25.7 C
الجمهورية اليمنية
10:51 مساءً - 30 أبريل, 2024
موقع اليمن الاتحادي
اقلام حرة

القدس وشرارة الأمل

*عز الدين سعيد الأصبحي :

عادت القضية الفلسطينية إلى محور الاهتمام الدولى واستطاع سكان حى الشيخ جراح فى القدس أن يذكِّروا العالم ثانية بالجرح الفلسطينى الذى لا يندمل إلا بعودة الحق.

وربما شاء القدر أن يعود حضور القضية إلى صدارة الاهتمام الدولى والتى لم تغب يوما، بهذا الزخم العالمى من هذا الحى المقدسى (الشيخ جراح) الذى يأتى على اسم الأمير حسام الدين الجراحي، (طبيب صلاح الدين الأيوبي). لنفيق من سبات التخاذل وأن تضبط بوصلة الأمور ثانية، ومبتدؤها فلسطين ومنتهاها كل القضايا الأخرى التى تبقى هامشا فى هذا المحيط العربي.
وأمام هذا الزخم علينا أن ندرك عاملين أساسيين، أولهما يجب ألا يُختطف لواء الحديث عن القضية العادلة من أهله ويذهب إلى عواصم شتى بعيدة عن الأمة العربية. ففلسطين قلب هذه الأمة ورافعة مشروع كرامتها ولايمكن القول إن القضية الفلسطينية ليست قضية العرب الأولى، فذلك قول مردود يطرح فى لحظات الإحباط العابرة وحالات التشظى التى نراها تعصف بكثير من أقطارنا العربية لكن الراسخ فى الوجدان الشعبى العربى أن فلسطين قضية العرب الأولى والقدس أولى القبلتين وأول وآخر جروح القلب العربى المدمى بحراب التقاسم والمطامع الدولية والإقليمية.
لهذا أن ينزلق بعضنا ويذهب به الظن إلى أن قلب عاصمة إقليمية خارج خريطة الوطن العربى ستكون أحن من أى منا بفلسطين، وأكثر صدقا بدعم قضيتنا الأولى فذلك وهمٌ مهما يكن المشهد العربى خرابا ومهما نزلق قلة منا مغردا خارج السرب.
وثانى الأمور ضرورة العودة إلى وحدة الصف الفلسطيني، فالبيت الفلسطينى لابد أن يعود بسقف واحد، وأن الاحتراب الداخلى أضر بالقضية مثل ضرر المحتل وأكثر. وكان أبرز إنجازات النضال الفلسطينى عندما استطاعت منظمة التحرير الفلسطينية أن تنتزع الاعتراف بأنها الممثل الشرعى الوحيد للشعب الفلسطينى وقضيته, ونتذكر كيف كان الانتصار لافتا عندما دخل الرئيس ياسر عرفات ذات يوم الأمم المتحدة معتمرا كوفيته الفلسطينية التى ستغدو رمزا للنضال الإنسانى فى كل مكان رافعا غصن الزيتون وواضعا اسم فلسطين فى المحفل الدولى وغدت معه أيضا (الأحرف الثلاثة م. ت . ف. ) اختصار منظمة التحرير الفلسطينية علامة مسجلة للقضية وتمثيلها الدولي. وهى لحظة فارقة فى مسيرة النضال يجب ألا تغيب بل يبنى عليها ومع ضرب هذا الإنجاز دخلت القضية منحدرات مؤلمة للغاية. وفى لحظة من انعدام الأمل باستعادة يقظة الشارع العربى وتوحيد الصف الشعبى فى كل فلسطين ومحيطها العربى برزت القدس مع ليالى رمضان الأخيرة لتقول إن رؤية هلال كرامة الأمة العربية ظهرت من القدس. وأن من أيقظ سبات الجموع نفر من شباب فلسطين تصدوا لآلة رابع ترسانة عسكرية فى العالم كما يقول جيش الاحتلال الإسرائيلى عن نفسه. ومع هذه الشرارة