كتب/ ياسر ابوبكر :
خلال اجتماعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في بكين، قال الرئيس الصيني شي ان العلاقات الروسية – الصينية أصبحت معيارا للعلاقات بين الدول الكبرى وانها صمدت أمام اختبار تقلبات الوضع الدولي.الرئيس بوتين من جانبه اعلن أن العلاقات بين روسيا والصين ليست موجهة ضد أي جهة، وإنما تدافع عن مبادئ العدالة والقانون والديمقراطية، مؤكدا نجاح التعاون على مختلف المنصات الدولية في الأمم المتحدة ومجموعة “بريكس” ومنظمة شنغهاي للتعاون.
تعد العلاقات بين روسيا والصين إحدى أبرز الشراكات الاستراتيجية في القرن الحادي والعشرين. في ظل التغيرات الكبيرة والمتسارعة التي يمر بها العالم اليوم جيوسياسية واقتصادية وعسكرية ، تسعى الدولتان إلى تعزيز تعاونهما لتحقيق مصالح مشتركة وتشكيل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب يحد من سياسة الهيمنة والاستكبار للقطب الواحد . ويحمل في طياته إمكانات كبيرة لخدمة البشرية وتقديم نموذج لادارة عادلة لهذا الكوكب .
تاريخ العلاقات بين روسيا والصين يعود إلى قرون من التفاعل والتبادل الثقافي والتجاري حيث بدأت العلاقات بينهما في القرن السابع عشر، مع توقيع معاهدة نيرتشينسك عام 1689 التي رسمت الحدود بين البلدين وفتحت المجال للتجارة ثم تطورت عبر القرون لتصل اليوم الى الذروة شراكة استراتيجية تعكس قدرة الدول على تجاوز الخلافات والعمل معاً لتحقيق مصالح مشتركة تعزز الاستقرار والنمو العالمي .
ورغم ما شهدته هذه العلاقات من تقلبات عديدة نتيجة للتغيرات السياسية في كلا البلدين. منذ نهاية الحرب الباردة، الا انهما بدأ في تعزيز علاقاتهما بشكل متزايد، مستفيدين من تقارب المصالح الاستراتيجية والاقتصادية. فما يجمعهما اكثر من مايفرق ونقاط القوة هي الاوضح والابرز والسائدة في ظل المعطيات الراهنة.
ملامح هذا التعاون وهذه الشراكة تتضح جليا من خلال ركائز أساسية ففي التجارة والاقتصاد تعزز الدولتان تعاونهما في مجالات مثل الطاقة، حيث تعد روسيا أحد أكبر موردي النفط والغاز إلى الصين. بالإضافة إلى ذلك، تشهد العلاقات الاقتصادية توسعاً في مجالات التكنولوجيا، البنية التحتية، والزراعة.
وعلى الصعيد الدولي نشهد تنسيق سياسي ودبلوماسي كبير حيث تتبنى روسيا والصين مواقف متقاربة في العديد من القضايا، مثل الإصلاحات في الأمم المتحدة، ومكافحة الإرهاب، وحل النزاعات الدولية بطرق سلمية. هذا التنسيق يعزز من نفوذ الدولتين في الساحة الدولية ويقدم بديلاً للنظام الأحادي القطبية الذي ساد في العقود الأخيرة. اما في المجال العسكري والأمني تجري الدولتان مناورات مشتركة وتبادل الخبرات والتكنولوجيا العسكرية. هذا التعاون يعزز من قدرة البلدين على مواجهة التحديات الأمنية المشتركة والحفاظ على استقرار المنطقة. ومانشهد اليوم من وقوف الصين لوجستيا وربما اكثر في الحرب التي تشنها أمريكا والنيتو على روسيا في أوكرنيا دليل لمي نضج وتطور العلاقات بينهما..
هذه الشراكة وعلاقات التعاون لاتقتصر خيرها على البلدين فقط بل يعود بالنفع على البشرية ومستقبل نظامها وحياتها واستقرارها. فمن خلال التعاون الوثيق يسهمان في تعزيز الاستقرار العالمي وتضمن شراكتهما توفر توازناً للقوى في النظام العالمي ، مما يقلل من احتمالات النزاعات الكبرى ويعزز من التعاون الدولي لحل القضايا العالمية.
كما تساهم المشاريع الاقتصادية المشتركة بينهما في دعم التنمية الاقتصادية ليس فقط على مستوى البلدين، او الدول المحيطة بل على مستوى القارات من خلال مبادرات مثل “الحزام والطريق” فالصين وروسيا تسعيان إلى تعزيز التنمية الاقتصادية والبنية التحتية في آسيا وأوروبا وأفريقيا. وعلى مستوى مواجهة الازمات العالمية ومن خلال تعاونهما في مجالات مثل التكنولوجيا والابتكار، تساهمان في إيجاد حلول للازمات العالمية مثل التغير المناخي، والأمن الغذائي، والرعاية الصحية. فتعاون البلدين في هذه المجالات يعزز من قدرة البشرية على مواجهة هذه الازمات بفعالية.
رغم الإمكانات الكبيرة، لكن التحديات كبيرة أيضا امام هذه الشراكة . من بينها الحرب الاقتصادية ضدهما ، التوترات الإقليمية، والضغوط الخارجية من القوى الغربية. والتعامل مع هذه التحديات يتطلب استمرار الحوار والتنسيق بين البلدين لضمان استدامة شراكتهما الاستراتيجية. وهو مانشاهده اليوم من خلال التواصل بين القيادتين والزيارات المتبادلة بينهما.واخرها الزيارة الاخيرة التي قام بها الرئيس بوتين للصين والأجواء الحميمة التي حفت تلك الزيارة والانسجام الواضح في المبدا والتوجه والهدف بين الرئيسين بوتين وشين. هذا التحالف الاستراتيجي ليس فقط في مصلحة البلدين، بل يخدم أيضاً البشرية ككل من خلال تعزيز الاستقرار والأمن والتنمية والعدالة والسلام على المستوى العالمي.
مشوار طويل من العلاقات بين البلدين ضارب في جذور الزمن والتاريخ تعززه جغرافيا الأرض والمواقف. ويوكده التواصل البناء بين الرئيسين والقيادتين والشعبين . وكما قال الرئيس شين بان عدد اللقاءات بين الرئيسين بلغت 40 لقاء على الأقل موكدا انها علاقة وثيقة لم يتم التوصل إليها بسهولة، وبالتالي تستحق الحرص الكبير جدا. فالحفاظ على هذه الشراكة و التنمية المستدامة للعلاقات بين الصين وروسيا، تلبي ليس فقط المصالح الأساسية للبلدين والشعبين، بل وتفيد أيضا قضية السلام والرخاء في المنطقة وفي جميع أنحاء العالم.