لطفي نعمان :
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن مآلات الحرب في اليمن الجارية من سبع سنين، وقفزت التحليلات بقرب سقوط مدينة مأرب التي تشهد هجوماً شرساً منذ مطلع العام، حتى الآن، وأطلت التمنيات بعدم سقوطها بيد جماعة أنصار الله (الحوثيين)، فيما يسقط الجنود والأفراد من عسكريين وقبائل على جانبي الشرعية والحوثية.
بعض العالم يتابع مشدود الأعصاب ما وقع فيه اليمنيون والإقليم من أمرٍ مَريجْ.. بينما بعض العالم يبدو مسترخي الأعصاب مطمئناً إلى استحالة النصر عسكرياً، وفق المعطيات المشهودة على ساحات الفناء الإنساني، وبرغم الخرائط المنشورة بصفحات الفضاء الافتراضي.
يميل بعض المطمئنين -ظاهرياً- إلى القول بأنه: ما عاد التقدم العسكري معيار نصر وربح.. ولا حتى التقهقر السياسي معيار هزيمة وخسارة.. ليس لأننا نعيش زمناً اختلت فيه المعايير واختلفت بل لأن متغيرات المناورات السياسية ومتطلبات الكر والفر العسكرية مستمرة غير مستقرة فتتبدل معها كل التقديرات الناجمة عن المشاهد والفعاليات المؤقتة.
هناك أمران أساسيان مترابطان يقودان إلى الخسائر والهزائم الماحقة: الغرور وتجاوز الواقع.
فمن امتلأ بغرور القوة هزم نفسه وانتحر. ومن تجاوز الواقع خسر نفسه واندثر.
ماذا يقود إلى النصر إذاً؟ أيضاً أمران أساسيان مترابطان يقودان إلى الانتصارات والأرباح الساحقة: الثقة المعتدلة بالنفس، والإقرار الواعي بالواقع.
ثقة ذاتية تمنح الثقة في الآخر. ففاقد “الثقة في نفسه” لا يعطيها “للآخر”.
عدم تجاوز الواقع أو عدم القفز على الواقع، يروده حرص على تحقيق السلام وسعي جاد إليه، وبحث عن المشتركات بين اليمنيين، ومراعاة كل العناصر على أرض الواقع، والاستعانة بكل الأدوات الممكنة لتحقيق السلام الذي يخرج بملايين الشعب اليمني الصامتين الصابرين من طور بؤس وشقاء وعذاب الحرب.
إن ملايين الشعب اليمني الصامت والصابر رهنوا بصبرهم وصمتهم أنفسهم بيدي “أقليات” يمنية تتنزه بالسلاح، وجعلت السلام يقضي إجازةً مهددة بالامتداد.. وعوضاً عن جعل السلاح حامياً للسلام، هددوا به فرص تحقيق النصر الحقيقي: إعادة السلام.
ماذا يريد ملايين اليمنيين؟ السواد الأغلب من اليمنيين لا يريد حرباً لكنه، بغير خوف، لا ينطق سلاماً.
لماذا؟ لأسباب كثيرة منها أن الخطاب المشترك لغلمان الكراهية والذباب الإلكتروني الذي يحط بغضاً ويفيض حقداً ويكشف جهلاً ويشيع مظاهر التخلف، بمقابل ما تشيعه سلوكيات الموهومين بقوتهم، كل هذا خَرَقَ رقعة العيش المشترك. ممن “يحسبون أنهم يحسنون صُنعاً” ويحرزون انتصاراً.. دميماً.
الكلمات والسلوكيات و”قصف الجبهات” المتبادلة بين اليمنيين، تبدد كافة فرص التقارب، والسبب جهل حقيقة أن التمادي في هكذا “لعبة” تحِلُ “لعنةً” جديدة على اللاعبين والمتضررين من لعبتهم.. ولعنتهم. لكن دعونا نقول لهذه الأقليات اليمنية المتصارعة:
“إذا كنتم تمتلكون قوة تسعير نار العداوة والتنافر فإنكم تملكون قدرة إيقاد نور التآخي والتعايش في وطن واحد، فلِمَ لا تثبتون رغبتكم فيها، علكم تنتصرون جميعاً.
إذا كنتم عازمين على إحراق الأرض، ففيكم أيضاً قوة إعمارها، فعمروها واغمروها خيراً ما استطعتم إليه سبيلاً. بدلاً من أن تقيموا مأتماً وعويلاً. ولا تنتظروا من الخارج مُسكِناً مؤقتاً، أو مُسكِتاً طويلاً.
ليست يد الشرق وألسن نيرانه، ولا دعوات الغرب وكرات ثلوجه، ما ينهي حربكم ومأساة شعوبكم.
لن يدفع الخارج عنكم في الداخل ضراً مكتوباً عليكم بأيديكم. ولن يجلب نفعاً ممنوعاً عنكم بأحقادكم.
كما لن يكون الخارج يمنياً أكثر منكم.
وإن شكوتم من بعض التدخل الخارجي وأردتم وقفه، فتوقفوا عن “التدخل” و”الترهل” و”التطفل” الداخلي على حق كل مواطن يمني في العيش الطبيعي وإفساد الحياة برمتها.
توقفوا ليتوقفوا.. قِفوا ليقفوا.. كُفوا ليكُفوا. اطلبوا الممكن بفعل الممكن. وابدأوا بمراجعة أنفسكم ومطالبكم:
كيف نطلب تنفيذ اتفاق مشترك ونحن ننقضه!
كيف نخاطب إنسانية العالم، ونحن نفتقر إلى إنسانيتنا!
كيف ندعو بقية الخلق إلى صنع المستحيل ونحن نخنق الممكن!
كيف نريد فتح المطارات والموانئ، ونحن نقطع طرقاتنا، ونوصد مداخل مدننا!
كيف نطالب الشعب والجنود بالهَبات والهِبات ونحن لا نهبهم أبسط حقوقهم!
كيف نستجدي العالم أن ييسروا سبل الحياة، ونحن نَجِدُّ باجتراح المشاق والصعاب لبقية الأحياء اليمنيين!
هل هكذا سينتصر أحد؟
.. هل ينتصر من يتخلى عن مسئولياته وواجباته. هل ينتصر من لا يلتزم بالدستور والقانون، وليس يحترمهما فقط ثم ينتهكهما بغير احترام!
هل ينتصر غير من يتلمس سبل الوصول إلى السلام.. وهل ينتصر من يُعطِل السير إليه بوهم القوة وغرورها المُسقِط حق البقاء لكل موهوم بالقوة.
وهمُ القوةِ وغرورها يُسقِط كل الحقوق والحدود وحظوظ الوجود، بينما العقل إن وُجِد يمنح كل الناس كل الحقوق والحدود ويمنع كل تعدٍ على الوجود”.
حقاً.. إن السلام طريق النصر لو أنهم يعقلون، وسينتصر في الحرب من يبادر فعلاً إلى صنع وبناء السلام لليمن ولكل اليمنيين.