تحول اليمن إلى مستنقع للأمراض والأوبئة، التي باتت تتهدد حياة المواطنين، وسط تحذيرات دولية من تدهور الأوضاع الصحية في البلدِ الذي تعد أكثر من نصف مرَافقه الصحية لا تعمل، وثلثا السكان بحاجة لرعاية صحية.
ولا توجد إحصائيات دقيقة وشاملة لضحايا الأوبئة، في 2019م، وهو انعكاس للوضع العام الذي تعيشه البلد نتيجة الإنقلاب والحرب التي نتجت عنه والدائرة منذ أكثر من خمس سنوات.
وفي التقرير التالي نحاول الوقوف على المشهد الصحي الكارثي في اليمن خلال عام كامل.
عانى اليمن في 2019م من الانتشار الثالث لوباء الكوليرا، الذي يسبب إسهالاً حاداً يمكن أن يودي بحياة المريض خلال ساعات إذا لم يتلق الرعاية الصحية اللازمة، ويعتبر الأسوأ في التاريخ.
قالت الأمم المتحدة إن المرض ينتشر كالنار في الهشيم، ومن ضمن ضحاياه طبيب يمني يدعى “محمد عبدالمغني”، عمل في مكافحته بمركز مؤقت لعلاج حالات الإسهال في فناء مستشفى بصنعاء ومات وهو يواجه “الطاعون”.
مطلع العام المنصرم، نشرت دراسة لباحثين في معهد “ويلكام سانجر” البريطاني ومعهد “باستور” الفرنسي، توصلوا فيها إلى أن سلالة الكوليرا التي تفشت في اليمن، جاءت من شرق أفريقيا، ويرجح أنها وصلت عن طريق المهاجرين.
والأخطر هو تطور مقاومة بكتيريا الكوليرا لعدد ست عائلات من المضادات الحيوية، بحسب تقرير رسمي صدر عن المركز الوطني لمختبرات الصحة العامة بصنعاء، في أبريل الماضي.
التقرير الذي حصل عليه “المصدر اونلاين”، أوضح أن بكتيريا الكوليرا أصبحت خلال 2019م، مقاومة للمضادات الحيوية بشكل كامل، وهو ما اعتبره أطباء تطورا خطيرا حول مدى فعالية الأدوية في مكافحة الوباء.
وقال أطباء، إن استمرار التعامل مع الكوليرا بهذه الطريقة، سيزيد من مقاومتها، وربما تصبح مستقبلاً مقاومة لجميع المضادات الحيوية ما يعني كارثة قد تودي بعشرات الآلاف.
وانتشرت الكوليرا في اليمن أواخر 2016م، بعد توقف عمال النظافة عن رفع أكوام المحلفات من الشوارع احتجاجاً على عدم دفع سلطات الحوثيين رواتبهم، بالإضافة إلى أن الجماعة منعت تدخل المنظمات الأممية لمكافحة الوباء.
ففي أبريل الماضي، قال تحقيق لوكالة “أسوشيتد برس”، إن الحوثيين عرقلوا توزيع لقاح الكوليرا في اليمن مما تسبب في تفشي الوباء، ولم تتمكن الأمم المتحدة من توزيعها إلا في مايو 2018م.
كان يمكن تجنب هذه الكارثة لو وزعت اللقاحات في وقت مبكر، لكن الحوثيين اشترطوا لتوزيعها أن تقدم لهم الأمم المتحدة، سيارات إسعاف ومعدات طبية، فقدمت لهم 45 سيارة إسعاف، أرسلوها إلى الجبهات لاستخدامها في القتال، حسب الوكالة الأمريكية.
وفي يناير الماضي، كشفت مصادر في صنعاء عن قيام نافذين حوثيين ببيع كمية من مادة (الكلور) مقدمة كمساعدة من منظمات دولية لمكافحة الكوليرا، بمبلغ 60 مليون ريال يمني.
ورصدت منظمة الصحة العالمية، 913 حالة وفاة بالكوليرا في اليمن، و696 ألفا و537 حالة يشتبه إصابتها بالوباء، منذ مطلع 2019م وحتى نهاية سبتمبر الماضي.
وقالت المنظمة، في تقرير لها، إن “الأطفال دون سن الخامسة يشكلون 25.5%، من إجمالي الحالات المشتبه بها، وأن 305 مديريات من أصل 333 مديرية في اليمن، تم الإبلاغ عن وجود الوباء فيها”.
وبالنسبة لإحصاءات الحوثيين، فقد بلغ عدد المصابين بالمرض والمشتبه في إصابتهم، منذ مطلع العام المنصرم وحتى سبتمبر الماضي، (654747) شخصاً، وعدد الوفيات 872، بحسب وزارة الصحة في حكومة صنعاء (غير معترف بها).
وبحسب إحصاءات متفرقة صادرة عن مكاتب الصحة في المحافظات تصدرت ذمار وتعز عدد الوفيات خلال النصف الأول من العام، ومن ثم ريمة والمحويت.
جماعة الحوثيين، التي تنهمك في إدارة الحرب ضد الحكومة الشرعية وحليفتها السعودية لم تبدِ اكتراثاً لانتشار الكوليرا، ففي ذروة انتشار هذا الوباء الفتاك، اكتفت الجماعة بكتابة عبارات على الشوارع العامة نصها “الكوليرا هدية أمريكا للشعب اليمني”، واكتفت وزارة الصحة التابعة لها بإقامة دورات ثقافية طائفية للكادر الطبي، بحسب عاملين في القطاع الطبي.
