عشرة أعوام من الظلام.. كانت كافية لتمزق اليمن وتبعثر أحلام أبنائه في كل اتجاه.
بلاد النور والحضارة أصبحت ميداناً للفوضى والدمار، تحولت القرى والمدن إلى أطلال، وامتلأت الطرقات بحكايات الرحيل القسري والمعاناة التي لا تنتهي.
نزح الملايين من ديارهم مكرهين، تاركين خلفهم بيوتاً كانت تملؤها الحياة والأمل، ولكنها تحولت بفعل المليشيات إلى ذكريات مؤلمة وركام يروي قصة وطن جريح.
في كل زاوية من هذا الوطن، هناك مأساة تُنسج، تُغزل خيوطها من دموع الأمهات وآهات الأطفال، وأصوات الأبرياء الباحثين عن مأوى ينقذ أحلامهم المبعثرة، وسط صمت العالم وأعين المنظمات الاممية المغمضة عن معاناتهم.
عشرة أعوام عاش فيها اليمنيون أكبر نكبة في حياتهم إثر انقلاب الحوثيين على مؤسسات الدولة، وارتكابهم أبشع الجرائم والانتهاكات بحق الشعب، ما أدى إلى تدمير البنية التحتية، وتعطيل الخدمات الأساسية، وتشريد الملايين من منازلهم.
عقد من الانتهاكات
خلال العشر سنوات الماضية، تسببت انتهاكات الحوثيين في اليمن في مقتل وإصابة أكثر من 400,000 شخصا.
كما تم توثيق 22,555 حالة ادعاء بانتهاكات حقوق الإنسان، وتم التحقيق في 13,026 حالة منها، وهناك حوالي 20 مليون شخص تضرروا بشكل عام من النزاع، منهم 5 ملايين شخص على حافة المجاعة.
وبلغ عدد النازحين داخليا حوالي 4.56 مليون شخص ويشكل النساء والأطفال 80% منهم . وحوالي 32,000 مهاجر تقطعت بهم السبل ويواجهون مخاطر الاستغلال وسوء المعاملة.
-كما قامت مليشيا الحوثي بزراعة أكثر من مليونين و300 ألف لغم في مختلف المناطق، خلال الفترة من 2014 إلى 2022.
كما تسببت الألغام في تضرر 4743 منشأة خاصة و456 منشأة عامة.
– قامت الجماعة بتفجير 713 منزلًا بشكل كلي حتى ديسمبر 2023، وجندت نحو 30 ألف طفل منذ عام 2014.
بين تقرير اخير صادر عن منظمة سام للحقوق والحريات بعنوان ” عقد من الانهيار” أن جماعة الحوثي اعتقلت تعسفًا أكثر من 18 ألف مدنياً وأخفت العديد من الضحايا في سجون غير رسمية لا تخضع لإشراف القضاء، والتي يواجه فيها المعتقلون ظروفًا قاسية، بما فيها التعذيب المفضي إلى الموت، موضحة أن أكثر من 17 ألف حالة تعذيب بحق المعتقلين في سجون الحوثي تم رصدها وتوثيقها بواسطة المنظمات الحقوقية.
وأشار التقرير إلى جماعة الحوثي ارتكبت أكثر من 21500 حالة انتهاك ضد المرأة خلال الفترة سبتمبر 2015، وحتى أكتوبر 2022، بما فيها الاعتقال والاحتجاز التعسفي والنهب والاعتداء الجنسي والضرب والتعذيب، ناهيك عن فرض قيود تمييزية استهدفت النساء
كما تسببت مليشيا الحوثي في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حيث أصبح أكثر من نصف سكان البلاد بحاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية، وقرابة 17.8 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات صحية، نصفهم أطفال.
وانكمش النشاط الاقتصادي بحوالي 50% من الناتج المحلي،
وبلغت الخسارة الاقتصادية بين 170 و200 مليار دولار، وتسببت الحرب في تعطيل التجارة وتدمير المنشآت الحيوية، مثل الموانئ والمطارات، ولم تكتف مليشيا الحوثي بذلك بل فرضت جبايات ورسوم باهضة على التجار والمواطنين، بما فيها: إتاوات المولد النبوي، ورفع الضرائب بنسبة تقدر بـ 500%، على قطاعات العقارات والزراعة والبضائع المحلية والمستوردة، لتبلغ إيرادات خزانة الحوثي خلال 2022 – 2023 فقط، من قطاعات الضرائب والجمارك والزكاة والأوقاف والنفط والغاز، ما يقارب 8.7 مليار دولار.
قامت المليشيا أيضا بتسييس القضاء واستغلاله في إصدار أكثر من 550 حكمًا بالإعدام ضد المعارضين، استنادًا إلى تهم ملفقة، تم ارتكاب ما يقارب ألف انتهاك موثق بحق الحريات للإعلامية، بالإضافة إلى توقف قرابة 163 صحيفة ومجلة وإذاعة، وحجب أكثر من 200 موقع إخباري محلي وخارجي عن المتابعين في اليمن، واعتقال عشرات الصحفيين الذين حاولوا تغطية الوضع، فضلًا عن تعرض الناشطين الحقوقيين للتهديدات والمضايقات.
على مدى عشر سنوات مضت، عانى اليمن من ويلات الحرب والنزاع، مما حول حياة الملايين من أبنائه إلى كابوس مستمر من التشرد والحرمان. مع كل عام يمر، تتفاقم مأساة الشعب اليمني، حيث أصبح النزوح والتهجير وجهين مألوفين لحياتهم اليومية. آلاف البيوت تحولت إلى أنقاض بسبب التفجيرات والقصف العشوائي، والملايين أجبروا على ترك ديارهم بحثًا عن ملاذ آمن. الأطفال، الذين من المفترض أن يحلموا بمستقبل أفضل، باتوا يواجهون كابوس الألغام والدمار، بينما يعاني الآباء والأمهات من ألم الفقدان والتشرد.
تأتي نكبة 21 سبتمبر كصفحة قاتمة في تاريخ اليمن الحديث،
تحكي قصة معاناة شعب بأكمله، يحاول النجاة وسط عالم مليء بالفوضى والعنف، باحثاً عن بصيص أمل ينهي سنوات طويلة من الألم والمعاناة.
تلك النكبة جسدت تحولاً مؤلماً في مسار البلد وأحلام شعبه. ما بين صراعات دامية وتمزق في النسيج الاجتماعي، دفعت اليمن ثمناً باهظاً من دماء أبنائها ومواردها.
ويبقى الأمل معقوداً على أن تستعيد البلاد عافيتها، وتتجاوز هذا الجرح العميق، لتعود اليمن أرضاً للسلام والتعايش، كما كانت على مر العصور.
مسؤولية النهوض تقع على عاتق الجميع، لبناء مستقبل يليق بتضحيات الشعب وصبره، وحلم أجياله بغدٍ أكثر إشراقاً واستقراراً.