35.8 C
الجمهورية اليمنية
2:25 مساءً - 27 سبتمبر, 2024
موقع اليمن الاتحادي
Image default
- أهم الأخبارحوارات

اليمن والصين .. شراكة تاريخية راسخة وتعاون يتجدد عبر الأجيال

كتب/ بشرى العامري:

تمر هذه الأيام الذكرى الثامنة والستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين واليمن، وهي علاقة تميزت على مدار العقود بالعمق والتعاون المتبادل في مختلف المجالات، مما جعلها واحدة من أبرز العلاقات الثنائية في المنطقة.

فالحضارة اليمنية الصينية ترتبط بعلاقات قديمة جداً تعود إلى آلاف السنين، ومثلت اليمن بموقعها الجغرافي الهام على طريق الحرير، جسراً تجارياً رئيسياً بين الشرق والغرب.

وازدهرت قديماً التجارة البحرية بين البلدين عبر موانئ اليمن الشهيرة مثل ميناء الحديدة وعدن، حيث كانت القوافل تحمل البخور، واللبان، والمنتجات اليمنية إلى الصين، بينما جلبت السفن الصينية الحرير، والتوابل، والبضائع الفاخرة.

” شراكة تجارية تمتد لعقود رغم التحديات”

هذه العلاقات التجارية التاريخية الضاربة في الازل رسخت التواصل الثقافي والمعرفي بين الحضارتين، مما أسس قاعدة قوية للعلاقات التي استمرت حتى اليوم.

وتتميز العلاقات اليمنية الصينية برسوخها العميق الذي يتجاوز العمل السياسي أو الدبلوماسي التقليدي، فهي ليست علاقات عابرة أو مؤقتة.

فرغم البعد الجغرافي بين البلدين، إلا أن هذه العلاقة بُنيت على أساس احترام السيادة والتفاهم المتبادل، مما أرسى دعائم قوية للتعاون المشترك على مر السنين.

ويُعد الحضور الصيني في ذاكرة المجتمع اليمني إيجابياً للغاية، حيث دخل الصينيون اليمن من باب تعزيز التعاون المشترك، تاركين أثراً طيباً يعكس احترامهم للسيادة اليمنية وتقديرهم للعلاقات الحضارية.

وتعتبر الصين شريكاً تجارياً أساسياً لليمن منذ عقود، حيث ساهمت بكين خلال العقود الستة الماضية بشكل كبير في تطوير البنية التحتية في اليمن من خلال مشاريع تنموية مختلفة.

وتعد الصين أحد أكبر مستوردي المنتجات اليمنية، مثل النفط وبعض المنتجات الزراعية، في حين تستورد اليمن العديد من المنتجات الصينية التي تلبي احتياجات السوق المحلية، وخلال السنوات الماضية، عززت الصين من استثماراتها في اليمن، رغم التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجه البلاد.

“شراكة إنسانية راسخة ودعم متواصل في الأوقات الحرجة”

عند ذكر الصين، يستحضر اليمنيون صورة شعب صديق ودولة داعمة، ليس فقط على مستوى العلاقات السياسية والدبلوماسية في المحافل الدولية، بل أيضاً على الصعيد المجتمعي والإنساني.

فالصينيون لم يكونوا مجرد شركاء تجاريين أو سياسيين فقط، بل كانوا أيضاً مساهمين فاعلين في مجالات حيوية هامة مثل الصحة، الطرق، والتعليم وخاصة التعليم الفني.

ويكنُّ اليمنيون امتنناً كبيراً للشعب الصيني نظراً للمساعدات التي قدمها في فترات حرجة من تاريخ اليمن، حيث كانت البلاد في أمس الحاجة إلى تلك المشاريع الصينية، مثل الطرق الرئيسية التي ربطت بين مختلف مناطق اليمن، أبرزها الطريق الرابط بين ميناء الحديدة وصنعاء، والذي مثّل نموذجاً رائعاً للتعاون الناجح.

 ورغم التضاريس الصعبة والظروف القاسية التي جُبلت بها اليمن الا أن الصينيون استطاعوا بصبرهم وإصرارهم التغلب على تلك التحديات، ليحولوا الأراضي الوعرة إلى طرق معبدة تسهم في تسهيل حركة التنقل وتوفير شريان حياة اقتصادي لليمن.

هذه الطرق لم تكن مجرد مشاريع بنية تحتية، بل كانت تمثل شريان حياة من خلاله تدفقت بكل سهولة ويسر حركة البضائع التجارية بين مختلف المدن وكانت منفذاً لليمنيين نحو مينائهم الذي نقلهم إلى العالم الواسع.

تلك المساهمات تجاوزت مجرد الطرق البرية الصعبة إلى نافذة للضوء أطل منها الكثير من اليمنيين نحو عالم جديد مختلف ومتطور.

” أيادٍ بيضاء تنقذ حياة أجيال متعاقبة”

في مجال الصحة، لا تزال الذاكرة اليمنية تحمل الامتنان للبعثات الطبية الصينية التي قدمت خدماتها في وقت كانت البلاد تعاني من نقص حاد في البنية التحتية الصحية.

وفي كل مرةٍ مر فيها الجيل السابق من اليمنيين بلحظه ألمٍ لجأ الى طبيب صيني ليجد لديه الشفاء والعون الطبي المجاني، وحتى في قلب المدن اليمنية الكبيرة كتعز وصنعاء ما يزال اليمنيون يتذكرون جيداً مقرات البعثات الصينية الطبية وبناء المستشفيات الكبيرة التي ما زالت حاضرة حتى اليوم تقدم خدماتها بشكل مستمر ليرتبط اسم القطاع الصحي في اليمن بالصين.

