عبد القادر الجنيد
سنحاول اليوم ترتيب مشهد المجتمع الدولي و “الخيوط” التي تحرك جريفثس من وراء الستار كما تُحرَّك دمية “الأراجوز” داخل صندوق مسرحي بواسطة لاعب مخفي خلف الستار.
**
أولا: مشاهد وأحداث
**
١- صاروخ إيراني الصنع يقصف مارب وبندقية قناص حوثي مُبرطم وسَيْكَل للسفراء
أطلق الحوثي صاروخا على جنود اللواء الرابع حرس رئاسي وقتلوا ١١٦ جنديا وهم يصلون المغرب في مارب، والصورة التي كانت تنافس هذا الحدث كانت من داخل مبنى رسمي في صنعاء لمحمد علي الحوثي وهو يعطي ظهره ومشغول باللعب ببندقية قناص حوثي أو عرض طريقة عملها لسفراء الإتحاد الأوروبي وفرنسا وهولندا.
وبعدها بصورة القيادي الحوثي وهو يركب سيكل (دراجة هوائية)، في حوش المبنى الكبير ثم ينطلق موليا ظهره للسفراء عبر البوابة إلى شوارع صنعاء كما يفعل رئيس وزراء هولندا في امستردام ورئيس جمهورية فرنسا عندما يزوره.
في الصورتين، كان القيادي الحوثي مُبَرطما وغير مكترث بالسفراء ولا يوجه نظره إليهم.
ما تسرب بعد أن رأينا صور محمد علي الحوثي وهو مبرطم ومدير لظهره للسفراء الأوروبيين، هو أن شروطه للبدء في مباحثات حول الحل النهائي السلمي لحرب اليمن، هي:
•فتح مطار صنعاء
•فتح ميناء الحديدة لاستقبال مساعدات إيران من النفط (بقيمة ٣٠ مليون دولار شهريا) وأي أشياء أخرى
•وقف التفتيش لأي شيئ يصلهم من الخارج وحتى من إيران ووقف الحصار
•وقف شامل لإطلاق النار
•أن تدفع حكومة الشرعية أو السعودية المرتبات الحكومية في المناطق التي تحت سيطرتهم
(( يعني الحوثيون، لن يتخلوا عن الحكم مهما كانت بنود إتفاق السلام الذي برأس وذهن الأوروبيين.))
((يعني الحوثيون، على يقين بأن الأوروبيين ليس بيدهم أي شيئ يقدمونه كإغراء للحوثي ولا قوة ضغط تجبره على البدء في مباحثات جريفثساوية مباشرة للحل النهائي مع الحكومة اليمنية التي لا تريد هذه المباحثات أصلاً ))
٢- جريفثس أيضا في صنعاء
وصل المفوض الأممي جريفثس إلى صنعاء في نفس الوقت، وهو يُكلم نفسه كالعادة بالرطانات والمفردات التي لا يكترث إليها أحد والتي قد غرسها في مخه المستشارون من المحللين الأجانب وزرعوها في حباله الصوتية ليرددها بوعي منه أو بدون انتباه، بمناسبة وغير مناسبة.
رطانات ومفردات جريفثس، التي يفتخر بها ويتسلبط عليها بأنها من إنجازاته:
•التهدئة
•بناء الثقة
•عدم التصعيد
•الحوثي لا يقصف السعودية بصواريخ إيران ولا بطياراتها المسيرة
•الحوثي لا يخترق حدود السعودية
•السعودية، لا تقصف الحوثيين بالطائرات
•تبادل الأسرى بين الحوثيين والسعوديين
•هناك إتفاق “سري” بين السعودية والحوثي بوقف اختراقهم للحدود مقابل وقف غارات الطيران
٣- صورة المقدشي وبيان الانسحاب التكتيكي من فرضة نِهْمْ.
وزير دفاع اليمن يترأس اجتماعا ويبدو عليه الحزن وهو مع كبار ضباطه والجنرال السعودي المزيني المقيم في مارب والمسؤول عنها، ثم يصدر عنهم بيان عن انسحاب تكتيكي.
٤- قناة الجزيرة وناشطون يعرفون ما لا نعرف.
مراسلو الجزيرة والكثير من الناشطين- الذين بقدرة قادر يعرفون أخبارا “صحيحة” بدون أي مصادر وبدون أي صور وبدون أي بيانات رسمية- ويغمروننا بسيل من الأنباء والأخبار عن انتصارات الحوثي.
