*د/ محمد جميح:
تم مؤخراً تسجيل البن الخولاني على القائمة التمثيلية للتراث العالمي بملف تقدمت به المملكة العربية السعودية، كما تم تسجيل الخنجر العماني ضمن القائمة بملف تقدمت به سلطنة عمان.
أحس الكثير من القطاعات الشعبية والثقافية في اليمن بالغبن، نظراً لأن اليمن مرتبط تاريخياً بالبن والخنجر، فيما حاول البعض إخراج الأمر عن سياقه الثقافي إلى سياقات سياسية.
وهنا بعض الإيضاحات التي لا شك أنها لم تكن حاضرة لدى الكثير من الأصدقاء الذين تناولوا الموضوع بحس وطني وحسرة صادقة على تراثنا المهمل، وقد كنت أود الكتابة في حينها لولا أن صفحتي تعرضت للحظر لمدة شهر، قبل أن يرفع خلال الأيام الماضية.
أولاً: قبل الخوض في هذا الموضوع أريد أن أذكر أن لليمن ثلاثة مواقع للتراث الثقافي المادي مسجلة على قائمة اليونسكو وهي: صنعاء القديمة وزبيد وشبام حضرموت، بالإضافة إلى موقع واحد للتراث الطبيعي وهو أرخبيل سقطرى.
بالنسبة للتراث غير المادي لدى اليمن عنصر واحد هو فن الغناء الصنعاني، ولا يزال ملف الدان الحضرمي طور الإعداد، غير أن لا يزال يحتاج إلى عمل كثير للاستجابة لملاحظات اليونسكو المرسلة إلى بعثتنا.
وبالإضافة إلى المفات الوطنية فإن اليمن مشارك في عدد من الملفات العربية المشتركة المسجلة على قائمة اليونسكو للتراث غير المادي، وهذه الملفات هي:
-ملف: النخلة العادات والتقاليد والممارسات.
-ملف: الخط العربي.
وهناك ملفات أخرى يشترك فيها اليمن وما زال العمل جارياً على إعدادها، وهي:
-ملف النقش على المعادن المقرر تقديمه السنة القادمة ٢٠٢٣
-ملف العمارة الطينية الذي يعد للعام ٢٠٢٤.
-ملف النقش بالحنا المقرر للعام ٢٠٢٥
ثانياً: تسجيل أي عنصر ثقافي (مادي أو غير مادي) لا يتم بسهولة وقد يستغرق الأمر سنوات، كما أنه يحتاج عملاً ميدانياً واسعاً وتمويلاً لإعداد الملف، ولا يتم الأمر بمجرد رسالة ترسل من سفير البلد لدى اليونسكو وحسب، وفي بلدان أخرى توجد هيئات مستقلة بموازنات كبيرة، توكل لها عملية إعداد الملفات التي تتطلب الكثير من المال.
ثالثاً: أي عنصر ثقافي عربي يسجل على قائمة اليونسكو للتراث العالمي هو مكسب للثقافة العربية.
رابعاً: تسجيل أي عنصر كالبن الخولاني مثلاً لا يعني حسب لوائح اليونسكو أن هذا العنصر ملك حصري للدولة التي قامت بتسجيله، أو أنها قامت بالاستحواذ عليه، قدر ما يعني أن هذا العنصر موجود على أرضها ومن حقها أن تتقدم لتسجيله، ومن حق أي دولة أخرى أن تشترك معها في هذا العنصر أو الملف.
خامساً: بالنسبة للبن الخولاني فهو ذلك النوع الموجود في المناطق الحدودية بين اليمن والسعودية، وهو المنسوب إلى مناطق قبائل خولان بن عامر (لا خولان الطيال) المنتشرة في تلك المناطق الحدودية، وبالتالي فمن حق السعودية – حسب اليونسكو – أن ترفع الملف لأنه ملف سعودي، مثلما أنه ملف يمني كذلك.
سادساً: الجانب السعودي خاطب بالفعل الجانب اليمني في وزارة الثقافة لتقديم ملف مشترك حول البن الخولاني، غير أن عدداً من الأسباب حالت دون ذلك في مقدمتها أن تسجيل الملفات يحتاج نزولاً ميدانياً لفريق عمل يعد قوائم حصر ويجمع المادة الثقافية من القائمين على زراعة البن والجهات المختصة، وهذا الفريق يعمل على تسجيل العنصر ضمن قوائم الحصر الوطنية، ومن ثم يرفع لبعثة اليمن في اليونسكو لرفعه بدورها للمنظمة الدولية ومتابعته إلى أن يتم تسجيله، ضمن التراث الثقافي غير المادي.
