22.7 C
الجمهورية اليمنية
1:04 مساءً - 23 نوفمبر, 2024
موقع اليمن الاتحادي
Image default
اقلام حرة

ملكة سبأ بين الجدل التاريخي والتدوين الأسطوري.. دراسة تحليلية في ضوء النص القرآني (الحلقة الرابعة عشرة)

توفيق السامعي :

تابع الروية والرصانة لملكة سبأ

ومن خلال تدوينات وإشارات القرآن الكريم لمعظم قصص الحضارات السابقة والممالك العظيمة لم يذكر قصصاً مدوية ومفصلة لكل الحضارات والممالك كتلك القصص البارزة لبعضها، ويبدو أنها أهم الممالك عبر التاريخ وهي: عاد إرم التي تكررت كثيراً في القرآن الكريم، وثمود، ومملكة بابل (النمرود)، ومملكة الفراعنة، ومملكة سبأ.

صحيح أن هناك حضارات وممالك يمنية كانت قبل تلك المملكة لكن لم يرد لذكر قصص أخرى مدوية إلا إشارات عابرة في بعض المواضع. بل إن أعمدة سبأ تلك نذهب للاستنتاج من خلالها أنها إرم ذات العماد ذاتها، وأن السبئيين ربما ورثوا تلك المملكة، خاصة وأنه لا توجد أية أعمدة ومسلات في الجزيرة العربية كلها غير أعمدة سبأ في مارب، مع وجود إشارة قرآنية أخرى لعاد أولى، مما يعني بالضرورة وجود عاد أخرى كقوله تعالى: ﴿وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى﴾( )، أو ربما كانت الآية ترتب الأحداث كأن يقال أولاً وثانياً…إلخ، وسيظل هذا الأمر مبهماً ومفتوحاً على كثير من الاحتمالات والتأويلات حتى يتم الكشف عن دلائل مادية ونقوش جديدة تؤكد أو تزيل كل تلك التخمينات، إلا أن تكون تلك الإشارة بمعنى الأولى في تراتبية الإهلاك في سياق النص القرآني.

يذكر الأستاذ أدولف جرومان أن الحسن الهمداني في كتابه “الإكليل”، في الجزء الثامن منه، وصف تلك العروش بأنها قائمة إلى عهده، مما يعني أن دمارها وخرابها كان في العصور اللاحقة بعده، وهو من فعل الأئمة الذين ناصبوا العداء الشديد لكل تاريخ وحضارة اليمن.

حيث يشتمل كتاب الإكليل للهمداني “على كثير من المعلومات الهامة التي لا يمكن الاستغناء عنها، وذلك لأن كثيراً من المباني التي تعرض لها كانت ما زالت قائمة حتى وقت تأليف كتابه.

فمعابد وقصور السبئيين والمعينيين كانت قائمة في ذلك العصر شاهدة على عظمة الماضي وقوة سلطان وجبروت إله بلاد العرب السعيدة.

وكانت هذه الآثار للشعراء والعلماء آية العظمة ورمز الحضارة البائدة التي كانوا يفخرون بالإشادة بها”( ).

وفي محافظة الجوف توجد أعمدة لمعبد قريب الشكل من معبد برآن في مارب، ويسمى “بنات عاد”، فهل هذه التسمية متأخرة أم متداولة ومتوارثة بالتواتر عبر الأجيال حتى وصلت إلينا؟!

فإن كانت متوترة جيلاً بعد جيل، كما هي قصة تواتر قصة نعيم/ة العريقية عبر الأجيال، فإنه قد تكون مدن مارب والجوف من مدن عاد وميراث ملكها.

لو عرفنا نتيجة متى طمست هذه الآثار والأعمدة لربما دلتنا على خيوط موصلة لزمنها ومنشئها واسم مملكتها الحقيقية، خاصة وأن التصحر وردم المدن بالرمال هي شبيهة بالعقوبة الإلهية التي أنزلها الله على قوم عاد، كما قال تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ}( )؛ أي: طمست بالرمال، وهذا لا يتعارض مع ما ذكره الهمداني بأن قصور مارب حتى عهده كانت ما تزال موجودة، وقد يعني بعضها وليس كلها.

غالباً تتكون الصحاري الرملية في مناطق وأراضٍ مفتوحة للغاية في أراضٍ منبسطة كما هي صحراء الربع الخالي، أو صحراء حضرموت وشبوة، أو صحراء الدواسر، أو صحراء عمان، أو الصحراء الكبرى في الجزائر أو ليبيا وغيرها، لكن أن تكون هناك صحراء رملية كثيفة وفي مناطق جبلية بين جبالها كما هو حال صحراء لحج القريبة من أبين فهو شيء عجيب، خاصة تلك التي بالقرب من العند.

ذات رحلة زمنية من عام 1997م، بعد عام فقط من رحلة علمية استكشافية كنت فيها ضمن بعثة طلاب قسم الآثار لجامعة صنعاء عام 1996، والتي ترأسها حينذاك الدكتور عبدالغني علي سعيد الشرعبي، لموقع آثاري تم العثور عليه في صحراء “صبر” بين لحج وعدن والكشف عن نقش هناك، ذهبت إلى تلك المناطق واعتليت أحد جبالها القريبة لأنظر في فضاءات تلك الصحراء، فوجدتها أنها مغلقة بين جبال، فدارت أسئلة كثيرة في ذهني عن سبب وجود وتكوين تلك الصحراء ذات الكثافة الرملية وسط تلك الجبال، خاصة وتحتها أرض زراعية خصبة متصلة بها كوادي الحسيني الخصيب، وما اتصل به من أراضٍ زراعية خصبة مجاورة.

وبالنظر إلى تلك التربة من حيث ترى بالعين المجردة في أطراف الصحراء الرملية وأشجار النخيل الباسقة فيها، فإن أول ما تبادر إلى ذهني أنها تتبع مملكة “عاد إرم” التي امتدت مملكتها في كل تلك الأراضي، وأن عدن، عند بعض المؤرخين والإخباريين كانت أهم مدنها التي وصفت بالجنة التي أنشأها شداد بن عاد إرم، وأن تلك الرمال كانت ضمن العقوبة المرسلة من الله لتدمير المملكة عبر الرياح والطمس، كما جاء في القرآن الكريم: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ}الأحقاف 24، 25، وكأن تلك الجغرافيا مطابقة لما ورد في الآيتين من سورة الأحقاف.

تعلمنا صغاراً، في مناهجنا الابتدائية، أن لحجاً كانت عاصمة مملكة أوسان التي لا يعرف عنها من معلومات إلا القليل، بينما علمنا كباراً أن عاصمتها كانت “تمنع” في شبوة، وما زال هذا الأمر يثير كثيراً من التساؤلات، ويثير بعض الجدالات في الآراء كيف تكون “تَمْنُع” عاصمتين لدولتين متعاصرتين هما قتبان وأوسان؟!

أخبار ذات صلة

جار التحميل....

يستخدم موقع اليمن الاتحادي ملفات Cookies لضمان حصولك على افضل تجربة موافقة إقرأ المزيد