محمد جميح :
تُرى لو قلنا: تعالوا يا أهل اليمن، ننزع القداسة عن الأشخاص مهما كانت مهاراتهم القيادية، أو مكانتهم الدينية والاجتماعية، لو قلنا تعالوا نتعامل بواقعية في علاقتنا مع قياداتنا السياسية والعسكرية، على أساس أنهم بشر يخطئون ويصيبون. من تُرى سيشذ عن الإجماع، وينادي بقداسة القائد المنصوص عليها في الدين والمذهب؟
برأيكم، لو قلنا تعالوا يا يمنيون، واتفقوا على أنكم سواسية كأسنان المشط، لا سيد ولا مسود، وأنه لا واجب على يمني تجاه يمني، إلا بقدر ما على الثاني تجاه الأول من حقوق، لو دعونا إلى نبذ التميز والاصطفاء بين البشر عموماً، واليمنيين على وجه الخصوص، لو دعونا لذلك، فمن-يا تُرى-سيرفض؟
ترى لو قلنا: تعالوا لنصوغ مناهجنا التعليمية، كي تظهر من دون لون مذهبي، ودون ذكر لما يُسيء لوحدتنا الوطنية، تعالوا لنصوغ المناهج على المشتركات الدينية والوطنية والاجتماعية. من تعتقدون أنه سيقول: لا؟
فماذا لو طالبنا بأنه لا واجبات ولا ضرائب ولا زكوات تدفع إلا للدولة، ولا حق لأي كان في استلام ريال واحد من تلك البنود إلا تحت مسمى الدولة اليمنية، لو قلنا إن فرض الأخماس مرفوض، لأنها كانت في فترة معينة ولأشخاص محددين مضوا إلى الله، لو قلنا ذلك، فمن هو ذلك اللص الذي سيرفض ذلك؟
لو قلنا: يا أهل اليمن تعالوا نوقع وثيقة تنص على أن السلطة للشعب يضعها فيمن يختار، وأنها ليست لقريش، ولا للبطنين. من-بالله عليكم-سيرفض؟
لو قلنا إن الله ورسوله لم يحددا لنا كيفيات تفصيلية لإدارة شؤوننا السياسية، وإنهما تركا أمور السياسة، وإدارة البلاد للناس دون نص ديني يعين شخصاً، أو فئة أو مذهباً دينياً، لو قلنا إن القرآن لم ينص على شخص بعينه إماماً، وإنه ترك الاختيار للشعب، لو قلنا ذلك. من تعتقدون أنه سيصر على شرائط جينية وفئوية للحاكم أو الإمام؟
طيب. لو قلنا تعالوا نجعل أساس الوصول إلى السلطة هو “الانتخاب الشعبي” وصناديق الاقتراع. ترى من سيقول: لا دخل للشورى في اختيار الإمام المنصوص على وجوب كونه من سلالة معينة؟
فماذا لو قلنا: نطالب جميعاً بوقف الحرب الحالية المدمرة على أساس المرجعيات الثلاث التي أقرها اليمنيون، وأصبحت وثائق دولية نافذة بقرارات أممية، لو قلنا ذلك، فمن سيرفض؟
أخيراً: لو طالبنا بالتزام ما سبق، ثم تبين لنا من يعارض هذه البدهيات، ويصر على مخالفة ناموس الطبيعة وشريعة الله، وقانون الناس. لو تبين هذا الذي يعارض كل تلك المسلمات، فمن-برأيكم-يتحمل مسؤولية هذه الحرب، ومن هو المتسبب في ذلك الانقسام الوطني والاجتماعي. وإذا حددنا هذا الشخص، أو هذه الفئة، فهل المطلوب منا-نحن اليمنيين-أن نخالف طبائعنا البشرية، ونترك كل تلك المسلمات لنتبع هذا الشخص، أو تلك الفئة حسب الأهواء؟!
إذا قال يمني ليمني أنا أخوك: فرد عليه الآخر بقوله، “نعم لكنني خير منك”، فماذا يمكن للأول أن يفعل غير أن يتمسك بمقتضيات فطرته السليمة، وعقله المستنير، ويناضل في سبيل قيم الحرية والعدالة والمساواة، بعيداً عن تأويلات النصوص، وسلطة الموروث، ولو كلفه ذلك كل شيء؟!
وبقي سؤال: ما هو المكان اللائق بمن يرفض البديهيات الطبيعية المذكورة أعلاه: كرسي الحكم أو مستشفى المجانين؟
هل اتضحت الصورة؟