الدكتور عبد القادر الجنيد
أولا: الحوثي الصياد
**
١- الرصد والمراقبة
مثل كل القطط والثعالب والذئاب، تبدأ عملية الصيد بالخروج والاستطلاع وإرهاف السمع الحاد وتحريك الآذان في كل إتجاه والشمشمة بمستقبلات الأنف الحادة والمشي الهوينا أو الزحف بتخفي وبدون أي صوت.
هذا هو الحوثي، ينظر لليمن كفريسة وإلى كل مكونات “الجمهورية” و “الشرعية” وحتى اليسار الغربي والمجتمع الدولي كقطيع من الغزلان يجب التغذي بها والتعيش من ظهرها حتى يتم الاستيلاء على كل الشعب اليمني وتدجينه وتحويله إلى قطيع من الخرفان تستمر به الحياة بدون أي حاجة لمشقة رحلات الصيد.
ونحن- شعب اليمن- ننظر إلى الحوثي كوَشَقْ أو ثعلب أو ذئب يريد أن يفترسنا، ولكن مثل كل الطرائد- بكل أسف- قد أصيبت الحالة الجمعية الجامعة داخلنا بالشلل، وقد فشلنا في تشكيل صف موحد للتعامل مع هذا الطاهش الناهش الحوثي الشَّمَّام الذي يلتقط روائحنا عن بعد ويحرك آذانه في إتجاه زعيقنا وتنافرنا فيتلصص ويزحف وتبرق عيونه ويسيل لعابه مع الرغوة على هذه الفرائس السهلة والطرائد اللذيذة التي هي مليئة بالمصانع والمزارع والموارد والضرائب وأهلها جاهزون للتدجين والإخضاع وحتى التسمين وأكل العلف والاستعمال عند الحاجة.
والحوثي، معه الأمن القومي والسياسي وسجلات الحكومة المركزية للعهد السابق وأدواتها وبيروقراطيتها والجواسيس والإتصالات المركزية التي نستعملها وتستعملها الشرعية، ويستعملها كلها في ترصدنا.
والانطباع السائد عندنا هو أن الحوثي في حالة رصد دائم لكل صغيرة أو كبيرة في صفوف الجيش الوطني وأجهزة الشرعية ومكوناتها الحكومية والحزبية والفئوية والمناطقية ويعرف بكل عُقَدِهم وتناقضاتهم وتوهانهم وترهلهم وانتفاخ كروشهم وعدم تركيزهم وعدم استعدادهم للمواجهة والنزال والقتال.
رصد الحوثي الثعلب أو الذئب، بعد شهور أو على الأصح سنين من المراقبة أن الفريسة في نِهْم قد سمنت وتربربت وقد حان وقت الالتهام.
٢- طاعة قطيع النَّهَّاشين العمياء للذئب الألفا الذي يرعاهم
في كل قطيع ذئاب، هناك الذئب “الأَلْفا”.
وهو يديرهم بنظرة واحدة أو بإفراز وإطلاق إحدى “الفِرْمونات” ذات الروائح المختلفة والتي تستعمل لأغراض معينة مثل التحذير أو التهديد أو توجيه تحركاتهم أثناء الصيد لفصل الفريسة عن القطيع ثم حصارها والهجوم عليها من كل مكان.
والذئب الألفا، يعتني بأتباعه وخدامه من المرتبة الأدنى.
•الكلام الذي يصلنا عن مواقع الحوثيين في الجبهات وفي كل مكان هو أن كيس القات لا ينقطع عنهم يوميا وفي أيام الأعياد والمناسبات تصلهم العيدان “القِفال”.
•وتغذية “المجاهدين” “الذئاب”، هي أفضل من تغذية جيشنا الوطني.
•وهؤلاء الميليشيات الذئبة أو المستذئبة تصلها رواتبها شهريا وأقل شيئ ثلاثون ألف ريال تحت الحساب، بينما جيشنا الوطني في مارب ونهم لم يستلم مرتبات منذ ثمان أشهر، كما يشاع.
•ويزور هؤلاء الذئاب “المجاهدون” نساءهم وأطفالهم بصورة منتظمة.
•وتتم زيارة “المجاهدين” الحوثيين بصورة منتظمة من كل عيال الذئب “الألفا” وكل “السلالة” في خطوط النار الأمامية يُلَحِّسونهم ويتشمشمونهم ويتحكحكون بهم ويتبادلون إطلاق روائح الفرمونات الحميمية ويتبولون على أطراف الأراضي التي تحت سيطرتهم ليرسموا الحدود التي عليهم أن يحرسوها.
