25.9 C
الجمهورية اليمنية
2:48 صباحًا - 6 مايو, 2024
موقع اليمن الاتحادي
Image default
اقلام حرة

رحلة النبي موسى إلى باب المندب

توفيق السامعي :
كان موسى – عليه السلام- قد استقر في جزء من أرض مصر بعد هلاك دولة فرعون، وقد أمره ربه بالرحيل للقاء العبد الصالح عند ملتقى البحرين ليتعلم منه مقاصد الشرع والأحكام..فأين ملتقى البحرين المقصود؟
هل هو مضيق جبل طارق كما عند بعض المفسرين، أم مضيق باب المندب؟!
بكل تأكيد فقد كانت الرحلة عبر البحر الأحمر صوب باب المندب، حيث ملتقى البحرين العربي والأحمر، وهو الأقرب مكاناً والأقل جهداً وتكلفة، والمكان المسكون بالعلم والعلماء والصالحين، وهو دليل على بقايا ديانة توحيدية في ذات المكان، وكذلك فإن الخط الساحلي كان قائماً بين اليمن ومصر منذ قديم الزمان، فقد حاولت الملكة حتشبسوت إنشاء أول قناة وميناء (1458–1479) ق.م. باتجاه اليمن، وأنشأت أول أسطول بحري تجاري متجها إلى بلاد البونت (اليمن – الصومال).
استقل موسى سفينة للإبحار بها نحو مجمع البحرين، فكانت القصة المعروفة بخرقه السفينة، ونحن هنا نتساءل ونبين: من هو الملك الذي كان وراءهم يأخذ كل سفينة غصبا؟ وملك أي بلاد؟!
من المؤكد أنه ليس من الفراعنة، وبما أنه ذهب إلى باب المندب فالملك يمني، خاصة وقد عرف اليمنيون بالملاحة البحرية، وأيضاً لأن تحرك موسى باتجاه باب المندب حيث مجمع البحرين.
كان اليمنيون الأوسانيون والسبئيون يتحكمون بالملاحة البحرية وخط الساحل الغربي، كما هو معلوم من النقوش وأحداث التاريخ اليمني. فقد كان لليمن طريقان تجاريان رئيسان؛ الخط البري (طريق البخور) ويمتد من ميناء قنا في شبوة مروراً بمارب عاصمة سبأ ثم معين الجوف والفاو ويثرب وددان العلا وحتى غزة وسواحل الشمال، والخط البحري الساحلي الغربي، ويصل إلى غزة ومصر، وهذا ما يثبت لنا أن الملك كان يمنياً يصادر السفن لصالح الدولة ويحتكر الملاحة البحرية التي كانت من أهم موارد الدولة، ومن أهم أسباب غزو اليمن من قبل الرومان وتطلع اليونان قبلهم والأحباش بعدهم وصولاً إلى عهد بريطانيا وفرنسا وتركيا والبرتغال في العصر الحديث.
توقف موسى في سواحل موزع على الأرجح حيث كان الميناء الفرعي هناك، وربما كان قبل المخاء، فأطلق على المكان باسم “موشى” وأن “موزع” هي في الأصل تسمية مصحفة عن “موشى” في العبرية التي تبدل السين شيناً فلا سين في الأبجدية العبرية.
عرف المكان باسمه، واليمنيون يقلبون كثيراً من الأحرف إلى لغتهم ولهجتهم مع التداخل الكبير بين العبرية واليمنية.
كانت المنطقة الجنوبية الغربية متصلة إدارياً مع الحبشة في حكم واحد للسبئيين منذ القرن التاسع قبل الميلاد، والدولة واحدة؛ حيث وجدت العديد من النقوش اليمنية السبئية في اقليم تيجراي الأثيوبي والذي كان مكان تأسيس أول دولة حضارية في أثيوبية للسبئيين بداية كمحطة تجارية ثم حكماً كبيراً وتأسيس مملكة عدوليا ومعبدها يحا تحت إشراف دولة سبأ، وهناك نقش يذكر الملك سمه علي ينوف في الحبشة، وهذا في قائمة المؤرخين في مارب يعود للقرن التاسع قبل الميلاد وينسب إليه تأسيس سد مارب العظيم، وإن كان غير صحيح تأسيسه السد؛ فإنما أحدث إصلاحات فيه.
العبد الصالح الذي التقاه موسى هناك دليل على أن البلاد اليمنية كان فيها علم وإيمان ورجال صالحون أيضاً وليس كما يشاع أنه الخضر المعجزة، كما عند المفسرين، والدليل أن ملأ سليمان كان عندهم علم من الكتاب كجانب تعجيزي أيضاً، فكان العلم متقدماً، وأراد الله لموسى أن يتعلم من الرجل بعض العلوم، وخاصة في الأبعاد والمقاصد؛ فقصة موسى مع العبد الصالح كلها تركزت على المقاصد وليس على النصوص.

