نقل الناشط احمد الذبحاني في صفحته على الفيس بوك شهادة احد الضباط الذين تواجدوا يوم مقتل الرئيس إبراهيم الحمدي و أخيه عبدالله، والذي سرد مشاهداته في ذلك اليوم.
وفضل الذبحاني عدم نشر اسم الضابط وهو برتبة نقيب كما صرح في صفحته حتى يحين موعد محاكمة حقيقية لمعرفة الجاني الحقيقي والتحقيق في ملابسات اغتيال الحمدي، مؤكدا بانه سيظهر حينها رسميا للادلاء بشهادته.
ويقول هذا الضابط في شهادته “كنت في مقر عملي في قيادة الشرطة العسكرية ( و كانت في العرضي ) , وفي حوالي الساعة الثانية و النصف من بعد ظهر ذاك اليوم أمرني قايد الشرطة العسكرية محسن فلاح أنا و معي ضابط من الزملاء أن اصطحب سيارتين عسكريتين ( طقمين ) , و أن أتوجه إلى المستشفى العسكري ( كان يطلق عليه مستشفى الحوادث) , في الوقت نفسه وجه القايد فلاح طقمين آخرين إلى مستشفى الكويت .
سألت القايد عن التعليمات فأجابني بأنه سيوافينا بها عند وصولنا إلى المستشفى لأن الأمر كان في غاية السرية , و عند وصولى إلى المستشفى و جدت حراسة المستشفى و هم من زملائي في الشرطة, فاستعلمتهم عن الوضع فقالوا إنه كالمعتاد , ثم ناداني زميل لأجيب الهاتف , كان على الخط القايد الذي أمرني أن استلم الجثتين اللتين سيجلبهما المقدم محسن اليوسفي ( وكان وزيراً للداخلية في ذلك الوقت و لا يزال على قيد الحياة) , و حذرني أن يقترب من الجثتين أحد أو أن يراهما أو أن يصورهما .
بعد عشر دقايق تقريباً ( حوالي الثالثة و النصف عصراً ) , و صلت المستشفى سيارتان ,الأولى سيارة إسعاف روسية الصنع تحمل لوحة حكومية لكن لم يكن عليها كتابة تدل على المستشفى الذي تتبعه , و الثانية سيارة نوع حبة و ربع , في الأولى كان الوزير محسن اليوسفي و سايق الإسعاف و حدهما , و أما الثانية فقد كانت مكتظة بالجنود .
دعاني الوزير باسمي قائلاً : أأنت النقيب فلان ؟ قلت : نعم , فأمرني باستدعاء من يحمل الجثة من سيارة الاسعاف , فجاء صـِحـِيـَّان و معهما نقالة , فأخرجا جثةً ملفوفة في بطانية عسكرية مبتلة بالدّم , لم أتمكن من رؤية الجثة , و مشيت أنا والوزير معها و سألته أنضع الجثة في الثلاجة , فقال : لا , نشتي مكاناً آمناً , و حضر أحد الأطباء _ لا أذكر اسمه _ فوضعوا الجثة في غرفة العزْل عند بوابة المستشفى و طلب الوزير قفلاً فغلّق الباب وسلمني المفاتيح , ثم انتحى بي جانباً وقال : هذه جثة عبدالله الحمدي , و حذرني أن يراها أحد أو أن يصورها و إلا فسأتحمل المسئولية كاملة , عندئذ طلبت منه أن أرى الجثة , فدخلنا و كشف عنها , كان عبدالله الحمدي و عليه ملابس مدنية : قميص مموّه و سروال أسود , و فيه ثلاث أو أربع طلقات رصاص في جبهته و رأسه و أسفل عينه , و طلقتين في الصدر , ثم انصرف الوزير مع مرافقيه .
بعد نصف ساعة تقريباً , رجع الوزير مرة ثانية بالسيارتين و المرافقين أنفسهم , فأنزل الصِّحـِّيان جثةً أخرى مغطاة بخرقة سوداء و وضعاها على النقالة و مشينا بها و كان الدّم يقطر من النقالة على الأرض , أدخلنا الجثة في قسم الكلى بمعزل عن جثة عبدالله الحمدي , و قال لي الوزير : هذه الجثة لإبراهيم ( هكذا و لم يقل الرئيس ) .
طُرِحَت الجثة أرضاً على البلاط , و نـُزِعَت عنها تلك الخرقة السوداء , فرأيت الرئيس و عليه ثوب كحلي اللون ( أبو رقبة ) من تلك الثياب التي كانت تستورد من الصين و يلبسها عامة الناس , و رأيت في جسده طلقات عدة , فوق قلبه , و قبل أن يغادر الوزير اليوسفي توقف ليرى موضع الرصاص من صدر الحمدي و سألني : أهذا مدخل الطلقة ؟ فأجبت : لا أدري أهو مدخلها أم مخرجها ..ثم غادر .
