أسهم من الشركة لمستثمر خارجي، وهو الأمر الذي لم يتم حله حتى الأن، وظل بمثابة “عصا حمراء” بيد الميليشيات الحوثية، تهدد به الشركة متى ما شآءت.
لكن؛ حتى على الرغم من أن مجموعة MTN العالمية قررت الانسحاب من أعمالها الاستثمارية في اليمن منذ فترة، تعود إلى أوآخر العام 2017، ومطلع العام 2018؛ إلا أن شركتها في اليمن ظلت تجديد تراخيص العمل عن طريق دفعها للحوثيين فقط.
وقبل أسابيع فقط، جددت شركة MTN- يمن، ترخيص عملها في اليمن، ودفعت بموجب ذلك مبلغ 26 مليون دولار أمريكي لميليشيات الحوثي، كرسوم تجديد رخصة العمل للعام 2020-2021.. وفقا للمحيميد، وكيل وزارة الاتصالات.
ويشمل هذا المبلغ تجديد رخصة العمل في كامل مناطق الجمهورية اليمنية، بما في ذلك المناطق المحررة، الواقعة تحت إدارة الحكومة الشرعية، على الرغم من أن الشركة لا تدفع أي رسوم للحكومة اليمنية لقاء ذلك، منذ بداية الانقلاب الحوثي ونشوب الحرب..!!
العودة إلى “الشرعية”.. لماذا؟
وهنا يبرز سؤال مهم: طالما وأن مجموعة MTN العالمية ظلت تتعامل مع المتمردين الحوثيين فقط، طوال الفترة الماضية، رغم إدراكها أنها جماعة متمردة وتحت طائلة العقوبات الدولية.. فلماذا إذا ستقرر- الأن- الرضوخ للقانون، بحيث تقرر التعامل مباشرة مع الحكومة الشرعية، لتمرير صفقتها بشكل قانوني سليم؟!
وردا على السؤال، يوضح المصدر الخاص، أن تعاملات المجموعة السابقة تختلف عن ما يفرضه عليها التعامل في هذه الحالة (بيع الشركة)، مضيفا: في السابق نعرف جميعا أن تعامل كافة الشركات والمؤسسات في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين كانت تحت مبرر “القوة القهرية”، تحت ما يعرف بـ”سلطات الأمر الواقع”، وهذا أمر معروف ويتم التعامل معه دوليا..
وأضاف: كما أن تلك التعاملات “القهرية” تتعلق بمسائل ومدفوعات شهرية وسنوية، وفي ظل الانقسام الحاصل بسبب الانقلاب والحرب، كان من الصعب أن تدفع الشركات ما عليها من ضرائب ورسوم تجديد لجهتين في نفس الوقت..
وتابع: لكن في مثل هذه الحالة الجديدة، المتعلقة بمصير الشركة (بيعها)، فالأمر يختلف كليا، إذ يلزم على المجموعة العالمية أن تخضع هنا للقانون، وتلتزم بالعقوبات المقرة دوليا، وخصوصا وأن هناك “صفقة سرية يتم العمل عليها بتكتم شديد”، ستفضي إلى استحواذ الميليشيات المتمردة على الشركة “من الباطن”، وذلك لتفادي القرارات والعقوبات الدولية..!!
وأختتم المصدر توضيحاته بالقول: الواقع، أنه من حق المجموعة (MTN العالمية) أن تبيع شركتها في اليمن، ولكن يجب أن يتم ذلك موجب القوانين المحلية والدولية- أي أن يتم التنسيق والموافقة من الشرعية، مالم فتعتبر العملية غير قانونية، وستعتبر المجموعة تحت طائلة المسئولية القانونية، المحلية والدولية.
نهب.. تضييق.. واستحواذ منظم
ومنذ انقلابها على السلطة الشرعية، وسيطرتها على العاصمة صنعاء عام 2015، بقوة السلاح، مارست ميليشيات الحوثي عمليات تضييق منظمة على شركات الإتصالات النقالة في اليمن، بإعتبارها تدر أرباحا مالية طائلة، وذلك بهدف ابتزازها وصولا إلى تأميمها لمصلحتها “قسريا”.
وقبل الانقلاب الحوثي، كانت تعمل في اليمن أربع شركات للهاتف النقال، وبعد سيطرتها على السلطة، قامت بتأميم شركة “يمن موبايل” الحكومية لمصلحتها، ثم بدأت بالتضييق على بقية الشركات الثلاث وصولا إلى السيطرة عليها بشكل متدرج.
وفي منتضف 2018، أعلنت شركة “واي” للهاتف النقال، عن توقف خدماتها التشغيلية بشكل نهائي، نتيجة مطالبتها من قبل ضرائب الحوثيين ومحاكمهم بتسديد ضرائب باهضة، بعد أن رفعت نسبتها. ولأن الوضع المالي للشركة لم يكن جيدا، عجزت عن التسديد، ففرضت مصلحة الضرائب الحوثية “حراسة قضائية” عليها. ثم لم يمر عليها- بعد ذلك- سوى فترة بسيطة حتى أعلنت الشركة عن إفلاسها وتوقفها عن العمل بشكل كلي؛ ليستحوذ عليها الحوثيون الذين فرضوا إدارة جديدة عليها وواصلوا العمل فيها حتى اليوم.
والعام الماضي، قررت الشركة اليمنية للهاتف النقال “سبأ فون”، نقل إدارتها الرئيسية من العاصمة صنعاء، الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، إلى العاصمة المؤقتة عدن. وذلك بعد أكثر من عامين من استحواذ الحوثيين على إدارة الشركة بعد فرض ما يسمى “الحارس القضائي” عليها، بحجة عدم دفع متأخرات الضرائب التي أقرتها محاكمهم الخاصة، والتي تجاوزت ملايين الدولارات..!!