هل وصل موسى فعلاً إلى باب المندب؟
من خلال سياق الآية فإنه أمر بالذهاب إلى مجمع البحرين وحيثما ينسى الحوت يكون مكان اللقاء، وقبل أن يصل إلى المكان المحدد نسي الحوت وقد تجاوز بعض المحطات ولما يصل إلى المضيق بعد، ولما نبهه غلامه بنسيان الحوت رجعا على الفور (فارتدا على آثارهما قصصا) أي: تتبعاً لطريقهما وخطواتهما، وهنا إيحاء بأنهما كانا يمشيان على البر وليسا راكبين السفينة، عند الصخور هناك. فكانت الغاية من المجيء (قال ذلك ما كنا نبغ)، وعند العودة إلى المكان مباشرة لقيا الرجل الصالح وبدأت الرحلة مجدداً معه ليتعلم منه موسى، وزارا مدينة والأرجح أن هذه المدينة قريبة من المكان في إحدى مناطق المعافر التاريخية التي كانت أكثر المناطق سكنى باليهود، وحصل ما حصل من أركان القصة وأحداثها وعبرها وعظتها والدروس المستفادة منها.
هنا فقط أردنا أن نبين جغرافية المكان لرحلة موسى، والربط بين مصر واليمن.
فعبر التاريخ منذ ذلك الزمن وما قبله وما بعده كانت الأحداث والدول تترابط بين اليمن ومصر كأكثر ما يكون الترابط.
الهجرات الأولى لمصر كانت من اليمن، وتأسست مملكة الفراعنة من البشر المهاجرين من اليمن كما يقول علماء التاريخ والآثار.
ثم الأحداث بعد ذلك حينما استأذن ملك الفرس داريا الملك اليمني السبئي يثع أمر أن يمر جيشه عبر أراضيه إلى مصر لمواجهة اليونانيين.
ثم الأحداث المتتالية كذلك بين اليمن ومصر سواء من رحلات تجارية، أو غزوات برية وبحرية، وكذلك وصولاً إلى دخول جيش الإسلام مصر وفتحها وتكوين مدينة القاهرة (الفسطاط) بالجيش المعافري مع عمرو بن العاص، حتى جاءت الدولة الفاطمية وحكمت اليمن عبر أروى الصليحية بمرجعية (الخلافة الفاطمية) في مصر، ثم خروج اليمن من الفاطمية إلى العباسية مرة أخرى عن طريق الدولة الأيوبية وصلاح الدين، واستمرت اليمن محكومة من الأيوبيين في مصر حتى استقل بها الرسوليون الغساسنة كأول حكم يمني مستقل عن مصر، استمر الاستقلال حتى مع الدولة الطاهرية، ثم جاء المماليك مرة أخرى من مصر وأعادوا اليمن إلى إلى حكمهم غير أنهم لم يلبثوا إلا قليلاً حتى أبادهم اليمنيون، لتدخل اليمن النفق المظلم بحكم الإمامة شرف الدين وابنه المطهر.
ثم مالبث أن جاء الأتراك من مصر وأخذوا اليمن وحكموها بمرجعية الدولة التركية في مصر، وصولاً إلى ثورة السادس والعشرين من سبتمبر فكانت اليمن جمهورية مرجعيتها مصر أيضاً؛ قانوناً ونظاماً وسنداً سياسياً.

أخبار ذات صلة

جار التحميل....

يستخدم موقع اليمن الاتحادي ملفات Cookies لضمان حصولك على افضل تجربة موافقة إقرأ المزيد