هذا العمل تقوم به الحكومة ثم ترفعه لبعثتها لدى اليونسكو، وهو ما لم يتم رغم محاولات البعثة الحث على ذلك، والسبب أنه لم ترصد موازنة لإعداد الملف وإرسال الفريق الميداني، وهناك سبب آخر مهم، وهو أنه في فترة إعداد ملف البن الخولاني لم تكن الظروف الأمنية مواتية لإرسال فريق ميداني إلى محافظة صعدة، بسبب الحرب، كما أن بعثة اليمن لدى اليونسكو كانت حينها منشغلة بإعداد ملف “المعالم الأثرية لمملكة سبأ في مأرب” والذي تم تقديمه لليونسكو وبانتظار اعتماده إن شاء الله، علماً بأن ملف مأرب يصنف ضمن التراث الثقافي المادي، وهو يعد أثقل عبئاً وتكلفة من ملف البن الخولاني، وقد تم العمل على ملف مأرب دون أن تصرف الحكومة دولاراً واحداً عليه، وكل ما كان من دعم للملف كان إسهام السلطة المحلية في مأرب مشكورة بجزء من ميزانية الملف، حيث اشتغل فريق ملف مأرب في ظل شحة الإمكانات وتطوع البعض وتعاون بعض الخبراء الدوليين في ذلك.
سابعاً: أؤكد هنا على أن اليونسكو تقرر أنه من حق اليمن المشاركة في ملف البن الخولاني وأنه لا يعترض على ذلك أحد لا في اليونسكو ولا ضمن الدول الأعضاء سواء في المجموعة العربية أو خارجها.
وهنا يمكن إذا قامت الحكومة ممثلة بوزارة الثقافة بإرسال الفريق الميداني ورصد ميزانية للملف فسنتمكن من تسجيله وطلب الانضمام العام المقبل إن شاء الله، علماً بأن تسجيل البن الخولاني من طرف السعودية سيساعد كثيراً على انضمام اليمن إليه بما أنه أصبح عنصراً على القائمة وهذا سيسهل عملية الانضمام.
ثامناً: هناك من يطرح أن تقوم الوزارة بإعداد ملف للانضمام لعنصر البن الخولاني، وهناك رأي آخر يرى أن يقدم اليمن ملفاً عن البن اليمني بشكل عام يشمل البن الخولاني والأنواع الأخرى الشهيرة للبن اليمني، وأي الأمرين تم فهو خير.
تاسعاً: أغلب ما ذكر عن ملف البن الخولاني يمكن أن يقال عن الخنجر العماني، مع فارق أن عمان تقدمت بملف يخص الخنجر العماني الذي ينتمي للحقول الثقافية ذاتها التي ينتمي إليها الخنجر اليمني، مع وجود فوارق بين الخنجرين في الشكل وطريق الصناعة والمحتوى الثقافي إلى حد ما، الأمر الذي يجعل تقديم اليمن ملفاً عن الخنجر اليمني ربما كان أنسب من تقديم ملف مشترك مع الأشقاء في عمان، نظراً لوجود خصوصية لكلٍ من الخنجرين، وستقبل اليونسكو بتقديم ملف عن الخنجر اليمني، وكل ذلك متوقف على قدرة الحكومة على إعداد هذا الملف.
عاشراً: بعثة اليمن لدى اليونسكو في باريس تدعم أي توجه أو تحرك أو ضغط لتسجيل المزيد من عناصر التراث الثقافي اليمني على قوائم اليونسكو للتراث الثقافي، علماً بأنه في ظل عدم قدرة المؤسسات الحكومية – في ظل الظروف الحالية – على القيام بمثل هذه المهمة بشكل كامل فإنه يمكن لرأس المال الوطني وللمنظمات غير الحكومية أن تسهم بالتنسيق مع الجانب الرسمي، حيث يظل تقديم الملف لليونسكو من مهمة السلطة الرسمية للبلد، لكن ذلك لا يمنع قيام أية جهة مجتمعية بتولي إعداد الملفات أو الإسهام في ذلك، بالتنسيق مع الجانب الرسمي، ثم رفعها لبعثة اليمن في اليونسكو لتقديمها بشكل رسمي ومن ثم متابعة تسجيلها.
أخيراً: أريد أن أشير إلى أن اليونسكو لا علاقة لها بإعداد الملفات، ولا يحق لها ذلك، تلك عملية تقوم بها وتتحمل تكلفتها المادية الدول الأعضاء التي ترفع الملفات للمنظمة التي تقرر اعتماد الملف أو طلب تعديلات أو رفضه، وقد رحب مسؤولو اليونسكو بإعداد اليمن ملفات منفصلة أو الانضمام إلى ملفات عربية مشتركة، وسنحاول قدر المستطاع التنسيق في هذا الخصوص.
*سفير اليمن لدى منظمة اليونسكو