د. كمال البعداني :
ذكرنا في الحلقة السابقة ان البرقية التي أعدت لارسالها من الإمام البدر بعد موت الإمام أحمد إلى الملك سعود كانت تعطي معنى التبعية والولاء عكس البرقية التي أعدت لترسل إلى عبد الناصر . وهنا اقترح القاضي الإرياني الذي كان وزير دولة في الحكومة التي شكلها البدر قبل موت أبيه اقترح تعديل البرقية التي إلى الملك سعود بحيث تتفق مع ما يحرصون عليه من سيادة اليمن . كما اقترح كذلك تعديل البرقية التي لعبد الناصر بحيث تكون متميزه وفيها وعود بإنتهاج سياسة جديدة . غير أن اقتراح الإرياني قوبل بمعارضة شديدة من قبل معدي البرقيات . ومن الطبيعي أن يصل هذا الكلام إلى البدر .. في اليوم الثاني الذي يصادف 22 سبتمبر جاء الإمام (البدر ) إلى الجلسة والغضب واضح عليه كما ذكر ( الإرياني ) في مذكراته . وقد افتتح البدر الجلسة وقال هناك من يريدني أن اشتري عرشي من عبد الناصر او من غير عبد الناصر واني احذرهم وأقول لهم ليس لدي إلا السيف. . الإرياني فهم انه المقصود بكلام البدر وقد هم بالرد ولكن الدكتور ( عدنان ترسيسي ) وهو من اصل لبناني وكان يعمل كمستشار لدى الحكومة اليمنية . وقف وقال نحن نريد مصلحة العرش ولا نريد أن يشتري الإمام عرشه من أحد ولكن كما تعلمون ان لمصر التأثير الكبير في اليمن وفي جميع الدول العربية . ونريد أن تكون لليمن مع مصر علاقة حسنة.. وقد شكل موقف البدر هذا صدمة للارياني وغيره لتنكره لما كان يقول من قبل انه يريد الانفتاح والتعاون مع الأحرار ومع مصر… كان التفكير لدى الأحرار يزداد قوة بتعجيل الثورة خشية انكشاف الأمر وكانت هناك مؤشرات على ذلك . سفير مصر في صنعاء الأستاذ ( محمد عبد الواحد ) كان يحرض الضباط على التعجيل بالثورة وان البدر قد اكتشف المؤامرة واصبحت كل الأسماء معه . وإذا لم يعجلوا بالثورة فمصيرهم السجن أو الموت. وكان يوعدهم بوقوف مصر معهم عند قيامهم بالثورة . وفي الوقت الذي كان السفير يقول ذلك للأحرار كان أيضا يقول للبدر إنها بلغته إشاعة عن أعداد لثورة وان عليه أن يكون حذرا. وهو بذلك يريد أبعاد التهمة عن مصر في حال فشلت الثورة كما ذكر ذلك العميد ( صالح الاشول ) أحد الضباط الأحرار في كتابه ( حقائق ثورة سبتمبر اليمنية ) وهكذا هي السياسة . كل هذه الاعتبارات شكلت ضغوط على الضباط الأحرار الذين كانوا قد كلفوا كل من العميد أحمد الرحومي والعميد صالح الرحبي بالسفر إلى الحديدة لمقابلة الزعيم ( حمود الجائفي ) والطلب منه قيادة الثورة فقد كان الضباط يحرصون أن تكون على رأس الحركة شخصية معروفة لدى الجيش.. لكن الجائفي اعتذر عن ذلك رغم أنه بارك خطواتهم . الأستاذ أحمد المروني التقى اليوم في ميدان التحرير بالبطل علي عبد المغني وقال له بحذر.. ماذا وراءك ياعزيزي ؟ فرد عليه باقتضاب إنكم قد اديتم الواجب وتحملتم محنة الانتكاسة في 1948م وعلينا اليوم أن نؤدي الواجب وان نتحمل تبعة ما سنقوم به . فقال له المروني اسالونا فقد جربنا الخطأ.. فرد عليه علي عبد المغني لقد درسنا كل الاحتمالات وعلى الله التوكل. . فما كان من المروني إلا أن قال اعانكم الله ونحن شركاؤكم. ( الخروج من النفق المظلم للمروني ) .. هذه الثقة المتبادلة وهذا الحوار الخطير الذي جرى بين البطلين ممكن ان تطيح فيه رؤوس ويكون له تبعات خطيرة فيما لو تسرب . لكنه 26 سبتمبر الذي اختفت فيه العرقية والقبلية والمناطقية لتظهر اليمن ولا شيء غير اليمن… وعلى الصعيد الشعبي توافد الكثير من مشايخ القبائل إلى مدينة صنعاء بهدف مبايعة البدر.. ولكنهم قبل أن يتوجهوا إلى (دار البشائر ) مقر الإمام عقدوا إجتماعا موسعا تم فيه تحرير صيغة المبايعة . ولأول مرة في تاريخ اليمن تكون مبايعة المشايخ للإمام مشفوعة بمطالب عامة لبناء مدارس ومستشفيات وتحسين أحوال في مختلف المجالات.. وقد كلف الجميع الشيخ علي عبد الله القوسي بقراءة الكلمة وما ارفق بها من مطالب أجمع المشايخ على تقديمها للإمام الجديد عند المبايعة .. كيف قوبلت هذه المطالب؟ وما الذي حدث في يوم 23 سبتمبر ؟ هذا ما سوف نعرفه في الحلقة الرابعة من الطريق إلى 26 سبتمبر العظيم يوم غدا إن شاء الله #كمال_البعداني