رسالة إلى سجين :
إلى زميل الزنزانة العزيز حمزة.. رعاك الله ورفاقك..
هذا هو رمضان الرابع الذي تصومه وانت في زنزانتك ؟!!
اعرف جيدا انك لازلت بنفس السجن الذي جمعنا وشقيقك (ذي يزن)..
لكنني لااعرف هل لازلت بنفس الزنزانة التي جمعتنا معا؟! مع زملاء اعزاء.. بعضهم خرجوا او أخرجوا بتوفيق الله ثم بشراكة بعض قبائلهم بمعاناة (وطنهم)؟! وبعضهم لايزال يتجرع نفس مرارتك اما بنفس زنزانتك او بزنازين وسجون اخرى؟ والقاسم المشترك بينكم هي معاناة ومآسي موحده!! ونحن في اول شهر رمضان المبارك.. اسالك.. هل قد بدأوا بتوزيع قراطيس التمر عليكم؟ وهل تتذكر حينما وزعوا لنا ففوجئت بانتهاء صلاحية نصيبنا وهو ماتكرر بكل قراطيس زملائنا والتي تحمل نفس التاريخ والمنشأ؟!!
فذهبنا الى زواية عزيزنا(جمال المعمري) لاستشارته.. فاستغرب من استشارتي قائلا.. خذ تمرك ياجبيحي وكله وتوكل على ربك! مضيفا.. اياك ان تتذمر او تفتح هذا الموضوع مع احد زوار الزنزانة من مشرفي السجن؟
ثم.. هل سيأتون لكم عند السحور بلبن؟ ياالهي.. لازلت اتذكر ذلك الذي كانوا ياتون لنا به ويطلقون عليه (لبن) بينما كنا نشربه في سحورنا مرغمين دون ان نعرف كنهه ولا ماهيته!!
اعذرنا عزيزي حمزة.. فقد فارقتك كما تعرف عند البوابة الداخلية للسجن ظهر يوم الاحد 24سبتمبر 2017م بعد ان اكدوا وتعهدوا انك ستخرج بعد 24ساعة من خروجي وان سبب تاخيرك انما يرجع الى اجراءات تختلف عن اجراءات خروجي، ورغم عدم تصديقك وفرحتك بخروجي دون خروجك.. الا انني مع ذلك صدقت ماقالوا.. ظنا مني ان من وعدوا وتعهدوا حسبتهم رجالا؟! فها هي ال 24 ساعة تصبح قرابة ثلاث سنوات مضافا اليها سنة وشهرين قبلها.. مع انني كنت اتوقع وجود من استعنت بهم بعد خروجي لاجل خروجك قادرون على اخراجك.. لكنهم ظهروا غثاء كغثاء السيل؟!
وهكذا ظللت منذ فراقك وحتى اليوم مسجونا تباعا لسجنك؟! وهذا هو هدف السجانيين لك؟!
وحينما اتواصل مع ابنتك_ حفيدتي (بيان) التي فارقتها وهي في سنتها الثانية..
تسالني بالحاح متى سيخرج (بابا؟) فاحاول اتهرب من الرد.. واشغالها بتساؤلات تخصها.. لكنها تكرر السؤال.. واكرر التهرب!! وماذلك الا لانني لااعرف ولاارغب اقول لها لااعرف!!
قلت لك انني ظللت ولازلت مسجونا تباعا لسجنك.. لكن والدك لم يعد وحده مسجونا اليوم وان تضاعف سجنه؟! فلقد بات الملايين من البشر في سجون منازلهم وذواتهم؟!! هل سمعت وانت داخل زنزانتك بفيروس (كورونا؟!) ربما سمعت عنه بدليل عدم السماح لزيارتك كا المعتاد بسببه والاكتفاء بتواصلك التليفوني مع اسرتك.. وهي لعمري بادرة يستحق عليها ساجنوك كل شكر وعرفان!!
واذا لابد ان تكون قد سمعت عن ( كورونا) هذا.. ولكن هل عرفت بعضا من مآثره؟
لقد اغلق العالم ولايزال حريصا على اعادة (القرية الكونية) الى القرون الوسطى! مستمرا في غموضه ونشره للرعب والهلع بين بني البشر الى درجة ان ثلثي من فارقوا الحياة كان السبب بعد قضاء الله وقدره هو الخوف قبل ان يكون هو السبب..
(وماالخوف الا ماتخوفه الفتى
ولا الأمن الا مارأه الفتى أمنا)
وكم كان والدك حريصا على صيام هذا الشهر الكريم بمسقط راسه؟ لكن ذلك بات من الصعوبة بمكان بسبب الغاء الاسفار بين معظم الاقطار؟!!
وربما.. ربما من بعض حسنات (كورونا) ان كنا نحسبها كذلك.. هي كشفه لبعض المستور.. لتظهر بعض الدول
(العظمى) كما كنا نظنها كذلك قبله..مجرد فقاقيع صابون ان صح التعبير.. وحسنة اخرى.. هي اظهار حرص بعض الدول على مواطنيها بصورة يعجز الوصف عن وصفها.. بقدر عدم حرص دول اخرى؟!
وحسنة ثالثة.. وهي ان (كورونا) ظهر عادلا في ضحاياه، فهو ساوى بين الغني والفقير وبين الرئيس والمرؤوس وبين الحاكم والمحكوم وبين العالم والجاهل وبين الساكن في العراء والخيم وبين ساكني القصور والبروج المشيدة؟ بل ربما مبالغته باالعدل ان رحم بعض الضعفاء ومنهم معظم ابناء وطنك.. على امل ان تظل هذه الرحمة مستمرة وحتى زواله بقدرة الله..
