بقلم: طارق نجيب باشا
إن التجربة السياسية الأغنى والأكثر ثراء في اليمن والمتعلقة بالعدالة الإنتقالية كانت في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، كان للعدالة الإنتقالية في الحوار فريق مختص بنقاشاتها، فيه ممثلين عن كل مكون سياسي ومدني مشارك في الحوار الوطني، هذا الفريق عمل وفقا للأسس والمعايير الدولية التي وضعت لتحديد مفهوم (العدالة الإنتقالية) كما إطلع الفريق على التجارب المكتملة للدول التي مرت بمراحل إنتقالية وفترات صراع دموي كي يستخلص المفيد منها ويعكسها بتصرف على الحالة اليمنية.
وقبل إقرار المحددات الدستورية والمواد القانونية للعدالة الإنتقالية من قبل الفريق في الحوار، أتفق أعضاء الفريق على ضرورة إقرار بعض المفاهيم المرتبطة بالعدالة الإنتقالية لضمان سير النقاشات في مسار يعمل على احقاق معايير العدالة وإنصاف الضحايا ويبتعد عن المماحكات السياسية والتعنت الذي كان يعرقل نقاشات الفريق في حينه، لذلك تم إقرار تعريف واضح لكل من مفهوم (الضحية، الكشف عن الحقيقة، حفظ الذاكرة، الإنتهاكات، المساءلة، إصلاح المؤسسات، والمصالحة الوطنية) مما ساعد الفريق للولوج في النقاشات المبنية على أهداف الفريق التفصيلية المذكورة في وثيقة مخرجات الحوار ومن أهمها:
تحديد المعالجات المستقبلية للإنتهاكات الحقوقية والإنسانية التي حدثت منذ عام 2007م – 2011م المرتبط بإنطلاقة الحراك الجنوبي المطلبي ثم الثورة الشبابية السلمية وضمان كشف الحقيقة عنهما، وبناء قاعدة معلومات وطنية توثيقية حولهما.
هذه النقاشات الثرية التي استمرت لما يقارب العشرة أشهر
أخذت وقتها في التعرف على الصراعات السياسية السابقة ومسبباتها لمعرفة الحقيقة وتحديد كافة أشكال الإنتهاكات التي وقعت بوقوع كل حدث سياسي مرت به اليمن لينتج عن هذه النقاشات حلول على شكل بنود وآليات شكلت وثيقة مخرجات العدالة الإنتقالية المتضمنة في وثيقة مخرجات الحوار الوطني الشامل.
هذه التجربة السياسية التي كانت جزءاً من مؤتمر الحوار الوطني الشامل تعتبر أساساً صلباً لإحقاق العدالة الإنتقالية كخطوة رئيسية لإغلاق كافة ملفات الصراع الماضية بما لا يصادر حقوق الضحايا أو يتعارض مع العدالة، ويرسي ضمانات قانونية وآليات إدارية تضمن عدم تكرار ما حدث، لذلك فأن الأمل معقود بالتطبيق السوي لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني الخاصة بالعدالة الإنتقالية في القريب العاجل لما في ذلك من دور في دحر الأحقاد وردم مكامن الصراعات كي نتفرع بعدها جميعا لبناء المستقبل المنشود لنا ولبلدنا.