وكان الوباء الثاني القاتل في اليمن خلال 2019م، هو حمى الضنك، التي تنتقل إلى الإنسان عبر البعوض المتكاثر في المياه الراكدة، وهو مرض فيروسي.
يقول أطباء في اليمن إن المرض ينتشر وسط التجمعات المزدحمة بالسكان الذين شردتهم الحرب، وأصبحوا أكثر ضعفا وأقل مناعة، ويعيشون في ظروف غير صحية.
في نوفمبر الماضي، أعربت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، عن قلقها إزاء ورود تقارير عن آلاف الإصابات بحمى الضنك في اليمن، وقال روبير مارديني، رئيس بعثة اللجنة الدولية، إن هناك تقارير عن إصابة أكثر من 3500 شخص.
وأضاف: “يعتقد أن 50 شخصا في مدينة الحديدة قضوا بهذا المرض بين أواخر أكتوبر وأوائل نوفمبر، وأكثر من ألفي شخص مصاب”، وتابع مارديني “إن السيطرة على هذا الوباء يشكل تحديا كبيرا”.
وكان القسط الأكبر من حمى الضنك من نصيب محافظة تعز، التي انتشرت فيها بشكل كبير، وسط حصار حوثي جائر منذ سنوات على المدينة التي تفتقر إلى أبسط الإمكانات والمستلزمات الطبية.
فقد بلغ إجمالي عدد المصابين بحمى الضنك في تعز، منذ مطلع يناير وحتى نوفمبر الماضيين، 7990 شخصاً، توفي منهم 10 أشخاص، بحسب تيسير السامعي، نائب مدير إدارة الإعلام والتثقيف الصحي في مكتب الصحة بتعز.
وفي مارس الماضي، قال مصدر طبي إن 11 شخصوا توفوا في عدن بسبب حمى الضنك.
ومطلع نوفمبر الماضي، قال عوض الرملي، منسق الترصد الوبائي في مكتب الصحة بمديرية الجوبة، التابعة لمحافظة مأرب، إنه تم تسجيل 486 حالة إصابة مشتبه بها بحمى الضنك في المديرية منذ مطلع 2019م.
وقال مصدر طبي في محافظة شبوة، في منتصف ديسمبر الماضي، إن عدد الوفيات بسبب حمى الضنك في مديرية بيحان ارتفع إلى 8 حالات، بينهم 3 أطفال، خلال أسبوعين.
وأشار إلى أن عدد الحالات التي رصدها مكتب الصحة بالمديرية خلال الثلاثة الأشهر الماضية، بلغت أكثر من 224 حالة مصابة بالضنك، وتم تأكيد 81 حالة منها عبر فحوصات في محافظة حضرموت.
ومطلع الشهر المنصرم، أعلنت السلطة المحلية بمديرية ناطع في محافظة البيضاء، حالة الطوارئ بعد تسجيل 30 إصابة بحمى الضنك وحالة وفاة واحدة خلال أسبوعين، بحسب تصريح مدير المديرية مسعد الصلاحي.
وفي المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، أعلنت السلطات الصحية، في منتصف نوفمبر الماضي، حالة الطوارئ الصحية لمواجهة تفشي حمى الضنك والملاريا في محافظات (الحديدة، حجة، ريمة، المحويت، تعز، إب، صعدة).
وقبل أيام، قدم مسئول حوثي عرضا لاجتماع رسمي، ونشر في وسائلهم الإعلامية، يؤكد أن حالات الاشتباه بحمى الضنك خلال 2019م، بلغت 65 ألفا و747 حالة توفيت منها 245 حالة، خلال الثلاثة الأشهر الماضية “أكتوبر ونوفمبر وديسمبر”.
وكانت السلطات الصحية في محافظة الحديدة، قد أعلنت مؤخرا، عن وفاة 33 شخصاً بحمى الضنك وإصابة أكثر من ثلاثة آلاف آخرين، منذ مطلع أكتوبر وحتى 18 نوفمبر الماضيين.
واللافت أن هذا الإعلان جاء متناقضاً مع تغريدة لمنظمة الصحة العالمية على حسابها في “تويتر”، في منتصف نوفمبر الماضي، قالت فيها إن حالة وفاة واحدة جراء حمى الضنك تم إثباتها في الحديدة منذ مطلع 2019م.
وأعلنت منظمة أطباء بلا حدود، في أكتوبر الماضي، في بيان لها، عن ارتفاع عدد الحالات المشتبه بإصابتها بحمى الضنك في مدينة عبس بمحافظة حجة، حيث تم تسجيل 900 حالة خلال 6 أسابيع.
المثير أن مليشيا الحوثي أغلقت، مؤخرا، مستشفى أطباء بلا حدود في مدينة عبس أمام المرضى المصابين بحمى الضنك، وأخلت المستشفى لجرحاها، بحسب مصادر محلية.
ورغم هذا الوضع المأساوي والكارثي، قررت جماعة الحوثيين مؤخرا، فرض 4% ضريبة جديدة على العمليات الجراحية في المستشفيات الخاصة، وكأن هذه الأمراض والأوبئة لم تشف غليلها من اليمنيين.