وعملت الفرق الطبية الصينية في ظروف صعبة، وقدمت العلاج المجاني لليمنيين في المناطق الريفية والنائية، ولم يكن أمام اليمني القادم من القرى البعيدة من فرصة لمواجهة بلد تعرض بسبب الحكم الإمامي الكهنوتي والصراعات الداخلية المتعددة وانتشار الكثير من الامراض من فرصة للنجاة إلا عبر تلك المبادرات الصادقة من البعثات الصينية الطبية التي عملت مع اليمنيين في خندق من النضال من اجل التنمية الصحية

وكان للأطباء الصينيين دوراً محورياً في مكافحة الأمراض والأوبئة التي اجتاحت البلاد، حيث عملوا جنباً إلى جنب مع الكوادر اليمنية في مواجهة هذه التحديات الصحية.

وتعتبر الصحة من المجالات التي أولتها الصين اهتماماً كبيراً في دعم اليمن منذ ستينيات القرن الماضي وحتى اليوم، فأرسلت الصين فرقاً طبية إلى اليمن للمساهمة في تحسين النظام الصحي، وتقديم الرعاية الطبية في المناطق الريفية والنائية، كما قدمت الصين مساعدات طبية وأدوية خلال الأزمات الإنسانية والكوارث الطبيعية التي واجهتها اليمن خلال العقود الماضية.

وفي ظل التحديات الصحية الأخيرة التي يشهدها اليمن نتيجة النزاعات والأوبئة، برزت الصين كداعم قوي من خلال توفير معدات طبية وإرسال فرق طبية متخصصة لتقديم الرعاية الصحية والمساهمة في بناء قدرات القطاع الصحي اليمني.

” دعم التعليم نحو افق يجسد آمال المستقبل”

يشكل الجانب التعليمي أحد الجوانب المضيئة في العلاقات الثنائية بين البلدين، فقد أرسلت الصين العديد من المنح الدراسية للطلاب اليمنيين للدراسة في الجامعات الصينية، مما أتاح لهم الفرصة لتلقي تعليم عالي الجودة في مختلف المجالات مثل الطب والهندسة والاقتصاد.

هذه المبادرات لم تسهم فقط في بناء كوادر يمنية مؤهلة، بل ساعدت أيضاً في نقل المعرفة والتكنولوجيا إلى اليمن، كما أن العديد من الجامعات والمؤسسات التعليمية الصينية تعمل تدعم اليمن وابنائها من خلال برامج التبادل الأكاديمي والبحث العلمي، مما يعزز من التواصل الثقافي والفكري بين البلدين.

أما في مجال التعليم الفني، فقد أسهمت الصين بشكل كبير في إنشاء مراكز التأهيل المهني التي زودت اليمن بكوادر مؤهلة في مختلف المجالات الفنية.

وكان التعليم الفني ولازال يمثل حاجة ملحة للاقتصاد اليمني، وكانت المعاهد الصينية نموذجاً في توفير التدريب المهني والصناعي، مما جعلها بصمة صينية مميزة في مسار التعليم اليمني، وواحدة من أهم جسور العلاقات المتميزة بين البلدين الصديقين وصارت كلمة التكوين الفني والمهني في اليمن هي بصمة صينية بامتياز.

” صداقة راسخة ..وعلاقة تاريخية متجددة”

 

لا يمكن إغفال دور الصين في دعم الرياضة اليمنية، حيث كان للتعاون بين البلدين أثر كبير في تعزيز قدرات الرياضيين اليمنيين. وساهمت الصين في تأهيل اللاعبين في ألعاب القوى وتنس الطاولة وغيرها، مما ساعد اليمن على تحقيق مراكز متقدمة في البطولات العربية والإقليمية.

وفي الذاكرة اليمنية، يرتبط ذكر الصين دائماً بشعور إيجابي. فالصينيون في نظر اليمنيين هم أطباء، مهندسون، ومعلمون، وقبل كل ذلك، هم أصدقاء، حيث عُرف عن البعثات الصينية في اليمن والتي كانت تتحدث العربية بأنهم ينادون كل شخص يمني يلتقون به بالصديق

لا يزال اليمنيون حتى اليوم، عند لقاء صيني في الشارع، يبادرونه بالسلام والترحيب بقول “أهلاً صديقنا”، وهو انعكاس للعلاقات العميقة والمتجددة بين الشعبين.

وعلى مدار ثمانية وستين عاماً من العلاقات الدبلوماسية، أثبتت الصين واليمن أن تعاونهما يتجاوز العلاقات الدبلوماسية التقليدية ليشمل مجموعة واسعة من المجالات الحيوية التي تخدم مصالح الشعبين. إن استمرار هذا التعاون يؤكد على عمق العلاقات الثنائية وقدرتهما على مواجهة التحديات وتحقيق التنمية المشتركة.

إن هذه العلاقات التي تتسم بالاحترام والتعاون الصادق هي ما جعل الصداقة بين اليمن والصين عنواناً دائماً لعلاقة تاريخية متينة ومتجددة.

أخبار ذات صلة

جار التحميل....

يستخدم موقع اليمن الاتحادي ملفات Cookies لضمان حصولك على افضل تجربة موافقة إقرأ المزيد