يقولون أشياء لا نعرفها نحن ولا نعرف كيف عرفوها ولم يعلنها الحوثيون أنفسهم الذين لم يعلنوا حتى عن هجومهم في جبهة نِهْمْ.
٥- المحللون اليمنيون في قناة الجزيرة
المذيعة، تقاطع وتراجع المحلل اليمني بأنه من غير المعقول أن تكون السعودية وراء إطلاق الصاروخ على معسكر الحرس الرئاسي في مارب لأن هذا ليس في مصلحتها ولأن هذا خدمة لعدوها إيران.
فيجيبها المحلل اليمني بثبات وثقة:
“إذا كان هذا صحيحا، فلماذا لم تعترضها الدفاعات الجوية السعودية وتسقط الصواريخ؟”
المذيعة ذات هيبة وجمال هادئ وصوت رصين، صمتت.
والصمت، علامة الاقتناع.
وأغراني هدوءها ورصانتها وجمالها- حتى أنا- بالاقتناع.
اقتنعت المذيعة مع أن السعودية لا تستطيع أن تسقط كل الصواريخ الإيرانية التي يطلقها الحوثي على جيزان ونجران وفي العمق.
٦- ناشطو الشرعية
سنذكرهم هنا من باب إكمال الصورة فقط لا غير.
فقد انقسموا ما بين مؤكدٍ بحماس لانتصار الجيش الوطني وبين لاعنٍ وشاتمٍ لقناة الجزيرة ولكل من يشكك في انتصار الجيش الوطني.
وحتى كان هناك من يقول بأن الكذب لصالح الجيش الوطني “حلال” و “وطنية”.
معرفة “الحقيقة”، عن طريق أصحابنا ومسؤولينا، كانت مهمة صعبة لأسبوع كامل.
ويجب أن يعرف أصحابنا ثلاثة أشياء:
أ- أن •”الحقيقة” في الأنباء والأخبار والمعلومات مقدسة.
ب- أن •”التحليل”، هو اجتهاد والحكم عليه سيكون من قبل القارئ والناقدين الموضوعيين.
ج- أن •”الرأي”، هو حقك الشخصي ويجب أن ندافع حتى نحن عن حقك بالتعبير عن رأيك وحتى لو كان مخالفا لرأينا.
٧- بيتر سالزبري، يؤكد بأن الحوثي استولى على نِهْمْ
بيتر هذا حكايته حكاية.
عامل نفسه المرجعية الأولى عن اليمن بين الخواجات كلهم، والناشطون يطنطنون له ويمدحون.
بيتر سالزبري موجود الآن في نيويورك، كما استنتجت من صورة في الفيسبوك مع ناشطة يمنية، وكتب في مقالة بتاريخ ٢٤ يناير بأن الحوثي قد حقق اختراقات وأنه قد استولى على جبهة نِهْمْ، بحسب التقارير التي وصلته كأهم شخص ومحلل في “مجموعة الأزمات الدولية”.
انقبض صدري من يقين بيتر بأن الحوثي يحقق انتصارات، لأنه لا يمكن أن يجازف بسمعته بكتابة مثل هذه الأشياء.
أعطى لي حتى الانطباع بأنه يريد أن يحقق سبقا صحفيا، مخالفا لطبيعته الغريزية كراسم للخطط والتكتيكات لجريفثس والأوروبيين وللأمم المتحدة إذا أمكن.
لكن كيف عرف بيتر سالزبري وكتب بثقة- في هذا الوقت المبكر وقبلنا- بأن الحوثي قد انتصر في نِهْمْ؟
•هل هو يعرف وضع قوات الجيش الوطني أكثر مما نعرف؟
أكيد.
هو له تقرير طويل عن أعمال قادة الجيش التجارية وتصرفاتهم بالرسوم وفرض الإتاوات على النقاط في الطرقات والمعابر الحدودية وتهريب البضائع كتبه بعد مرور سنتين على الحرب – وأظنه في ٢٠١٦- ووصفهم بأنهم لوردات حرب وتجار حروب وبأن لهم مصلحة باستمرار الحرب إلى أجل غير مسمى.
وربما كان هذا أفضل كتابات بيتر سالزبري عن اليمن، حيث غلب عليها العمل الإستقصائي الصحفي، أكثر من الجانب التحليلي أو إبداء الآراء والتوصيات والنصائح لليمنيين التي هي هوايته المفضلة.
•هل هو على تواصل مع الحوثيين؟
أكيد.