هذا هو جوهر (كورونا) وهذه هي بعض مآثره.. وربما سجنك ببعض جوانبه أهون؟! اتدري لماذا؟ لانك ورفاقك ستصلون (التروايح) بنفس الزنزانة كما كنا نصلي معا وتجتمعون مع بعضكم كاالمعتاد.. وهو مابات شبه محضور في ظل عالم (كورونا) اليوم؟!!
باالمناسبة.. هل تتذكر حينما اصطحبتك معي الى (القاهرة) ولم يتجاوز عمرك العاشرة.. وكيف تفاجاءت حينها بكل من ومافيها؟ ومن ذلك ان نهارها كليلها وليلها كنهارها.. ماذا لو قلت لك انها بسبب (كورونا) لم تعد كذلك وهو ماينطبق على (لندن) التي زرناها معا عام (2008م) وعلى غيرها من الاقطار والمدن .. شرقا وغربا.. شمالا وجنوبا..
ولكن رغم كل ماسبق وصفه.. الا ان سجن او سجون (كورونا) ليست كسجنك فرغم مصائبه ومصاعبه ومحنة (المؤقتة) كما نامل.. والتي عمت ولم تخص الا ان سجونه تظل افضل من سجنك فلا وجه للمقارنة! رغم ان بعض الخشية من (كورونا) ليست سجونه بقدر ماهي الخوف من الاصابة به دون علم مسبق!
رغم ان نسبة الموت بسببه لاتتعدى 1% بينما نسبة الموت بغيره تتعدى هذه النسبة بكثير!
اجل.. معاناة سجنك لاتقارن بغيرها.. الى درجة ان بعضنا كان يفضل الموت على البقاء مسجونا!
ولانني عرفت معاناة سجنك وخبرته عن قرب وتعايشت معه.. والتي يصعب سرد بعض هذه المعاناة بهذه (العجالة) فان ذلك هو مايضاعف من ألمي وقهري كأب وكزميل لاقرانك السجناء.. ولذا لاغرابة ان اظل اعيش مع معاناتكم وانتم في زنازينكم باالسفر والحضر والحل والترحال.. وفي كل لحظة من لحظات عمري؟ مع احضار كل الذكريات المريرة بين آن وآخر! والسؤال هنا.. هل ياترى يحس ساجنيكم ولو ببعض الامكم ومعاناتكم؟! لااخال ذلك.. طالما ولايزالون محسوبون على البشر او هكذا يزعمون!!
احسب ان البعض قد يحسدني على مدى صبري وتحملي لفراقك (مؤقتا؟!) وقد يستغرب من طريقة مخاطبتي لك بهذه الاحرف التي تفيض دمعا ودما!! ودون اظهار حجم القهر والالم كما يجب؟!! رغم انني كما قال الشاعر:
((لم يبقى شيئ من الدنيا بأيدينا
الا بقية دمع من مآقينا))..
وما ذلك الا لان الله جلت قدرته.. حباني بما انا عليه من صبر وتجلد.. وايمان مطلق بقضائه وقدره.. ثم.. حينما تقوم والدتك وزوجتك وبعض اشقائك بزيارتك احيانا ويسمعون صوتك عبر التليفون (الثابت) احيانا اخرى.. وهي ايجابيات رغم ندرتها لابد من شكر فاعليها! فاقارن ذلك مع المحرومين من الزيارات والاتصالات ومع من لاتعرف اسرهم عنهم شيئا
منذ اختطافهم قبل سنوات.. مما يخفف من الحزن والقهر والالم!!
ولعملك حبيبي حمزة .. فوالدك يعمل من اجل الافراج عنك دون كلل.. وطرقت كل الابواب المعروفة واستجرت بكل من يزعم قربه من( انصار انفسهم!)..
بما فيهم من نبتسم لهم وقلوبنا تلعنهم ولسان حالي يردد..
(ومن نكد الدنيا على الحر ان يرى
عدوله مامن صداقته بد))..
وان كنت افكر بعدم اللجوء لغير الله وحده.. حتى لايراق المزيد من ماء الوجه والذي لااخالك ترضاه لوالدك!
لاارغب بقول المزيد مما ارغب بقوله هنا.. لاجلك.. ولانه لايزال في فمي ماء..
ولذا مااود التاكيد عليه ثقة باالله وتوكلا عليه.. هو انك عزيزي حمزة ستخرج من سجنك مع رفاقك بعون الله ان عاجلا او آجلا.. وكما صبرت قرابة اربع سنوات فاستمر بصبرك وتجمل به وانشر الامل بين زملائك في (الزنزانة) وتطلعوا جميعا الى غد مشرق خال من الهيمنة والتسلط وفي كنف يمن جديد لا فضل فيه لااحد على آخر الا بما يقدم لاجله من تضحيات وتفاني وانتماء واخلاص!
اخيرا عزيزي حمزة.. قد لاتقرأ هذه الاحرف قبل خروجك من سجنك.. لكن عزائي ان غيرك سيقرؤها حتما.. وقد يتعاطف ولو ظاهريا؟! كما سيقرؤها من كانوا برفقتنا معا..
وشهر مبارك على الجميع..وللجميع،،
والدك المكلوم/ يحيى عبدالرقيب الجبيحي
القاهرة في 2020/4/23م