بينما عندنا في جيشنا الوطني، يصدر محافظ الجوف “قرارا” رسميا بحكم صلاحياته بتكليف قائد جديد لقيادة المنطقة العسكرية السادسة بسبب غياب اللواء هاشم الأحمر عن مكان عمله وأثناء الحرب
•وهناك الزوامل التي ينتشون عند سماعها ويتقفنزون على طبولها وتنتابهم ما يشبه حالات الصوفيين من “الغِياب” وهم يرتعشون وينشدون عند سماعها.
•وهناك “صرخة” الموت لأمريكا وإسرائيل التي تملؤهم بالتشنج والرغبة بقتل كل يمني أمامهم حتى يتمكنوا من الوصول لأمريكا واسرائيل مع نصر الله وخامنئي.
•وهناك “الطلاسم” ومفتاح الجنة التي قد تَفَلَ عليها “السيد” “الألفا”.
•فإذا ما دقت ساعة العمل فلا يحتاج الذئب “الألفا” إلا إطلاق “فَسْوَة” فرمونية يشمها كل حوثي أو متحوث فينطلقون للاستيلاء على جبهة نِهْم التي قد رصدوها وشعروا بأنها جاهزة للإلتهام.
والمهم هو الحصول على نِهْم مهما كانت الخسائر من أجل أن يهنأ ويرتاح “الألفا” المُلَحِّسْ الشَّمَّام جابر الخواطر.
**
ثانيا: أبناؤنا في نِهْمْ
**
صورة اجتماع المقدشي وهو واضع يده على وجهه ومحاط بكبار ضباطه وأركان حربه وممثل قيادة التحالف (السعودية) والعمليات المشتركة، هي التي لا تفارق خيالي وأنا استدعي جيشنا الوطني إلى ذهني لأتأمل بأحواله.
وجوم
وكأن على رؤوسهم الطير، يخافون أن يتحركوا فتجفل وتطير.
ثم بيان عن انسحاب “تكتيكي” لقوات الشرعية.
الصورة والبيان، قالت أشياء كثيرة.
لن أجهد نفسي بالشرح، فكل شيئ واضح.
أقول هذا وأنا المدافع الأول عن الشرعية وعن الجيش الوطني وعن تحالف اليمن مع السعودية، ولكن أن تكون هذه الصورة وهذا البيان عن الانسحاب “التكتيكي”، هو كل ما معنا من “الشرعية” و “الجيش الوطني” و “التحالف”، وهي كل ما نحصل عليه بعد خمس سنين من العصيد والموت والدمار والنزوح والتشرد والنزف والمآسي والفساد، فهذا فوق طاقة التحمل.
وهذا ليس ما توقعه شعب اليمن من الشرعية والجيش الوطني وتحالفه مع السعودية
**
ثالثا: مفاجأة مارب الصاعقة
**
انطلقت سيارات مسرعة في ظلام الليل، وعليها أرشق رجال اليمن يطلقون الرصاص بين خبوت وبراري وبيوت ومراعي ومزارع ومطارح وخيام أهل مارب.
بدون سؤال أو استفهام أو جدال، انطلق الرجال بسلاحهم وذخيرتهم وزادهم وزوادتهم من كل “عَرِينٍ” في مارب وامتطوا كل “ضامرٍ” من سياراتهم الخاصة الحبة وربع أو الحبَّة ونص التويوتا وانطلقوا مع الدَّاعي.
في خلال ساعات كانوا الروافد التي تجمعت من كل جهة حتى صارت سيلا جارفا.
ومع تباشير الفجر، وصل السيل الجارف من الشجعان إلى جبهة نِهْمْ ومفرق الجوف.
وهذا هو “النَّكَفْ” القبلي، في أبهى وأعظم صوره.
وأنا لم أتجمل من أي تراث قبلي كما أنا متجمل من هذا اليوم.
وانتهى “الانسحاب التكتيكي” للجيش الوطني.
وتم صعق الذئاب الحوثية بأرشق رجال الصحاري.
أنا متأكد بأن الذئب “الألفا”، الآن، في حالة ذهول.
لقد رصد “الألفا” كل شيئ.
وشم “الألفا” كل الروائح.
وطرطر “الألفا” ببوله على كل تبة ورابية.
ثم حكحك “الألفا” ومسَّح قطيع ذئابه وحدَّد الأنياب والمخالب ثم فك الأربطة وأطلقهم يعوون ويصرخون ويتساقط اللعاب والرغوة من بين أنيابهم حتى حصلوا على “الانسحاب التكتيكي”.
فأطلق عبدالملك الحوثي “الألفا” الصرخة ابتهاجا بالإنسحاب التكتيكي.
