د عبده سعيد المغلس :
من جرائم مآسي ازدواج المعايير الإنسانية وصمت المجتمع الدولي، مأساة اليمن بسبب حرب الانقلاب الحوثي على شرعية الدولة ومشروعها، حيث نجد العالم يحتفل باليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، بينما المجتمع اليمني بكل اطيافه يعاني ويلات حرب الإمامة الحوثية ومآسيها، والتي تستهدف القضاء على مشروع العدالة الاجتماعية، متمثلا بشرعية فخامة الرئيس هادي ومشروعه الاتحادي، الهادف لبناء وطن ودولة العدالة الاجتماعية لكل أبناء الشعب اليمني بمختلف اطيافه وطوائفه.
وقبل توضيح جريمة الإمامة، لنعرف مفهوم “العدالة الاجتماعية” الذي هو تعبيرعن مصطلح جديد صاغه الحراك الاجتماعي في الغرب وصراعاته بين رعاة ودعاة ” الفوارق الطبقيَّة ” و”المجتمع” وهو عبارة عن (منظومة فكرية، ومنهج أخلاقي، وأحكام تشريعية، تضمن للناس المساواة أمام القانون ونيل جميع الحقوق، لمعالجة قضايا عديدة مثل الفقر والاستبعاد(التهميش) والمساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات، والبطالة وحقوق الإنسان والحماية الاجتماعية” وبدأ هذا الحراك بالغرب في أواخر القرن العشرين، أما اليوم العالمي للعدالة الاجتماعي فهو يوم الاحتفاء بيوم المساواة والعدالة الاجتماعية، ففي 26 نوفمبر 2007، أعلنت الجمعية العامة أنه اعتبارا من الدورة الثالثة والستين للجمعية العامة، تقرر إعلان الاحتفال سنويا بيوم 20 فبراير بوصفه اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، واعتمدت منظمة العمل الدولية بالإجماع إعلان منظمة العمل الدولية بشأن العدالة الاجتماعية من أجل عولمة عادلة في 10 حزيران/ يونيو 2008م .
الإمامة مشروع سلالي يهدف الهيمنة على السلطة والثروة لاستعباد الناس (الرق) واستبعادهم (التهميش)، معتمداً على أكذوبة عنصرية الجنس والتفضيل والأحقية في الهيمنة على السلطة والثروة والناس، زيفاً بوصية واختيار وتفضيل من الله، كونهم أبناء محمد رسول الرحمة الخاتم للإنسانية، وهذا الادعاء الكاذب يدحضه ويُكذبه وحي كتاب الله، الذي ينفي نفياً قاطعاً وجازماً كل الدعاوي الكاذبة للإمامة، كما ينفي بأن محمد أبا لأي أحد من رجال المؤمنين، فهم أبناء علي رضي الله عنهم جميعاً، وليسوا أبنائه، وكل الآيات التي أَوَّلُوها لدعم زيف الإمامة واعتبارها أصلا من أصول الدين، أخرجوها من سياقها ومعانيها الواضحة الدلالة، كما أن منهج وتشريعات الرسالة الخاتم الذي أكتمل به دين الله الإسلام – بملله المختلفة اليهودية والمسيحية والمؤمنين- منهجا يرفع عن الإنسان إصره والأغلال التي كانت عليه، مانعا ومحرماً ممارستها، ومعلنا اكتمال وتمام رسالات وملل دين الله الإسلام، ولهذا كان رسوله الخاتم أول المسلمين بالدين الكامل التام، والذي استهدف صالح الإنسان وإنسانيته، وخيره وكرامته وسعادته في الدنيا والأخرة، فعملت تشريعاته الحدودية -لا الحدية- وقيمه الإنسانية وشعائره التعبدية، على تكريم الإنسان كونه خليفة الله في الأرض، وأن مهمته في العبادية والإستخلاف والتعارف والشهادة، تقوم على القيم الإنسانية وتراكمها عبر رسالات الملل المختلفة لدين الإسلام، وعلى رأس هذه القيم حرية الإنسان وكرامته، فأتت تشريعاته وقيمه بمنهج يعيد للإنسان حريته وكرامته، وترجم ذلك عملياً بالأخوة الإنسانية بين البشر، والإيمانية بين المؤمنين، كونهم ينتمون لنفس واحدة، فألغى تسمية قبائل وبطون قريش بتسمية جديدة هي “المهاجرين” والغى تسمية قبائل الأوس والخزرج بتسمية جديدة هي “الأنصار” وما اختلاف الألسن والألوان سوى آية من آيات خلقه تؤكد هذا المنهج.
