د/ عبدالناصر الخطري :
بعد سقوط صنعاء بيد الحوثيين ، وظهور زعيم الجماعة بمظهر الآمر الناهي في البلد كمرشد للثورة ، شعر كثير من اليمنيين بعودة الإمامة ، وقد عدَّ البعض هذه العودة من نتاج ثورة فبراير .
وعند إمعان النظر في تأريخ الإمامية ، سنجد أن ثورة 26 سبتمر قضت على جسد دولتهم ؛ لكنها لم تقض على روح مشروعهم ، فقد بقوا يأملون ويخططون للعودة بأي وسيلة ممكنة حتى قال الشاعر على لسانهم :
قل لفهد وللقصور العوانس
إننا سادة أباة أشاوس
سنعيد الحكم للإمام إمــا
بثوب النبي أو بأثواب ماركس
وإذا خابت الحجاز ونجــد
فلنا أخوةٌ كرامٌ بفارس
ومن الوسائل التي سلكوها للعودة لواجهة الحكم ما يلي :
أولاً : الحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه ، فعند شعور الإماميين بالهزيمة أمام الجمهوريين ، وافقوا على عقد اتفاق عام 1970 والذي قضى ببقاء هيمنتهم على مؤسسات هامة منها : الجيش ، والقضاء ، مقابل وقف الحرب والاعتراف بالجمهورية .
ثانياً : بقاء دولتهم العميقة في مؤسسات الدولة بقناع الجمهورية ، فبعد تغلب الجمهوريين لم يتم استبدال كوادر الإمامة بكوادر جمهورية ، وإنما ابقي على الكادر الموجود و طُعِّم من الجمهوريين تدريجياً ولم يصل إلى حد الأغلبية .
ثالثاً : استمرارهم في الزج بكوادرهم في الوظائف العامة ، وقد كان لهم النصيب الأوفر ، والسبب في ذلك : أنهم كانوا أكثر الفئات تعليماً دون بقية الشعب ، فقد كانت الإمامة تميز بين تعليم الهاشمي والقبيلي ، فتهتم بالأول وتُحرِم الثاني.
وقد تدرج هؤلاء الموظفون بحكم قدمهم وتعلمهم حتى وصلوا إلى أعلى هرم في الدولة ، كمحافظين أو وزراء ومن الأمثلة على ذلك :
– يحي الشامي الذي تولى في عهد صالح محافظا لمأرب والبيضاء وصعدة ومناصب أخرى ثم كشف عن قناعه وصار بقرار الصماد مساعداً للقائد الأعلى للقوات المسلحة بدرجة نائب رئيس وزراء .
– حمود عباد الذي ترقى في عهد صالح وتنقل بين وزارتي الشباب والأوقاف صار بقرار الصماد أميناً للعاصمة .
ولا يقولن قائل : إن المصالح هي التي حولتهم وغيرتهم ، فهذا لا يقوله عاقل ؛ فمصالحهم في الوقوف مع الشرعية قد يكون أكثر ، والأهم أن الحوثيين لا يمكن أن يعينوا مصلحيين غير واثقين من ولائهم في مناصبٍ هامة كهذه .
رابعاً : التغلغل في الحزب الحاكم ، لقد حاول الإماميون إنشاء أحزاب سياسية لتكون وسيلة للعودة إلى الحكم ، ومن أشهرها : حزب الحق ، الذي أوصل حسين الحوثي إلى مجلس النواب ، إلا أنهم وجدوا أن نجاح حزب خاص بهم خير ممكن ، فقرروا التغلغل في الحزب الحاكم – حزب المؤتمر – ، وفعلاً وصلوا إلى مواقع هامة من خلال لباسهم قناع المؤتمر وخذ مثالين على ذلك :
– يحي الحوثي وزير التربية عن الحوثيين لا زال عضوا في مجلس النواب عن حزب المؤتمر .
– عبد الكريم جدبان عضو مؤتمر الحوار الوطني عن الحوثيين كان قد انظم مسبقاً إلى كتلة المؤتمر في مجلس النواب .
وبهذا ندرك أن وهم احتواء صالح للمؤتمر قد ذهب بمقتله ، فقد كان الحوثيون يدركون مدى تواجدهم في المؤتمر وتأثيرهم على قرارته ، فلم يبالوا بقتل صالح بعد أن انتهوا من الاستفادة منه ، ولو أنهم خشوا انفراط المؤتمر ما أقدموا على هذه الخطوة.
وقبل الختام يبقى السؤال : هل معنى ما سبق أن صالح كان متفقا مع الحوثيين ؟.
سأترك عند الإجابة عن هذا السؤال جدلية الحروب العبثية في صعدة وأهدافها فتلك قناعة غيري؛ لكني هنا أدون قناعتي فأقول : لا يخفى بأن صالح زيدي المذهب ؛ ولذا فإن بينه وبين الحوثيين خلاف جوهري واتفاق جوهري ، أما نقطة الاتفاق فهي : ألا يخرج الحكم إلى الشافعية ، وأما نقطة الخلاف فهي حصر الحوثيين الحكم في البطنيين ، ومحاولة صالح جعلها للمذهب أعم من البطنيين ، وقد عمل صالح على إقناع الزيدية بهذا ودفع ببعض الكتاب للكتابة حولها وإقناعهم بالنظام الجمهوري وممن كتب في هذا ( المرتضى المحطوري ) ، إلا أن الحوثيين كانوا يدركون أن صالحاً وإن كان لا يرى حصر الإمامة في البطنيين فهو يرى حصرها في بطنه ! وليس من الصدفة – من وجهة نظري – أن يتأسس الحرس الجمهوري في عام 2000 ، ويظهر حسين الحوثي مشروعه في نفس العام ، مما جعل كل طرف يشعر بخطر الآخر ، وبدأت التوترات حتى انفجرت الحرب الأولى 2004م.
لكن رغم اختلافهم فإن نقطة الاتفاق تجمعهم عند وجود ما يهددها ، بمعنى إذا لم يمكن أن تحكم السلالة فلا أقل من أن يحكم المذهب ، والعكس ؛ لذا نجد أن صالحا لما شعر بخروج الأمر من يده وتسلم السلطة صاحب أبين ! بادر بتحالفه مع الحوثيين ، وكان حريصاً على بقاء هذا التحالف حتى آخر لحظة ، ولم يبادر بفضها كما يتوهم البعض ؛ بل هم من قرروا التخلص منه ، وصرخته الأخيرة لم تكن صرخة ثائر ؛ إنما استنجاد غريق .
ومن خلال ما سبق يتضح أن روح الإمامة كان موجوداً ؛ لكن كان هناك قناعات تلبس على وجوه الإماميين فغاية ما أحدثته ثورة فبراير أنها كشفت عن هذه الأقنعة ، وجعلت الإماميين يظهرون بأشكالهم الطبيعية ، ولذا أقول : إذا كانت معركة ثورة 26 سبتمر مع جسد الإمامة ؛ فإن معركتنا اليوم مع روحها التي اختبأت خلف قناعات مختلفة أزالتها ثورة فبراير.
الخبر السابق
أخبار ذات صلة
انقر للتعليق
جار التحميل....