اصدر مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان Hritc تقريرا خاصا، مع انطلاق هدنة جديدة في اليمن تتصدرها قضية تعز وفك الحصار عنها.
فمع تجديد الهدنة التي دعت اليها الأمم المتحدة في اليمن لشهرين آخرين، تبدأ من الثاني من يونيو 2022 ، عادت قضية تعز إلى الواجهة، ومعها قصة حصار قاتل تمتد إلى أكثر من 2600 يوم من الحصار المستمر.
وبرزت قضية فك الحصار عن تعز كأساس يقاس عليه مدى تقدم هذه الهدنة التي طالتها اختراقات عديدة، ولكن عمد المجتمع المحلي في الذهاب مع الدعوة الأممية، بضرورة التعاطي الإيجابي مع دعوة الهدنة رغم رفض ميليشيات الحوثي للأمر، وذلك لتفويت الفرصة على الميليشيات الحوثية بتجديد عمليات المواجهات العسكرية الواسعة.
وكل ذلك من أجل الذهاب إلى خطوات جادة لفك الحصار عن تعز الذي يدخل عامه الثامن كأطول حصار عرفه التاريخ، وواحدة من أشهر جرائم الحرب المستمرة.
حصار المنافذ:
يعد حصار مدينة تعز واحد من أبشع الانتهاكات الإنسانية لانقلاب ميليشيات الحوثي على الدولة، وهو ملف مفتوح منذ نحو سبعة أعوام، نتيجة تعنت الميليشيات، وتجاهل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لمأساة الأهالي.
وتتواجد مليشيا الحوثي اليوم بجحافلها المليشاوية في 6 مديريات من أصل 23 مديرية، مما جعلها تطبق الإحكام على طرقات ومداخل ومخارج المدينة التي تربطها ببقية المحافظات المجاورة.
وتفرض مليشيا الحوثي حصارها على المدنيين في عدة منافذ حيث تضع حواجز اسمنتية على العديد من الطرقات الرئيسية لمنع حركة التنقل ووصول الإمدادات الرئيسية والمساعدات الإنسانية من أهمها المنفذ الشرقي طريق (الحوبان – جولة القصر) وهو طريق رئيسي يصل المدينة باتجاه محافظتي اب وذمار وصولا إلى العاصمة صنعاء.
وأيضا منه تتفرع الطريق الرئيسية بين تعز وعدن.
وهناك المنفذ الشمالي المتمثل بالطريق الرئيسي عبر منطقة عصيفرة فشارع الستين، والذي يصل من المدينة بإتجاه المناطق الريفية شمال محافظة تعز كمخلاف شرعب وغيرها من المناطق ذات الكثافة السكانية.
وكذا المنفذ الشمالي الشرقي والذي وضعت المليشيا فيه حواجزها على شارع الأربعين الذي يصل من منطقة “الروضة” في وسط المدينة، باتجاه سوق الجملة، وكذا من منطقة “كلابة” إلى فندق سوفتيل.
وفي المدخل الغربي في الطريق بمنطقة “مصنع السمن والصابون” وهو طريق رئيسي يربط مدينة تعز بإتجاه المخا ثم محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، كما يتفرع من منطقة (المصنع) طرق فرعية تصل المدينة بمديريات متعددة في الريف الغربي للمحافظة.
وهناك الطريق الرئيسي بعد منطقة الدمنة فكرش والواصل من محافظة تعز باتجاه مثلث العند ومنها بإتجاه محافظة الضالع وكذا بإتجاه محافظة لحج ثم العاصمة المؤقتة عدن.
بالإضافة إلى طرق فرعية خارج مدينة تعز، استخدمها المواطنون كطرق بديلة، لكن الحوثيون قاموا أيضا بمنع حركة التنقل عبرها كطريق يمر عبر منطقة “غراب” من اتجاه مقر اللواء (35 مدرع) وصولا إلى شارع الستين في المدينة.
