مصطفى ناجي الجبزي:
ليس في اليمن صحافة استقصاء وتحقيقات. هذه بديهة حالية مثلها مثل ان نقول ان اكثر من نصف السكان لا يحصلون على مياه صالحة للشرب.
كان محمد العبسي هو اخر وربما اول وآخر صحفي استقصائي، لذا تعرض للغدر ومات في ظروف غامضة مسموما على الأرجح بينما كان يعد ملفا حول تلاعب الانقلابيين بثروة الوقود وحصار الناس عمدا وابتلاع مليارات الريالات.
ثمة كتبة مجالس قات ودواوين يتجندون بحسب الرياح في الغالب وقد تعرض ضميرهم للعطب.
وهناك نشطاء في الحقوق والسياسة وهذا مصدر رزقهم وهم مقيدون ومكبلون قبل ان يكونوا متحيزين في الأساس نتيجة للدواوين والغرفة الضيقة والعرق “الطاهر”.
الكثير من هوءلاء تباكوا على مقتل الصحفي محمد العبسي وميعوا قضيته وتاهت في الدهاليز وتلاعبوا في هذا الملف.
هذه صفة الخراب الكبير ومعمل الكذب والتدليس في اليمن، ولكن كيف انعكس الامر في الوضع في تعز، على سبيل المثال لا الحصر؟.
تتعرض المدينة لحرب منذ ثلاث سنوات، وهي محاطة بحشود عسكرية تتمركز على التلال الجبلية المحيطة بالمدينة.
وعموما المدينة طبوغرافيا تشبه جدار داخلي لمعدة خروف، فيها نتوءات وفضلات كثيرة.
تشكلت مقاومة عفوية لا تمتلك سلاحا ولا مالا وتمتلك حسا عاليا في رفض الغطرسة الحوثية اولا ونهج صالح الاستعلائي على هذه المحافظة وبقية بقاع اليمن.
تشكلت مربعات اشتباك ومواجهة في الأحياء وكانت المعارك تدار من دار لدار، وتمكنت المقاومة من تحرير نواة أولية داخل المدينة وبدعم واسناد من طيران التحالف تراجعت القوات من داخل المدينة نحو الشرق والغرب.
قبل هذه الأحداث التي اندلعت منذ ٢٠١٥ كانت تعز تتعرض لقصف الدبابات والمدفعية عقب ثورة ٢٠١١ ولم يكن اي طرف عسكري يملك قوة نارية للقصف غير الحرس الجمهوري.
الان المعارك مستمرة والمقاومة والجيش يتمركزان في نقاط معينة بالمقابل يتمركز الحوثيوين وقوات صالح في نقاط معينة.
نخن نشاهد يوميا خارطة للمعارك في سوريا او في العراق، خرائط تفصيلية جدا حول تمركز المتقاتلين في الموصل وتل عفر ودرعا وقبلها عين العرب، أظنكم شاهدتم على شاشات التلفزة او على المواقع الإليكترونية وفِي الصحف خريطة لمدينة الموصل قبل ان يقتحمها الجيش العراقي وكيف كانت الاحياء مشطورة النفوذ كقطع شطرنج.
منذ ثلاث سنوات لم نر خارطة واحدة واضحة. ولم يكلف اي صحفي يمني او غير يمني إعداد خارطة واحدة لمناطق السيطرة في تعز، وهذا يساعد في تزييف الحقائق والحديث المغالط بلا ضمير انه من الصعب تحديد الجهة مرتكبة القصف.
على الرغم من ان سكان المدينة يعرفون جيدا نقاط التماس، ويعرف العسكريون فارق التسليح في المدينة بين المتقاتلين نوعية السلاح المستخدمة والجهة التي جاء منها كما يعرفون كفوفهم.
الى اللحظة وحدهم الانقلابيون يملكون عربات كاتيوشا وهي سبيلهم في قصف الأحياء عشوائيا وكذلك مدافع متمركزة في نقاط حساسة جعلت المدينة هدفا سهلا ووضعوا عليها أفراد بلا ضمير ولا رحمة يَرَوْن الناس في المدينة منافقين وخونة ومرتزقة ودواعش دمهم مباح.
لم تنشر اي منظمة اممية او من وكلائها المحليين من المنظمات خارطة واضحة واستمر موظفوها في الحديث عن مصادر مجهولة للنيران وأعفوا ضميرهم خصوا اليمينيون منهم من قول الحقيقة وشجعوا القاتل.
بل ذهبوا الى وضع الدولة والعصابة الانقلابية في مستوى قانوني واحد، واعتبروهم أطراف نزاع وكأنهما الاثنان اغتصبا أرضا جديدة وذهبا يقتتلان عليها ونسوا ان الحوثي اعتدى على الدولة واغتصبها.
في معارك المدن يمكن ان يخطئ الشخص العادي في تحديد مسؤولية قناص، لكن ان تخطيء وتكذب اهلك في مصدر قذيفة دبابة فهذه لم تحدث عند الأسوياء.
الحقيقة ان المدينة لم تنجح بعد في دحر قتلة متوحشون لا يراعون الإخوة والعيش المشتركة في هذه البلاد.
انقسمت المدينة على نفسها في مشاريع ضيقة ومحدودية دعم وعناية من الحكومة، وقبل هذا فشل التحالف في تحقيق اول أهداف تدخله وهي حماية الشعب اليمني، وترك الناس في تعز فريسة لمجرمين ادعياء الوطنية والجمهورية وعنصريين اماميين.
لكن الخذلان الاخر يأتي من النشطاء والصحفيين وكتاب الاّراء الزائفة، وايا يكن شكل الخذلان فان الناس في المدينة يعرفون قاتلهم جيدا وهم مصدر تحديد القاتل لا كتابات وأقوال الزيف ومعطوبي الضمير.
ستنتصر المدينة على هذا الطاعون فهي تملك قدرة كامنة على النهوض من جراحاتها وانكساراتها بمشاريع وآفاق كبيرة لا يعرفها سدنة صالح والحوثي التعزييون، والخزي والعار للكاذبين.