عبد الرزاق العزعزي :
منذ الاسبوع الماضي وأنا أتابع هجوم حوثيين على حملات السلام في اليمن متحججين بكونها رياح ناعمة تمنع رفد الجبهات بالمقاتلين، ولم يبدأ هذا الهجوم إلّا بعد خطاب زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي الذي أفاد بأن “رياح السلام” هي مشاريع ممولة من العدوان لإضعاف الروح المعنوية ل:”شعبهم” و”تضلليهم تجاه حقيقة هذا العدوان”
وبناء على هذه التعبئة، اليوم فوجئت، بحظر أنشطة ثلاث منظمات مهمة داخل اليمن
– فريدريش ايبرت
– سيفرورلد
– البحث عن أرضية مشتركة
حظر أنشطة هذه المنظمات هو عمل كارثي في حقيقة الأمر، ومرفوض جملة وتفصيلًا، وهو ما يدفع أكثر بمزيد من العنف واخماد أي صوت ينادي بالسلام أو انهاء الصراع، داخل هذا البلد المنكوب من جميع نواحي الحياة لاسيما الاقتصادية والحقوقية.
تعمل فريدريش ايبرت على مبدأ أن سياسة التنمية هي سياسة السلام، وتؤمن منظمة البحث عن أرضية مشتركة أنه يجب ايقاف الصراعات حول العام والعمل من أجل بناء مكان آمن للجميع، فيما تعمل سيفرورلد من أجل منع الصراعات وبناء حياة آمنة وتؤمن أن تحقيق السلام يتطلب من الناس دورا فاعلا في منع الصراع.
تعمل المنظمات الثلاث بنشاط عالٍ، وبإيمان عميق بأنه يجب إحلال السلام لليمنيين، ولا توجد لدى أنشطتهم ما يثير القلق، قلق المجتمع، هم يعملون على توعية المجتمع اليمني بأهمية السلام والتعايش والتآخي فيما بينهم البين، وتوجيه العاملين في وسائل الإعلام والمبادرات الشبابية والفاعلين في المجتمع عن طريقة قيادة هذا التوجيه وآلية توعية الجميع، وهذا بالفعل ما يثير قلق “تجار الجبهات” والمترزقين من جثث القتلى وأسلحتهم العسكرية.
الحوثيون عمومًا لا يبحثوا عن السلام، ولا يريدوه، وليست ضمن أهدافهم أن يكون هناك سلامًا يعم كل اليمنيين، هذا ما أثبتته التجارب والمواقف والتصرفات الرسمية والخطابات العلنية والخاصة، وهذا الأمر ليس بغريب على جماعة انقلبت على نظام الحكم بقوة السلاح وفرضت نفسها كسلطة أمر واقع بقوة السلاح وتقوم بتمرير سياستها على الجميع بقضبة حديدة دون أي اعتبار لأي حقوق أساسية لأي أحد، ولأنها -كجماعة مُسلّحة تستمد قوتها من توجيه طاقات الشباب نحو المشاركة في صراعات مسلّحة لم يكونوا السبب بها ولكنهم وقودها- فهي إذ ترغب بإيقاف كل الأصوات التي من شأنها أن تعمل على الاخلال بصفوفهم العسكرية، وهذه الأصوات في العادة ليست أصوات خطابات الحكومة الشرعية أو فصائلها المُقاومِة المتناحرة فيما بينها، ولا هي أصوات المثقفين ومن يُفترض بهم قيادة هذه المرحلة وتوجيه المجتمع نحو انهاء الصراع وبناء السلام ولا أصوات دُعاة الدين، لكنها في الحقيقية هي أصوات منظمات دولية تعمل ضمن أجندة واضحة وظاهرة للجميع وهي بناء السلام وإنهاء الصراع وتحقيق الأمن المستدام لليمنيين.
لقد سائني بالفعل ما حدث اليوم، هذه السياسة الجوفاء يجب أن تتوقف، وفي حال استمرت يجب على جميع اليمنيين أن يكونوا أصوات تنادي بالسلام لا الحرب، أصوات تعمل باتجاه انهاء الصراع وليس تأجيجه، يجب أن نحمل جميعًا إيمانًا راسخًا بأن المقاومة العنيفة لأي جهة، لن تؤدي سوى استمرار المزيد من القتل والدمار، وأن الحل الوحيد هو انهاء النزاع، ومحاصرة كل أسباب الكراهية والتوقّف عنها، والايمان الحقيقي والراسخ بأن لكل فرد من الأفراد في المجتمع حق اعتناق الفكر الذي يريده وممارسة الطقوس التي يريدها والالتفاف جميعًا حول ما يجب أن نحصل عليه كمواطنين كشرط أساسي للمواطنة التي تبدأ بالحقوق ثم الواجبات.
اسحبوا المشاركين في الجبهات وأعيدوهم إلى منازلهم وادعموهم لبناء مشاريع صغيرة وستتوقف الحرب، طالبوا بحقوقكم الأساسية وارفعوا أصواتكم حتى يسمعكم الجميع خصوصا أولئك المرابطين في الجبهات، تحدثوا بمحبة وبمنطق أن اليمن للجميع والحروب كلها عبثية ولا أحد يستفيد منها سوى تجار الحروب.