في الساعة السادسة مساءً , جاء إلى المستشفى القايد محسن فلاح و مال بي جانباً و سألني : هل استلمت الجثث ؟ قلت : نعم , قال : جثث من ؟ قلت : جثة الرئيس إبراهيم الحمدي و جثة أخيه عبدالله , ثم دخلت أنا و هو _ وحدنا _ ليرى جثة إبراهيم , فقلبها ليرى عدد الطلقات و الباب مغلق ثم انتقلنا سريعا لأريه جثة عبدالله , كان فلاح في حالة من الذعر و حذرني من أن يشاهدهما أو يصورهما أحد و إلا فسأتحمل المسئولية و غادر فأمرت بتشديد الحراسة على الجثتين و على بوابات المستشفى .
و بعد انصراف فلاح بقليل جاءت سيار ( تاكسي ) فيها رجلان يسألان عن عدد الجثث , فأجاب الحراس بقولهم : لا ندري .
في الساعة العاشرة ليلا , جاءني مدير المستشفى ( أو قايد المستشفى كما كان يقال ) و أظنه المقدم حسين السكري , و كان على علم بصاحبي الجثتين و قد أراد أن يعدهما و يكفنهما ليضعهما في ثلاجة المستشفى عند البوابة , فرفضت لعدم و جود أوامر , لكن عند الحادية عشرة و النصف ليلاً هاتفني محسن فلاح يأمرني بالتعاون مع ( القايد ) السكري و بسرعة التكفين و وضع الجثتين في الثلاجة .
كان الذي تولى التكفين رجل عليه كوفية بيضاء و له لحية قد علاها الشيب ( ربما كان الموظف الموكل بالثلاجة ) , و قد كـُفـِّنتْ كل من الجثتين على حدة , كل في مكانها , و لم تغسلا , و قد تولى الموظف ذلك وحده غير أنه احتاج للعون في وضع الكفن فدخل أحد الزملاء ليعينه ( لا يزال الزميل حياً ) , و بعد الكفن نقلناهما معاً إلى الثلاجة بباب المستشفى .
كانت الحراسة مشددة و لم ننم حتى الصباح .
( اليوم الثاني )
في صباح اليوم الثاني كان الخبر قد انتشر بين الناس بمقتل الرئيس الحمدي , و عرفت ذلك من الناس الذين كانوا يأتون للسؤال عن الجثث لكن كان الحراس ينفون , و قد أبلغني الحراس أن أجنبيين ( غربيين ) كانا يستقلان سيارة ( هيئة سياسية ) حاولا التواصل معي بغرض تصوير الجثتين و لم يتمكنا من ذلك .
في الساعة التاسعة صباحا , جاءت سيارة فيها اثنان و كانت بأيديهما آلتا تصوير و قد زعما أنهما من التوجيه المعنوي للقوات المسلحة و كانا يريدان التقاط صور لجثتي الرئيس و أخيه فلم أسمح بذلك فحاولا إغرائي بالفلوس فرفضت ثم ذهبا .
ثم جاءني العقيد المرحوم صالح قوزع من حراسة أحمد الغشمي ( رئيس الأركان ) و كان معه طقم مسلح و سألني عن اسمي و كان على علم به ثم مضى يسألني عن الجثتين و إن كان قد رآهما أحد و عن التوجيهات بمنع الزيارة و .., فسألته عن اسمه فأخبرني فأخبرته أن لا وقت لدي للمناقشة مع أحد و إن كان يريد الحراسة فلينضم بعد إذن قايد الشرطة فمضى .
ما بين الساعة العاشرة و الساعة الحادية عشرة قبل الظهر , أتاني ثلاثة : رجل شايب و كان معه شابان , كانت أمارات الحزن الشديد بادية على و جوههم , عرفني الشايب بنفسه و أنه من آل الحمدي و طلب مني أن أريه جثتي إبراهيم و عبدالله فامتنعت , فألح علي و سألني بالله أن أمكنه من رؤيتهما فرفضت , كان بإحدى يديه كفن و بالأخرى كيس به توابع الكفن فلما يئس مني ناول أحد الصِّحـِّيين ما بيديه ليكفنهما و إن كانا قد كفنا فليهبهما لمن يستحق فأخذه الصحي و رجع الثلاثة . ( و قد حبس الصحي فيما بعد لذلك ) .