مجموعة الأزمات الدولية وكل مجاميع برلين وألمانيا، ينظرون إلى الحوثي بعين طيبة وربما بشيئ من الاحترام مقارنة بالشرعية.
ذلك الاحترام والإعجاب الذي يكنه الأوروبيون ل “القوة” أو لكل من يناوئ السعودية.
•هل هو على تواصل مع الإتحاد الأوروبي؟
أكيد.
الإتحاد الأوروبي من ممولي مجموعة الأزمات الدولية، والمنظمات الألمانية الأخرى الناشطة بالشأن اليمني، وهم مشاركون معهم في ورش العمل والعصف الفكري والاستبيانات عن اليمن
•هل هو على تواصل مع جريفثس؟
أكيد.
بيتر سالزبري، يبدأ بابتكار “رطانات” و “مفردات” و “مصطلحات” وبعدها يقوم مارتين جريفثس بترديدها في إحاطاته الدورية لمجلس الأمن وتغريداته في التويتر ويرددها علينا طول الوقت حتى أننا أصبحنا نستطيع أن نقولها قبله وهو يرددها.
بيتر- هذا- سنفرد مشهدا لنصائحه لجريفثس وأوروبا والمنطقة وأمريكا في نهاية هذه المقالة.
وهو أيضا من مستشاري جريفثس.
وهو أيضا من محللي مركز دراسات تشاتهام هاوس، المزود الرسمي لوزارة الخارجية البريطانية بالأخبار والمعلومات والدراسات والاستشارات والنصائح وخطط العمل.
٧- “نفير” نائب الرئيس وحديث محافظ مارب
الجنرال علي محسن، غرد في التويتر ب “النفير” الذي طالب به القبائل لمواجهة الحوثي.
(يعني أن الجيش الذي يعده أقدم جنرال في اليمن لمدة خمس سنوات بحاجة للقبائل)
واللواء سلطان العرادة- محافظ مارب- الذي تكلم لقناة اليمن بأن اعتماده إنما هو على الله أولا ثم على “قومه” من أهل مارب.
(يعني أن سلطان العرادة، راكن على قومه من أهل مارب وليس على الجيش الوطني لحماية بلاده)
ربما نفير علي محسن وحديث سلطان العرادة، هما ما رَوَّعَني وأدخل إلى رَوْعي ما لم تدخله مئات الأخبار والمتابعات.
**
ثانيا: نصائح مجموعة الأزمات الدولية “البيترية السالزبيرية”، لجريفثس والإتحاد الأوروبي بناء على انتصار الحوثي
**
بعد تحليلات بيترية سالزبيرية
بثقة غريبة تكاد تصل إلى حد الغرور ، أصدر بيتر سالزبري أربع توصيات تكاد ترقى إلى مرتبة الأوامر:
١- يجب على مجلس الأمن أن:
يكرر دعوة جريفثس للتهدئة
يحث على هدنة في كل الجبهات
وحتى يحث على وقف إطلاق نار صارم في كل أنحاء اليمن
يؤكد بأن الحل الوحيد لحرب اليمن هو الحل السلمي
(( الخبير، راكن على أنه بريطاني، وبريطانيا هي كاتبة قرارات مجلس الأمن بالنسبة للشأن اليمني.))
٢- يجب على الولايات المتحدة على وجه الأخص أن تدفع السعودية والأمم المتحدة، والإتحاد الأوروبي وعُمان بأن يضغطوا كلهم على الحوثي للاستمرار في المباحثات للمحافظة على الهدنة مع السعودية بالنسبة للاختراقات الحدودية والإتفاق على إجراءات تهدئة أخرى.
وعلى صعيدٍ مُوازٍ، يجب على أمريكا أن تشجع السعودية على القيام بالضغط على الحكومة اليمنية وحلفاءها على البدء بالمفاوضات المباشرة مع الحوثي.
((الخبير، هنا، يعتقد ويمكن حتى متأكد أن كل هم السعودية هو إنقاذ نفسها من اختراقات الحوثي لأراضيها وهجماته على جنودها عبر الحدود.))
((والخبير هنا، يجرد الحكومة اليمنية من شرطها بأنها لن تنتقل إلى الخطوة الثانية إلا بعد تنفيذ بنود إتفاقية ستوكهولم.
مع العلم بأن إتفاقية ستوكهولم أصلا تم إجبار الحكومة على الموافقة عليها بعد استغلالهم لمقتل خاشوقي للضغط على السعودية لتقوم بالضغط على الحكومة اليمنية للقبول بها.
