د/ ياسين سعيد نعمان:
– كان اليمن بلداً جميلا رغم كل ما تعرض له من أفعال قبيحة من قبل كبرائه وسادته .
– ظل جماله يقاوم قبح تلك الأفعال ويهزمها ، وتمضي الحياة مسترشدةً بأحلام البسطاء من أبنائه ، لا بكبرياء أولئك السادة .
– مع كل مرة كان فيها اليمن يغرق فيما تراكم من ذلك القبح ، كان البسطاء يدفعون الثمن ، أما كبرائه وسادته فيجدون سبيلهم إلى عاصم يلوذون به حتى يعيدون إنتاج أنفسهم لمرحلة جديدة من السيادة والتسيد .
– جاء الحوثيون من وراء الحيطان وثنايا الشروخ التي تجمع فيها قبح السنين ، غزلوا هذا القبح المتراكم بالخبرة التي تكونت بأيدي أسرهم الأرستقراطية المتنفذة ، والتي كانت أقدر على بناء المشهد السياسي في الوعي الجمعي بما يخدم مشروع الهيمنة الذي لم يستطيعوا أن يغادروه كعنصر حاسم في صلتهم بهذه الأرض، ووظفوه في مغامرتهم الانقلابية على التوافق الوطني الذي استعاد فيه اليمنيون مبادرتهم التاريخية بوضع حد لحكم الغلبة والانتقال إلى الحكم الرشيد.
– ما حققه الحوثيون من مغامرتهم تلك هو أنهم ألحقوا باليمن هذه الكارثة التي تعددت صورها لدرجة لم يعد معها ممكناً الحديث عن أي شيء جميل في هذا البلد الذي غدا الجمال فيه يترنح مأخوذاً بهول الكارثة حتى صار “كباقي الوشم في ظاهر اليد” .
– أكثر صور هذه الكارثة بشاعة هي تشويه النسيج الاجتماعي الذي كان قد أخذ يكتسب لون اليمن على النحو الذي تمازجت فيه الألوان والألسن والثقافات لتشكل لوحة تفرد بها اليمن دون غيره من بلاد الله .
– فرزوا أنفسهم عن بقية المجتمع في أسوأ عمل يمكن أن تقوم به أي مجموعة من البشر يهمها مستقبلها ومستقبل أبنائها ، وقرروا في لحظة حماقة أن يضعوا أنفسهم خارج معادلة الوطن والمواطن ، حطموا جسور تواصلهم مع المجتمع ، أحرقوا اللوحة التي كانوا موزعين فيها ضمن نسيجها المتناسق ، وقرروا استبدال كل ذلك بخرافة الوهم بالتميز عن هذا المجتمع الذي تشكل عبر أجيال، وفتح فرصة الانتماء إليه بقوة الانسانية لا بشطارة الانسان ، فرصة مكفولة بحق الحياة مع الاحتفاظ بحرية التعبير عنها في المساحة التي تتجمع فيها روافد العيش المشترك والاعتراف بحق الآخر في أن يعيش كريماً .
– شهد اليمن شيئاً مماثلاً لهذا الفرز الغبي قامت به نخب الحكم المستندة على العصبية القبلية أو الايديولوجية أو أوليجاركية الفساد ، وجميعها انتهت بالفشل الذريع بعد أن مزقت روابطها مع المجتمع ، ولم تستطع هذه العصبيات أن تصمد أمام التغيرات الاجتماعية والسياسية ، التي وإن قمعت من قبل هذه العصبيات الحمقاء ، إلا أن ما هو موضوعي في هذه العملية الاجتماعية المركبة هو أن مفاعلاتها تتراكم رغماً عن إرادة منظومة القمع وتتحول إلى قوة للتغيير . ويتوقف الأمر حينذاك على القوة التي تلتقط اللحظة بعد أن تكون قد تبلورت بعناصرها الثورية .
– الحمقى بالنتيجة لا يستلهمون من التجارب إلا ما يغرقهم في حماقات أشد ، باعتبار أن الحماقة تكرار للحياة في سكونها ، غير أن للحياة في حركتها قانون آخر ، مختلف ، فتجارب الفرز التي تعالت على المجتمع بصيغها الحمقاء هي دورة تنتهي بأصحابها إلى الجحيم .