المشتعلة من حى الشيخ جراح كدنا نقول إن السهل كله قد يحترق بسببها. فقد ظهر التعاطف الدولى مع القضية العادلة بعد طول غياب وعادت للأمة العربية روحها التى قلنا إنها انسحقت بفعل حروب التشظى وسياسات زرع اليأس وفقدان الأمل، وأنه لا نملك كعرب من دعم للقضية غير مخزون من خطب الشجب وأغانى الزمن المفقود. ولكن ظهر بصيص أمل عربى صادق سينمو حتما وتلاحم الشارع الفلسطينى متجاوزا صراع الأجنحة حيث هب فلسطينيو الداخل ليعيدوا البوصلة إلى مسارها وشكلوا بنضالهم السلمى الجسور تحديا أكبر مما تخيلته إسرائيل وحلفاؤها وأعادوا لنا فى عواصم الصراع البعيدة بصيص أمل لتوحيد الجهود وإحياء الأمل. وكان أبرز ملامح صورة إحياء الأمل وانعاش الروح أن الأحداث جاءت فى الأسبوع الذى يحضر لأحداث 15 مايو 1948 ذكرى النكبة لنا وذكرى التأسيس للاحتلال الاسرائيلي. والمفارقة أنه تمر الآن ثلاث وسبعون سنة على هذا الحدث الفارق فى التاريخ ومعظم المراقبين يرون أنه بعد مرور ثلاثة أجيال كاملة. تكون رحلة النسيان ويترسخ الغياب. فلن تنتعش الذاكرة ثانية بتذكر الوطن السليب وأن الجيل الجديد قد نسى قضية الآباء ولن يجد الشباب الذى لم يكمل عمره العشرين عاما مخابئ مفاتيح دور أجدادهم الذين ماتوا وهم يعلقونها على رقابهم، بإيمان أنهم سيعودون حتما إلى تلك الديار ويفتحون أبوابها الخشبية المزركشة ويلجون إلى صحن الدار ويكملون سهرتهم ويجدون كل مشاتل الياسمين يانعة كما تركوها فى لحظة تهجيرهم قبل سبعين عاما.
هذا الملمح من قصة العيد الدامى فى القدس الذى يجب أن نستحضره ونعيد تصديره للعالم الآن و يجب أن نحافظ على إنعاش روح العدل فيه ولا نجعله ينزلق فى زاوية أن ما يجرى هو صراع بين جيشين متكافئين، وأن من حق إسرائيل رد الاعتداء فذلك منحدر خطير يجب ألا تجرنا إليه حملات إعلامية غير منضبطة.
إن الحقيقة هى ان اسرائيل آخر نظام فى العالم يمارس سياسة عنصرية ممنهجة وأن العالم يلتف معنا عندما ننجح فى عرض الحقيقة الواضحة وهى أن الممارسات الصهيونية هى قضية احتلال وقضية فصل عنصرى نجح العالم فى القضاء عليها بكل فخر فى كل مكان عدا فلسطين نعم انها قضية ( أبارتايد) وتهجير واستيطان. على العالم مواجهتها بحزم . يجب ألا تفلت هذه اللحظة منا والتى أشعلها(حى الشيخ جراح) ونعيد التضامن الدولى الذى نحتاجه والأمل فى إيقاظ الأمة من تشرذمها والأمل فى توحيد الصف الفلسطيني. وألا نقع فريسة للصراعات الصغيرة المنجرة لصراع المصالح والأطماع الإقليمية والدولية والانفعالات غير المدركة لخطورة التشرذم العربي. فقد ظهر الشارع العربى كله فى لحظة صدق يريد لشرارة القدس أن توقظ سراج الأمل فى السهل كله، ولابد لها أن تكتمل.

* سفير بلادنا لدى المغرب

مقال في صحيفة الاهرام المصرية

أخبار ذات صلة

جار التحميل....

يستخدم موقع اليمن الاتحادي ملفات Cookies لضمان حصولك على افضل تجربة موافقة إقرأ المزيد