بلال الطيب :
لم يكن مقدم «الهادي» يحيى بن الحسين إلى صعدة بطلب من أعيانها، إلا بداية لتوالي قدوم الطامحين من أبناء عمومته، لمنافسة أحفاده في الإمامة والحكم، في البدء قدم القاسم العياني، ثم القاسم الزيديي، ثم أبو الفتح الديلمي، ثم أبو هاشم الحمزي.
تلقف غالبية أبناء شمال الشمال دعواتهم، وضحوا في سبيل نصرتهم بالمال والرجال، ومن «صيد البراري» بخارف، مروراً بمنطقة «المنوى» في أرحب، وصولاً إلى «قاع الديلمي» بذمار، ثمة شواهد متناثرة، تحكي بأسى فصول تلك المأساة.
قلة هم الذين عارضوا ذلك التوافد المُسيس، تخلوا عن شرط حصر الإمامة في البطنيين، ودعوا لأن يحكم اليمنيون أنفسهم، كان مطرف بن شهاب العبادي أبرزهم، عاصر في شبابه «المهدي» حسين بن قاسم العياني، قال بادئ الأمر بإمامته، ثم رجع عن ذلك، خاصة عندما استحضر الأخير فكرة «المهدي المنتظر»، وادعى ذلك تصريحاً بداية العام «401هـ».
كما عارض جعفر بن قاسم العياني، الذي قال بغيبة أخيه، وعارض أيضاً الإمام أبو الفتح الديلمي، الذي قدم من «طبرستان» سنة «437هـ»، وعاث في «اليمن الأعلى» نهباً وخراباً.
يرجع نسب «مطرف» إلى قبيلة «بني شهاب»، عمل بداية عمره مزارعاً في «بيت حنبص»، وهي قرية تقع على السفح الجنوبي الغربي لجبل عيبان، ثم انتقل إلى «سناع»، وابتنى فيها مسجداً، وجعلها هجرة للعلم، ومركزاً لنشر دعوته، وإليه وفد مريديه، فيما تكفل وبعض داعميه في تحمل نفقات تعليمهم.
خالف «مطرف» السائد من عقائد الاعتزال، وعقائد الزيدية، وتخلى عن شرط البطنين، والتفضيل بمجرد النسب، وإليه تنسب جماعة «المطرَّفية»، وهم مسلمون ورعون، بعيدون عن أية شائبة عنصرية مبتذلة.
تعرضت «المطرَّفية» لمحن شتى، كفرهم الإمام أحمد بن سليمان، فيما أفتى الطاغية عبدالله بن حمزة بردتهم، ونقل عنه أنه كتب على جدران إحدى المساجد:
ولقد حلفت وعادتي أني وفي
لا يـدخلنك ما حييت مطرَّفي
فكتب أحد «المطرَّفية» تحتها:
أو مـا علمت بأنَّ كـل مطرفي
عما عمـرت من الكنـائس مكتفي
أنتم ومسجـدكم ومذهبكم معا
كـذبالة في وسط مصباح طفي
كما حكم على مناطقهم بأنها دار حرب، «تقتل مقاتليهم، وتسبى ذراريهم، ويقتلون بالغيلة والمجاهرة، ولا تقبل توبة أحد منهم»، وبموجب ذلك، قتل أكثر من «100,000» من رجالهم، وسبى نساءهم، واستعبد أطفالهم، وهدم دورهم، ومساجدهم، وأخراب مزارعهم، وصادر أملاكهم.
وجاء في إحدى رسائله ما يؤكد ذلك، حيث قال: «وهذه المطرَّفية قد قتلنا من قدرنا عليه منهم، وأوهن الله كيدهم، وجددنا العزم في المستقبل على تحريق من وجدنا من علمائهم»، وأضاف: «وإنما فعلناه تقرباً إلى الله عزوجل، لإظهارهم صريح الكفر في بحبوحة الإسلام».
عمل غلاة الزيدية على محو آثار «مطرف» وأثره، ولم يصلنا من سيرته إلا النزر اليسير، والراجح أن وفاته كانت بداية العام «460هـ».