وغاصت قلوبنا بين ضلوعنا حزنا من الانسحاب التكتيكي.
ثم جاء أرشق الرجال من الصحاري والخبوت وجندلوا بالذئاب بين صخور نِهْمْ، وأنهوا الانسحاب التكتيكي.
وعادت إلينا أنفاسنا وأرواحنا.
وأصاب الغم الذئب “الألفا” وقطعانهم الحوثية.
وهذه ثاني مرة، تنقذ بها قتبان وبراقش ومارب “الشرعية” و “الجمهورية” و “اليمن الموحد” خلال شهور قليلة.
كانت المرة الأولى بردف مارب لشبوة وأبين والجيش الوطني في الوقفة ضد محاولة انفصال الجنوب والتي تمخض عنها وبسببهم إتفاق الرياض (ولكن هذا ليس موضوعنا اليوم)
وهذه هي المرة الثانية، التي تردف مارب فيها الجيش الوطني وتنقذه.
زيارة للتاريخ
*
هناك موضوع طويل، لم يسعفني الوقت للخوض فيه وهو الصراع التاريخي الدائم بين البدو وسكان الوديان والصحاري من جهة وسكان الجبال الشمالية من جهة أخرى.
قوافل تجارة سكان الصحاري، كانوا يتعرضون للسطو والغارات من سكان الجبال.
وعندما تزدهر الممالك الصحرواية كانت توظف سكان الجبال كحراس للقوافل.
والكثير من قبائل الشمال وممالك المناطق الوسطى الجبلية، ما هي إلى نزوح جماعي لقبائل الصحراء.
العلاقة التاريخية بين سكان الصحاري وممالكهم التاريخية التي ازدهرت بسبب أدوارهم كحلقة وصل في التجارة العالمية بين الشرق والغرب ومن الإنتاج المحلي للبان المر والبخور على الخط الممتد من براقش عاصمة مملكة معين إلى مارب عاصمة مملكة سبأ إلى تمنع عاصمة مملكة قتبان إلى أوسان وصولا إلى حضرموت والمهرة على بحر العرب والمحيط الهندي.
طبعا مملكة حمير والمرحلة العبرانية، كانت في الوسط، وهم هم أنفسهم سكان الصحاري الذين نزحوا إلى هذه المناطق الخصيبة وسيطروا عليها في الأزمنة التي كانت تختفي فيها التجارة بين الشرق والغرب.
لن ندخل في تفاصيل وجدال لا ينتهي، ولكن كان هذا ضروريا لفهم جزء من هذا “النَّكَفْ” الماربي لجيش اليمن الوطني الذي تعود دوافعه لجذور تمتد لأكثر من ثلاثة ألف سنة.
**
رابعا: ملاحظات
**
١- صمت الرئيس ونائب الرئيس ووزارة الدفاع المطبق، لافت للنظر وإذا أحببنا أن نتكلم عنه فسنقول أشياء لا نود قولها
٢- المخاليف والمعافر ومناطق الوسط المحرر، في حالة يرثى لها ويتم تمزيقها بحيث لا تقوم بما يجب عليها في مواجهة الذئاب الحوثية
٣- لا ندري كيف نصل إلى المعلومة الصحيحة والأخبار، وهذا من علامات ضعف الشرعية
٤- مع فرحتنا العظمى بالمفاجأة العظيمة من أرشق الرجال في مارب، إلا أننا كنا نفضل أن تكون المفاجأة من “جيشنا الوطني” وقواتنا المسلحة المنظمة المنضبطة.
**
خامسا: ما العمل؟
**
العمل، واضح.
ولكن من كثر ما يسألوا بعد كتابة كل تحليل، فسنكتب ما هو واضح.
١- قيادات القوات المسلحة تحتاج لتغيير
ويجب أن يتواجدوا في المواقع وفي الصفوف الأمامية.
٢- يجب الإهتمام بالمخابرات بالتموين والإبرار واللياقة والتجهيز.
(المواعظ الدينية والخطب، قد شبع منها المقاتلون ومَلُّوها، ونحن معهم)
٣- عندنا انطباع بأنه لا توجد عندنا “عقيدة عسكرية” فعلية، ولا أهداف نهائية فعلية نخدمها فعلا بالرجال والإعداد والخطط والخطط البديلة.
وهذا الانطباع، يجب أن تعمل الشرعيه على كسبنا وإقناعنا بغيره.
شعار “قادمون يا صنعاء”، قد أصبح مثارا للإستهزاء بدلا من إثارة الحماس من كثر ما لَعَصَهُ المطبلون والراقدون بدون أي نتيجة لمدة خمس سنين.