يعني الخبير، عرف الطريق))
٣- يجب على الأمم المتحدة إنشاء مجلس عسكري وطني، يتكون من
كبار ضباط الحكومة
كبار ضباط الحركة الحوثية،
كبار ضباط الجبهات الرئيسية الذين لا تصنيف لهم مثل القائد طارق صالح المناوئ للحوثي على ساحل البحر الأحمر وفي نفس الوقت لا يعترف بشرعية الحكومة اليمنية
كبار ضباط السعودية
مسؤولون وضباط إتصال سياسيون، يقدمون الاقتراحات لقادتهم مباشرة.
وكل كبار الضباط هؤلاء، يعملون تحت إشراف الأمم المتحدة
وكلهم يعملون بموجب نصائح خبراء دوليون في إجراءات الهُدن ووضع خطط وقف إطلاق النار.
هذا المجلس العسكري، سيتواجد في كل الجبهات ويشرف على وقف إطلاق النار وفتح الطرقات.
((هكذا
هكذا الشطحات وإلا بلاش.
وعلى فكرة كل أفكار جريفثس عن دور المرأة في إحلال السلام وورش العمل الغريبة والمؤتمرات الأغرب هي من بنات أفكار مثل هذه الشطحات، وكلها لم يكن من الممكن أن تُقام لولا الميزانيات الهائلة التي تهدرها الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي.))
(( وطبعا، أنا تدهشني ماكينة ذهن بيتر سالزبري التي لا تتوقف عن إنتاج المقترحات الجديدة والتي حتى تتناقض مع بعضها والتي تتقنفز بين الراديكالية والبراجماتية.
أذكر بأن الأخ محافظ تعز شوقي أحمد هائل سعيد في ٢٠١٣ كان قد قال لي بأنه وبخ خبير إسمه بيتر سالزبري في ندوة كان قد دُعي ليكون أحد مسيريها وميسريها في مركز تشاتهام في لندن لأنه كان يحرض بعض شباب مشاركين على إتخاذ مواقف بها شيئ من الفوضوية.
وكانت هذه أول مرة أسمع بإسم هذا “الخبير”.
واليوم أصبح سالزبري من الذين يضعون الخطط البراجماتية التي تصب في مصلحة الحركة الحوثية، تحت إسم الأزمة “الإنسانية” و “السلام” و “إنهاء الحروب”.))
٤- يجب توفير الدعم والتنسيق الدولي والإقليمي لهذه المبادرة.
كانت مجموعة الأزمات الدولية (هذا يعني بيتر سالزبري شخصيا) قد تبنت سابقا إنشاء مجموعة إتصال من المعنيين الرئيسيين في المنطقة وفي المجتمع الدولي ويكون من ضمن أعضاءها السعودية والإمارات والكويت وعُمان بالإضافة لأمريكا وبريطانيا والإتحاد الأوروبي
ويجب على هذه الدول أن تجتمع بانتظام وتوزع الأدوار بينها للإقناع والضغط وتقديم التقنيات والخبرات الفنية بحسب ما يمليه عليهم كلهم المفوض الأممي جريفثس.
**
ثالثا: همسة في أذن السفراء وجريفثس و “الخبير” في الأزمات
**
ولا شيئ من محاولاتكم سينجح.
١- الحوثي، يشعر بأنه قوي ومتأكد بأنه سينتصر ويعتقد بأن كل ما يحتاجه هو الوقت، وهو مستمر بل مستمتع بالانتظار وتمضية الوقت على الحالة الراهنة مهما طالت.
٢- الحوثي، لا يمكن أن يتخلى عن القوة والسلاح والميليشيا وحكم اليمن والسيطرة والنفوذ والموارد بحل سلمي
٣- الحوثي، لا يمكن أن يتخلى عن علاقته بإيران وحزب الله وبقية الشِلَّة.
٤- الحوثي، ينظر إليكم على أنكم حاجة “لُقْطَة” وثمينة فأنتم تنظرون إليه بعين الرضى، ومنبهرون بقوته وغباره وترابه، وعندكم شيئ من التلذذ لأنه قادر على إيذاء السعودية وجرح كبرياءها.
وأنتم قد رفعتموه من مجرم ميليشياوي عليه عقوبات من مجلس الأمن إلى طرف نزاع في اليمن.
ومساعداتكم مع تلك التي من الأمم المتحدة تضخ الدم في مجهوده الحربي تحت ستار المساعدات الإنسانية المخصصة للشعب اليمني.