فإذا أراد أي مواطن داخل المدينة الوصول إلى الحوبان، وبدلاً عن التوجه شرقاً عبر شوارع المدينة للوصول إليها في أقل من نصف ساعة، يضطر إلى التوجه شمالاً، للمرور عبر طرق جبلية ضيقة في مديريات صبر، للوصول إلى منطقة دمنة خدير ومنها إلى الحوبان، ويعود إلى المدينة من الطريق نفسها، ليقضي في الرحلة الواحدة أكثر من ثماني ساعات، يكون خلالها عرضة للإيقاف والابتزاز في نقاط التفتيش، أو الاختطاف أو حتى انفجار الألغام المزروعة في الطرقات. ناهيك عن الطريق شديدة الوعورة.
معاناة مستمرة:
وتتواصل معاناة أهالي مدينة تعز المحاصرة، فما زالوا حتى اليوم يسلكون طرقاً طويلة ضيقة وأغلبها غير معبّدة تلتف حول المدينة والجبال المحيطة بها هرباً من الحصار. وتختنق يومياً بمئات السيارات والشاحنات والحافلات، وتقع فيها حوادث سقوط وتعثر، ما يؤدي إلى مزيد من الاختناق.
وعلى الرغم من فتح المنفذ الجنوبي للمحافظة، فإن الميليشيات استمرت حتى اليوم في استهدافه بالقصف كما عمدت على غلق بقية المنافذ، وأهمها المنفذ الحيوي الأكبر الواقع في ناحيتها الشرقية، الذي يربط المدينة بمنطقة الحوبان، ويصل إلى المحافظات الشمالية بما في ذلك العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرتها.
وهو الطريق الذي يدر عليها الكثير من الأموال جراء الضرائب والاتاوات التي تفرضها على المصانع والتجار في هذه المنطقة.
الهدنة:
تستغل مليشيات الحوثي حصارها الجائر على مدينة تعز كورقة ضغط سياسي في كل مفاوضات تخوضها من أجل تحقيق المزيد من المكاسب ليبقى رفع الحصار عن المدينة عملا متعثراً ويمر بالكثير من المناورات والحسابات.
وفي الهدنة التي أعلنت الأمم المتحدة عن بدء سريانها في الثاني من إبريل المنصرم كانت قضية تعز ورفع الحصار عنها أحد النقاط الرئيسية المدرجة ضمن بنودها.
ولكن انتهت الهدنة الأولى دون أي خطوة نحو فك الحصار عن تعز، بينما تحققت بقية النقاط من فتح مطار صنعاء مباشرة، وضخ النفط والغاز إلى ميناء الحديدة الذي تسيطر عليه ميليشيات الحوثي، عبر سلسلة من السفن، ولم يأخذ ملف حصار تعز حقه من الإهتمام، وتسليط الضوء عليه كملف إنساني بالدرجة الأولى، إلا في الآونة الأخيرة، لكونه ضمن بنود الهدنة الأممية، التي بموجبها وبتنازلات من الشرعية تم فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة، وما تبع ذلك من مكاسب اقتصادية وسياسية كبيرة للمليشيات الحوثية.
لكن الحوثي يصر على تجاهل تلك المطالب ويمضي في تحقيق كل مطالبه المدرجة ضمن بنود الهدنة، متجاهلاً الحديث عن حصاره لتعز، بل ويمتنع طوال هذه الفترة عن النقاش والتفاوض حول ذلك إلا في الوقت الضائع، وبعد أن حاز على مايريده، وهو اليوم يربط عملية التفاوض على فتح المعابر بضرورة تمديد فترة الهدنة.
وجرى تجديد الهدنة لشهرين آخرين بدءا من الثاني من يونيو 2022، ودخل الحوثي طاولة التفاوض ومعه مسارات محدودة، لفتح طرق فرعية ووعرة لا تقل خطورة عن سابقاتها، وتدشين لمرحلة جديدة من المعاناة بقالب آخر، وجّلها بعيدة عن الطرق الرئيسية المعروفة لدى الجميع.
