*عز الدين سعيد الأصبحي:
هل يتجه العالم إلى حرب شاملة ؟ وأقصد هنا مواجهة عسكرية واسعة.
أما الحرب فى صورها السياسية والاقتصادية والاعلامية والنفسية فهى قائمة على أشدها. ولا يتم الاعتراف بخطورتها، بل مطلوب التكيف مع كل هذا الموت بالتجزئة!، وتبقى حربا صامتة وإن قتل الملايين!.
والعالم يسمى الحرب حربا فقط عندما تندلع المواجهات العسكرية الواسعة فى قلب أوروبا، ما دون ذلك يضغط على نفسه ويتكيف معها ويسميها نزاعات.
و الإعلام المهيمن على حياتنا،هو أيضا لا يسمى الحروب عالمية إلا إذا كانت فى أوروبا، وما دون ذلك هوامش للقارة العجوز .
فكل شيء عالمى يجب أن يكون هناك فى ( الغرب)، أو يجب أن يمر به، ابتداء من لاعبى كرة القدم وانتهاء بصانعى السياسة والموضة!، وحتى فى قياس الجغرافيا يتخذ الغرب منطلق أنه محور العالم.
فهذا الشرق الأوسط وذاك الشرق الادنى قياسا على موقعه هو لا حسب ما يكون عليه الآخر، ولهذا جاء تصريح مسئول الاتحاد الأوروبى الأسبوع الماضى حول أن أوروبا هى الحديقة ونحن الغابة التى تريد تحطيم الحديقة. لا أحب هذا الجدل العنصرى والرد عليه وأن العالم لا يأكل من ورود الحديقة بل يلتهم ثروات الغابة.
فالغرب من يُعمّد عالمية كل شيء من شكل الكرافته إلى قادة التحرير!.
وإلا ما يجرى حولنا هو صورة أشد مرارة من الحرب العالمية، لكن العالم المحكوم بالتفوق الأمريكى الأوروبى لا يحصى ولايسمى ضحايا الحروب فى الشرق الأوسط من فلسطين وحتى اليمن مرورا بسوريا والعراق ولبنان وليبيا وهناك الصومال حروبا عالمية.
وتشارك فيها مختلف القوى دوليا وإقليميا، وإن فيها أكبر موجات نزوح جماعية، وتدمير للمدن وتشظى للمجتمع وضرب ممنهج لحضارة إنسانية مدهشة، لا ينظر اليها على أنها حرب مدمرة للإنسانية، بل هى نزاعات صغيرة فى الغابة لا تستحق غير تصريح بالقلق.
وهو لا يقف عند ذلك فهى على هامش الكون الذى يقيس كل شيء حول محيطه ومصالحه.
ومثل ذاك كوارث الطبيعة وآثارها فلو كانت فيضانات السودان وباكستان فى أوروبا، لوقف الكون كله يقول عنها الفيضانات العالمية، أما وهى فى القرى البعيدة فتلك اخبار هامشية وإن كان عدد الضحايا يفوق عدد سكان بلد عضو فى الأمم المتحدة! .
(بالمناسبة ما زلنا نسمى هذه البلدان المتصارعة بالأمم المتحدة!)، وتلك واحدة من أكثر حالات السخرية التى لم نعد ننتبه لها، ولا ندرى متحدة كيف وضد من ؟ فهذا العالم اليوم رغم كل ما يجرى فى كل مكان منه مشدود فقط إلى مربع أوكرانيا ـ روسيا، ماعداه هوامش عالم لا بواكى له.
ومن تابع جلسات الأمم المتحدة فى نيويورك مؤخرا، سيجد أن كل الاهتمام وقف عند حشد روسيا للتعبئة وإلى أين سيذهب القرار الروسى ، بينما بقى اصحاب الملفات من دول العالم فى المنطقة العربية وإفريقيا وآسيا يصرخون وبيدهم ملفات شعوبهم فى ممرات المقر الدولي، مثل يتيم عديم الحيلة فى اروقة محاكم فاسدة .
لا يسمع صراخهم أحد، فهؤلاء هوامش العالم، وضاعت قضايا مهمة مثل المناخ الذى يدمر الكوكب والجوع الذى يعصف بالبشرية دون استجابة مناسبة.
هل على العالم أن يصطدم عسكريا بما يكفى لإحداث صحوة تغيير فى النظام العالمى المترهل؟. كما عمل هذا العالم بنفسه خلال الحرب العالمية الثانية والصدام مع ألمانيا ايامها؟ .
ذلك ما تبدو عليه الأمور. ومثل ما كان عليه الأمر عقب الحرب العالمية الثانية عندما حل كل ذاك الدمار ليستيقظ ضمير العالم مؤقتا، وانتج نظام الأمم المتحدة الحالي، الذى كان قبل سبعة عقود مضت خطوة متقدمة، وحل محل عصبة الأمم التى انتهت وجاء النظام الحالي، والذى لم يعد الآن حتما ملبيا لواقع متغير شديد التطور والتعقيد، فالنظام الذى جاوز عمره السبعين عاما يعيش شيخوخة منطقية وهى مميتة للجميع.
نظام لا يمكنه أن يحول دون استمرار هذا التدهور فى الأمن العالمى وفقدان العدالة واتساع فجوة الفقر والتخلف بين دول وشعوب الأرض، واستمرار التوترات والحروب فى كل مكان من الكرة الأرضية.
نحن فى ترقب دائم للانفجار العظيم الذى قد يكون انتحارا للكوكب، أو إعادة صياغة منصفة للعلاقات والتعاون بين الشعوب؟.
مؤسف أن تجد الرأى السائد أكثر سوداوية من أى وقت مضى، وأن يكون القول عقب كل اجتماع دولى للبحث عن السلام هو أن العالم اكتملت فيه كل عوامل الانفجار، وما يبقى هذه الشمس ساطعة كل صباح فقط، هو دعوات أصحاب القلوب الطيبة لا حكمة السياسيين المضطربة.
*سفير بلادنا لدى المملكة المغربية
نقلا عن جريدة الاهرام المصرية