والتكريم في ميزان الله يقوم على التقوى وعمل الصالحات، لا على الجنس واللون والمعتقد، وبنى نبي الله محمد (ص) دولة المدينة التي تعتبر أول دولة مدنية تقوم على مبدأ المواطنة لا المعتقد ولا العصبية وينظمها ميثاق المدينة، وهي بذلك سابقة جميع المفاهيم والتشريعات المعاصرة بنحو 1400 سنه، وجففت الرسالة الخاتم الاستعباد (الرق) بتجفيف منابعه، فقضت على رق وعبودية الحروب “أسرى الحرب” فتم منع استعبادهم بتشريع “المن” بإطلاقهم سراحهم، وتشريع “الفدا” بدفع فدية مقابل الإفراج عنهم، وتعامل وحي الله مع عبودية الجنس والعمل المنزلي وغيره من الأعمال بمنهج صارم ومبدع لتجفيف جذوره، بتشريع جديد في رسالة الإسلام والفكر الإنساني هو تشريع “ملك اليمين” الذي يعني علاقة تعاقدية بين أحرار، سواء للجنس بالزواج بعقد من ملك اليمين، أو بعلاقة تعاقدية في العمل مع ملك اليمين العامل، هذا التشريع الذي لم يستطع استيعابه العقل الذكوري للآبائية فاعتبره تشريع اباحة للرق والجنس، وهو تشريع رحماني للقضاء على هذه الظاهرة، وكل عامل اليوم يعمل مع أي جهة وفق عقد بمقابل، هو ملك يمين الجهة التي يعمل لها.
كما منع وحي القرآن ثقافة الاستبعاد(التهميش) حينما أتى تشريع الوحي قرآنا يتلى، بتزويج زينب بنت جحش القرشية الهاشمية إبنة عمة رسول الله، بمولى من الموالي، زيد ابن حارثة، محطما كل دعاوى الفوارق الطبقيَّة الموروثة قبل الإسلام، والعنصرية التي يحاول المشروع الإمامي الحوثي إعادة فرضه على الشعب اليمني، هذه التشريعات والقيم الإنسانية وصلت إليها الإنسانية اليوم بعد 14 قرنا من الرسالة الخاتم ووحيها القرآن الذي تم هجره، فبينما يحتفل العالم اليوم ومعه الإنسانية بتحقيق قيم مجتمعية تحقق “العدالة الاجتماعية” التي وصلتها الفطرة الإنسانية وفق سنة التطور، ها هي الإمامة بزيف وأكاذيب الفقه المغلوط وميليشياتها الإرهابية تمارس إرهابها وحربها، ضد المجتمع اليمني لتبقيه في مجتمع العبودية والاستبعاد والتهميش، لتمنع تحقيق قيم العدالة الإنسانية والمجتمعية في اليمن.
وهذه هي إشكاليتنا مع بعض النخب السياسية والمجتمعية في الغرب بعدم إدراكهم بأن الإمامة هي صورة طبق الأصل لكل المشاريع المتخلفة، التي حاربتهم لتمنع تطورهم نحو الكمال الإنساني وعدالته المجتمعية وحاربوها ليصلوا لما وصلوا له، فاليمنيون يخوضون نفس المعركة التي سبق أن خاضوها ليصلوا للعدالة الاجتماعية، التي حصلوا عليها عبر معارك طاحنة مع المشاريع المماثلة للإمامة، لقد توقفت مسيرة التطور في اليمن وغابت العدالة والمواطنة بسبب كهنوت الإمامة وعنصريتها، ويخوض اليمنيون اليوم حرب الحرية والعدالة واستعادة الدولة بقيادة شرعيتهم وتحالف دعمها، لنحتفل العام القادم في اليمن إن شاء الله مع الإنسانية، بقيم العدالة الإنسانية التي حملها وحي الإسلام لرسوله الخاتم ليبلغها رحمة للعالمين.