38.5 C
الجمهورية اليمنية
2:34 مساءً - 22 مايو, 2025
موقع اليمن الاتحادي
Image default
اقلام حرة

ياسين البكالي .. حين يسير الشاعر إلى الموت بأجنحة الحروف

بشرى العامري:

سأموتُ بعدَ قليلِ

فانتظروا

لكيْ أبكِي عليّا

وقِفوا جِواري هادئِينَ

دعوا الحروفَ تُحيطُ بي

ولسوفَ آخذُها إلى ربّي

أقولُ لهُ : إلهي

العفوَ هذا ما لديّا

بهذه الكلمات التي تشبه الهمس الأخير، ودّعنا الشاعر والفيلسوف ياسين محمد البكالي الباحث والمربي، الإنسان الذي عاش الكلمة ومات بها.

 لم يكن ياسين شاعراً عادياً، بل كان تجربةً كاملة، مدرسة فكرية وأدبية وإنسانية قلّما تتكرر.

 رحل بهدوء صباح الخميس الماضي تاركاً إرثاً من الشعر والمعرفة والإبداع.

وُلد البكالي في العام 1980 بقرية الدرجة، عزلة بكال، مديرية مزهر، محافظة ريمة.

ونشأ في أسرة قال عنها إنها أرستقراطية تلاشت مع الزمن في ظل الظروف السيئة التي تمر بها البلاد، ليجد نفسه في مواجهة الحياة دون امتيازات، محمولاً فقط على كتفيه وقلمه وإيمانه. حصل على بكالوريوس في التربية، قسم الفلسفة وعلم الاجتماع من جامعة صنعاء عام 1999، ثم عمل موجّهاً تربوياً في سلك التربية بمحافظة صنعاء، لكنه ظل طوال حياته معلماً حقيقياً في محراب الكلمة، ومربياً للأجيال بفكرٍ حُرّ وشعرٍ نقيّ.

بدأ رحلته الشعرية في عام 2000، ونشرت أولى قصائده عام 2001 بعنوان “مايو وشجون الحب”، التي قال في مطلعها:

مايو أيا صحوة الأمجادِ في ذاتي

ويا نسيماً تلقّتْهُ عِباراتي

قلْ لليمانين إنّ الشمس ما غرُبتْ

إلا وأشرق مايو في مساءاتي

قل لليمانين إن الحرب ما ابتدأتْ

إلا وكبَّرَ مايو فوق موجاتي

عُرف البكالي بحبه للعزلة، لا كانسحابٍ من العالم، بل كهجرة إلى أعماق ذاته، حيث ولِد إبداعه الحقيقي.

خمسة أعوام أمضاها في عُزلة اضطرارية بسبب إصابته بمرض السكري، لكنها كانت كافية ليُنتج خلالها ديوان شعر ورواية.

كانت تلك السنوات بمثابة إعادة تشكّلٍ داخلي، خرج منها عام 2008 أكثر نضجاً وتوقداً، ليبدأ رحلته الأدبية العلنية، وينشر دواوينه تباعاً.

ورغم عودة المرض إليه في 2018 بخطأ طبي أثّر على بصره، سافر إلى القاهرة للعلاج، وعاد منها لا مستسلماً، بل حاملاً ثلاثة دواوين شعرية وقصة جديدة. هذا هو البكالي كما عرفه الجميع: من طينة الكبار الذين يُحوّلون الألم إلى إبداع، والعزلة إلى مناجاةٍ خالدة.

أصدر خلال مسيرته الغنية ما يزيد عن أحد عشر ديواناً شعرياً، منها:

همسات البزوغ، أحزان موسمية على الضفة الغربية، مناسك غربة لم تكتمل بعد، أشرعة تصلي في حضرة البحر، النزوح الأبيض إلى حروف لا تعرف الجهات، رمق آيل للحياة، أحد ما يشتكي الآن منك، قبل أن يُطفئ الماء قنديله، مخافة أن…

ليس في باله أن يعود.

وله تحت الطبع: رواية وردة النار، ومجموعة شعرية بعنوان عُمرة وسرب قصائد.

نال خلال مسيرته الأدبية العديد من الجوائز والتكريمات منها جائزة رئيس الجمهورية للشباب في الشعر بمحافظة ريمة في العام (2008) وجائزة أفضل شاعر وأفضل إلقاء من جامعة صنعاء في العامين (2008 و2011)

وحاز المرتبة الثانية في جائزة السنوسي الشعرية بالمملكة العربية السعودية من بين 90 شاعراً عربياً (2016)، ونال درع شاعر الإنسانية من جامعة الرازي (2018 وفاز بالجائزة الأولى في مسابقة “أقلام حول المرأة” على مستوى الوطن العربي في العام (2021).

 وكتب أوبريت الحوار الوطني، وشارك في عشرات الفعاليات الثقافية داخل اليمن وخارجها، وكتب في الصحف اليمنية والعربية، وكان عضواً فاعلاً في عدد من الكيانات الثقافية أبرزها اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ومؤسسة إبداع للثقافة والآداب، وترأس منتدى شعراء ريمة.

ترك البكالي سيرة لا تروى فقط، بل تُدرّس، فقد استطاع تحويل لحظات القهر إلى انتصارات إبداعية، وصاغ من تجاربه فلسفة حياة تتكئ على الصبر، وتتوضأ بالشعر، وتعلّم الآخرين أن الكلمة النقية لا تموت.

وداعاً ياسين البكالي

كنت حكيماً في محراب الكلمة، وصوفياً في معبد الصبر، ومعلماً للحياة كما يجب أن تُعاش، بشجاعة، وهدوء، وكرامة.

أخبار ذات صلة

جار التحميل....

يستخدم موقع اليمن الاتحادي ملفات Cookies لضمان حصولك على افضل تجربة موافقة إقرأ المزيد