*د/ حسن مدن:
** كان نائب مدير المراسم في وزارة الخارجية الصينية، يقف أسفل الطائرة التي توقفت للتو في مطار بكين، لاستقبال سفير جديد سيصبح ممثلاً لبلاده في الصين. حين هبط السفير من الطائرة تقدّم نحوه المسؤول الصيني رفقة مترجمة صينية إلى العربية، «تتكلم العربية بلسان عربي واضح مبين، ولكن بلهجة مصرية جميلة ومحببة إلى النفس». قدّمت المترجمة نفسها إلى السفير الجديد قائلة: «السيدة أنيسة». لفت اسم المرأة انتباه السفير، وحين سألها عن ذلك، أجابت أنه ليس اسمها الحقيقي، ولكنها اختارته لأنه ضروري للتعرف إليها من قبل الضيوف العرب، لأنه سيتعذر عليهم نطق اسمها بالصيني.
السفير هو الدكتور حسين الصباغ، الذي مثّل بلاده البحرين سفيراً في عدة دول بينها لبنان وإيران وتونس والصين، كما أنه رأس البعثة الدبلوماسية البحرينية في هيئة الأمم المتحدة لعدة سنوات، وجمع الصباغ بين الأدب والدبلوماسية، فاسمه برز في الصحافة البحرينية منذ أواخر ستينات ومطالع سبعينات القرن الماضي ككاتب في الأدب والنقد، قبل أن يأخذه العمل الدبلوماسي طويلاً، وحين تقاعد شرع في كتابة مذكراته عن عمله كسفير في عدة دول، بينها الصين التي مكث فيها ثماني سنوات متواصلة، حتى أن زملاءه من السفراء العرب غبطوه على طول المدة التي قضاها سفيراً للبحرين هناك، وعن تلك السنوات كتب كتابه «يوميات سفير بحريني في الصين»، وفيه وردت حكاية «السيدة أنيسة»، الصينية التي أتقنت العربية، بلكنة مصرية محببة كما قال.
من بين كتب الصباغ المتعددة كتاب آخر عنوانه: «أسفار وأخبار»، وهو الآخر، عن بعض ذكرياته كدبلوماسي، وحوى مقالاً عن اهتمام الصينيين بتعلم اللغة العربية، وبين ما أشار إليه، حول ذلك، لقاء جمعه بدبلوماسي صيني، هو السيد خواليمنغ، السفير السابق لبلاده في إيران والإمارات، معيّة شاب يافع هو ابن الأخير، الذي أصبح كوالده يعمل في وزارة الخارجية، وتعلم مثل والده اللغة العربية، وحين أهدى الصباغ الأب أحد كتبه، أحاله بدوره إلى ابنه وهو يقول للصباغ: «إنه متمكن من العربية أفضل مني». وفي مداخلة له، مؤخراً، ذكر الصباغ أن خمسة سفراء صينيين تعاقبوا على البحرين جميعهم يتقنون اللغة العربية، وتمنى لو أن العرب حذوا حذو الصينيين، وحرصوا على تعليم اللغة الصينية لمن يرغب من الشباب.
الإنصاف يقتضي التذكير بأننا تعرفنا في الأعوام القليلة الماضية إلى ترجمات من اللغة الصينية مباشرة إلى اللغة العربية، لنماذج منتقاة من الأدب الصيني، على يد مترجمين ومترجمات من أبناء الجيل الجديد، الذين درسوا اللغة الصينية وتخصصوا في آدابها، كأنهم يقولون: وداعاً لترجمات الأدب الصيني، بينهم الشابتان المصريتان يارا المصري ومي عاشور، خريجتا كليات الألسن في مصر.
* كاتب ومفكر بحريني
** نقلاً عن موقع الخليج