وسيلعب على التناقض وكسب الوقت دون تحقيق أي نتائج ملموسة ومرضية، وسيستمر في المراوغة حتى لايتنازل لفتح الطرق الرئيسية، وبل وليصبح الحديث عن فتح تلك الطرق غير مشروع ويمكنه ذلك من اقتحام المدينة في أي وقت يريده.
حصار تجاوز الالفين يوما دون نتيجة:
تجاوز حصار تعز حاجز الالفين يوما حيث وصلت عدد الأيام التي مرت منذ فرضه من قبل مليشيا الحوثي ال 2622 يوما منذ 21 مارس 2015 وحتى 31 مايو 2022.
وبحسب مقاربة مدققة من فريق الرصد والتوثيق لدى مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان Hritc لأكثر من سبعة أعوام كاملة على حصار مدينة تعز فإن الانتهاكات التي طالت المدنيين والتي ارتكبت معظمها مليشيا الحوثي بشكل مباشر بالإضافة إلى أطراف مختلفة داخل المدينة المحاصرة والتي تشكلت نتيجة انقلاب المليشيا ونشر الفوضى، بلغت 31178 انتهاكا خلال الفترة من 21 مارس 2015 إلى 30 ابريل 2022 كانت على النحو التالي:
– بلغ عدد القتلى : 3988 مدنيا بينهم 855 طفلا و458 امرأة.
– فيما وصل عدد المصابين: 17688 مدنيا بينهم 2063 طفلا و2640 امرأة.
ووقع اغلب الضحايا جراء الألغام والعبوات الناسفة التي زرعتها مليشيا الحوثي حيث حصدت عشرات الآلاف من الألغام حياة نحو 776 مدنيا بحسب ما توصل إليه فريق الرصد الميداني للمركز بينهم 37 طفلا و23 امرأة، وأصيب جراءها 1274 مدنيا بينهم 60 طفلا و27 امرأة.
– وبلغت حالات الاختطاف 473 حالة لمدنيين و175 حالة إخفاء قسري، 895 حالة احتجاز تعسفي و98 حالة تعذيب أفضت العديد منها للموت أو الإعاقة الدائمة والشلل التام عن الحركة أو الجنون والحالة النفسية، و88 حالة اعتداء على مدنيين، و75 انتهاكا لحرية الرأي والتعبير.
– ووفق تقارير مختلفة أهمها تقارير منظمة الهجرة الدولية التي رصدها مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان Hritc فقد قامت مليشيا الحوثي بالتهجير قسريا والتسبب في نزوح حوالي 4050 أسرة.
وبلغ إجمالي الممتلكات العامة التي طالها الانتهاك 580 ممتلكا تم تفجير 11 مبان وتدمير 86 مبنا ومنشأة عامة ولحق الضرر كليا ب60 منشأة ومبنى وجزئيا ب375 أخرى ونهب واقتحام ونهب 22 ممتلكا عاما وتضررت 26 مركبة عامة.
فيما بلغ إجمالي الممتلكات الخاصة التي طالها الانتهاك نحو 3068 ممتلكا تم تفجير 164 منزلا وتدمير 192 منزلا ومنشأة خاصة ولحق الضرر كليا ب268 منشأة ومنزل وجزئيا ب 1831 أخرى وتم اقتحام ونهب نحو 39 منزلا ومنشأة وتضررت 402 مركبة خاصة ورصد 172حالة انتهاك أخرى لممتلكات خاصة.
ويبقى السؤال هل تنجح الهدنة الحالية والتدخلات الدولية في إنهاء حصار تعز؟ أم سيبقى مسلسل جريمة الحرب التي تلقي بظلال ثمان سنوات من القهر والقتل اليومي.