كان محسن فلاح يهاتفني كل ساعتين و ثلاث يستعلم عن الوضع عندي و ينبهني فكنت أخبره بمن جاء , و في حوالي الساعة الثانية عشرة ظهراً قبل الغداء جاء فلاح بنفسه فدخلنا ( هو و أنا ) إلى الثلاجة فشاهد الجثتين مكفنتين و أمرني بقبول الحراسة التي كانت قد جاءتني في حوالي التاسعة صباحاً من لدن رئيس الأركان بقيادة العقيد قوزع لتشاركنا الحراسة لكنه أمر بمراقبتهم و عدم السماح لهم أو لغيرهم بمشاهدة الجثتين ثم بعد هذا في الساعة الثانية بعد الظهر جاء قوزع و معه طقمان عسكريان ( حوالي ستة عشر فرداً ) , و قد بقيت قيادة الحراسة بيدي مع أن قوزع كان أعلى من رتبة , و قد تغدينا معاً و خزنا خارج المستشفى في الجهة الشرقية و قد أسندنا ظهورنا إلى سور المستشفى , خلال الخـِزَّان لم نقل كلمة عن الحادث أو الجثتين بل كان قوزع يلقي بعض الطُرَف و لم نسمح لأي مواطن بالاقتراب من المستشفى و كنا نردهم .
في حوالي الساعة السابعة مساء , و أنا داخل المستشفى أبلغني الجنود أن ناساً كثيرين على سياراتهم كانوا يسألون عن الرئيس الحمدى .
بقينا هذه الليلة أيضاً ساهرين إلى الصباح .
( اليوم الثالث )
في الساعة الثامنة صباحاً , جاءت سيارتان عليهما رجال يسألون إن كان بين الجثث جثة المقدم علي قناف زهرة ( قايد اللواء السابع مدرع و كان مقره يومئذ في النهدين ) و جثة عبدالله الشمسي مدير مكتب الرئيس إبراهيم فأجبتهم أنا شخصيا أن لا وجود لدينا لأية جثث .
في الساعة الثامنة و الربع صباحا و صلت المستشفى سيارات عدة عليها محسن فلاح و محسن اليوسفي و عبدالعزيز الغشمي ( و هذا الأخير هو أخو أحمد الغشمي و جهزوا سيارتي إسعاف من داخل المستشفى و أخرجت السيارتان إلى البوابة الجنوبية و في خلال ذلك و صلت سيارة عسكرية و عليها ذلك الرجل الشايب الذي كان قد قال لي إنه من آل الحمدي و سبق أن طلب مني رؤية الجثتين ( عرفت فيما بعد أنه أخوهما و اسمه محمد ) , أمسك محسن اليوسفي بيده و صعدا إحدى سيارتي الإسعاف و رأيته بعيني و هو يريه إحدى الجثتين ثم قاده إلى سيارة الإسعاف الأخرى و أراه الجثة الأخرى فرأيت الدموع تنزل من عيني الأشيب وهو يردد : حسبي الله و نعم الوكيل , إنا لله و إنا إليه راجعون , ثم تحرك الموكب رسميا و كان الناس قد تجمعوا حول المستشفى .
رجعت إلى مقر قيادة الشرطة لكن ما لبثت أن كلفني القايد فلاح بالتوجه رأساً إلى مقبرة الشهداء ( الكائنة بجوار جامع الشهداء ) لتولي الحراسة فانطلقت و حين و صلنا و جدنا قدامنا قوات المظلات منتشرة في المقبرة و معهم قذايف آر بي جي ( كانت المظلات بقيادة الرايد عبدالله عبدالعالم ) , و قد منعونا أول الأمر من دخول المقبرة ثم بعد كلامٍ أخبرناهم أننا زملاؤهم فسمحوا لنا بالدخول .
كانت جموع غفيرة من الناس حول المقبرة و بالأخص عند البوابة الشرقية ( تواجه الآن فرزة صنعاء – تعز ) , كانوا يصيحون : أين الحمدي يا غشمي من هو القاتل يا غشمي , ثم وصل موكب من السيارات تتوسطه سيارة نوعها صالون ذات لونين بني – أبيض , كان فيها أحمد الغشمي ( قايد الأركان ) و بجنبه سالم ربيع على ( رئيس جنوب اليمن ) ( و كان سايق الصالون يدعى فلان الجمل ) , و بعد الدفن خرج الموكب من البوابة الشرقية نفسها و ما إن خرجت الصالون حتى شاهدنا وابلاً من الأحذية تقذف على الصالون و فيها الغشمي و سالم ربيع حتى لقد غطت الأحذية مقدمة الصالون و وقعت علينا نحن أيضا و كنا نحاول فض الجموع عن السيارات .
رجعت إلى مقر الشرطة العسكرية و كتبت تقريراً خطياً بكل ما كان و سلمته للقايد الرايد محسن فلاح .
عدت إلى البيت منهوك القوى بدنياً و روحياً
و أسلمت نفسي لنوم ثقيل ..ثقيل”.