26.1 C
الجمهورية اليمنية
4:13 صباحًا - 26 أبريل, 2024
موقع اليمن الاتحادي
اقلام حرة

قناة عدن (الإرث الغني والآمال المستقبلية) 

طارق نجيب باشا:  

في الحادي عشر من سبتمبر من العام 1964، كانت البداية لتلفزيون عدن أول قناة تلفزيونية تبث في شبة الجزيرة العربية وإحدى أولى القنوات التلفزية الرائدة في الشرق الأوسط، 54 عاماً عاصرت بها القناة الأحداث المحورية التي صنعت تاريخ اليمن الحديث إبتداء بالإنطلاقة المتزامة مع بدء الكفاح المسلح ضد الإستعمار البريطاني مروراً بإعلان الإستقلال ثم مراحل تشكل هوية الدولة في الجنوب اليمني وما تلاها من أحداث سياسية داخلية وإقليمية وصولاً للوحدة بين الشطرين فحرب عام 1994 وإنتهاء بإنقلاب المليشيات المسلحة على مسار المرحلة الإنتقالية في بلدنا، والقناة طوال هذه الأعوام تقوم بأداء رسالتها الإعلامية رغم المعوقات التي رافقتها في فترات متعددة مستشعرة عبر كوادرها الكفؤة لأهمية الإسم الذي تحمله (إسم مدينة عدن).

عدن المدينة التي كانت بوتقة إنصهار ثقافي نادرة في بلاد العرب، وصاحبة النموذج الريادي في مأسسة الدولة والعمل المدني المجتمعي والذي كان مصاحباً لطفرة التطور التجاري والإقتصادي فيها، والذي تجلى في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين طفرةً دُونت في سجلات التاريخ الحديث كثاني أهم ميناء عالمي في الخدمات اللوجستية المقدمة للبواخر التجارية العابرة لخطوط الملاحة الدولية وإحدى أهم مدن آسيا والشرق الأوسط للعيش المتمدن وفقا للمعايير العالمية السائدة في حينه، كان ذلك ظاهراً على شاشتها تنوعاً في ملامح الوجوه وتفاصيل الأسماء وتبايناً بالأفكار الحداثية المطروحة والمعلومات المضافة للجمهور، فكانت قناة عدن أداة ثقافية أساسية رسمت ثقل الشخصية العدنية المثقفة في التصور الجمعي لليمنيين وسكان شبه الجزيرة العربية، متكاملةً في دورها مع مدارس عدن الريادية ومسارحها ونواديها النابضة ومقاهي المساحات المفتوحة للمد الأيدلوجي القومي والأممي التي تواجدت فيها.

لم تكن البدايات كالوضع الحالي بكل تأكيد، فقناة عدن مرت وتأثرت بأحداث كثيرة مما أدى لوصول الحال فيها على ماهو عليه الآن – لا يسر المشاهدين- أحداث مرتبطة بالواقع العام في البلد وعلى رأسها التدهور الذي كان سمه الأعوام الثلاثين الأخيرة الذي لا تخفى أسبابه على أحد، والتي تمثلت في عدم التنمية والتطوير في التعليم والصحة والثقافة والنظام السياسي والإقتصادي إلى آخره من الجوانب – فهل ستكون الوسائل الإعلامية بما فيها التلفزيونية بعيدة عن ذلك!

وأحداث أخرى مرتبطة بشكل خاص (بعدن) وكل ماله إرتباط بشخصية عدن الإعتبارية -إن صح قول ذلك- والتي تواترت بعد حرب صيف عام 1994 تقليلاً من حقيقة ريادتها العلمية والعملية وطمساً لبنتيها الثقافية والإجتماعية التي كانت ولازالت تخيف من يملكون ثقافة (الفيد وحمران العيون) مولدةً لاحقا مع تراكم المعطيات وغيرها من العوامل مفهوم (القضية الجنوبية) كقضية سياسية وطنية رئيسية، وللإنصاف الموضوعي وجب القول هنا، أن استهداف عدن الممنهج لم يكن موجهاً ضد عدن حقداً وغلاً لذاتها وفقط، بل هو استهداف للحلم الوطني الجامع العادل لكل إنسان في الجنوب والشمال اليمني والذي بالمحصلة يتضاد مع ثقافة وأهداف آنفي الذكر.

لم تعد الوقائع التي تجرعتها عدن مجرد رأي في معرض تحليل بل حقيقة راسخة في الذاكرة الوطنية عبر وثيقة مخرجات الحوار الوطني -المرجع القانوني المتسيد في كل مايجري وسيجري- والتي لخصت عدداً من الأحداث والممارسات كجذور للقضية الجنوبية ضمن ابعادها الأربعة (السياسية / القانونية الحقوقية / الإقتصادية/ الثقافية الإجتماعية) وبلغ عددها 46 بنداً تضمن أغلبها مجموعة من النقاط التفصيلية، ومنها البعد الثقافي الإجتماعي الحادي عشر ذو العلاقة المباشرة بقناة عدن والذي نص على أن أحد جذور وملامح القضية الجنوبية هي: ( تغيير اسم عدن التاريخي من على تلفزيونها ونقل الأرشيف الثقافي والفني والوثائقي لها وتحويل المؤسسات الإعلامية في الجنوب إلى فروع)

فلخص هذا السطر أهمية القناة وواقع ما جرى وما أوصلها لحالها هذا الذي لا يسر أحد.

القناة التي كانت يوماً القناة الرسمية الرائدة لليمنيين أصبحت القناة الثانية لهم بفرض السلطة والتسلط السياسي لا بقرار وطني جامع،

وبعد أن كانت قناة رئيسية أصبحت ثانوية،

وبعد أن كان إسمها عدن أصبحت يمانية،

وبعد أن عاد الإسم بقيت قناة عدن هي القناة الثانية الثانوية، ولكم في الممارسات الإدارية للإعلام الرسمي على مدى عقود أكبر دليل على ذلك، وإن كان لا بد من ذكر نموذج للتدليل فلنا بمقارنة المعايير الفنية والتقنية بين قناة عدن وقناة اليمن – والتي لازال إسمها راسخاً في ذهنية الكثيرين بقناة صنعاء أكبر دليل – رغم ترديها هي الأخرى.

وفي فترة المتغيرات الجذرية التي نعيشها حاليا – والتي للإعلام فيها تأثير كبير – يجب تخطي الواقع غير المرضي لقناة عدن والنهوض بها مجدداً عبر رسم رؤية إستراتيجية إستثنائية للإعلام الرسمي للدولة متضمنة لمهام إعلامية تثقيفية توعوية ذات خصوصية توكل للقناة وكذا إعادة الكوادر المخضرمة لشاشتها وفتح المجال لشباب المدينة للظهور على شاشتهم الأم وقبل ذلك التوجيه بموضعة القناة لتعود قناة رسمية رئيسية على ذات المستوى في كل الأصعدة الإدارية والفنية والتقنية أسوة بقناة اليمن، وبالمقدور القيام بذلك فكل هذه الخطوات تحتاج لقرار وإيمان وإستيعاب لأهمية القناة وتأثيرها السياسي الثقافي الإجتماعي، أكثر من إحتياجها للمادة، وإن وجد القرار والإيمان والإستيعاب وجدت الماديات.

إن عودت قناة عدن لمكانتها والمضي قدماً في إعادة تفعيل أدواتها الإعلامية سيخلق تأثيراً إيجابياً -نفسياً- بالأخص على سكان عدن مما سيسهم في تطبيع الحياة في المدينة -العاصمة الحالية- ويعيد التوازن الإجتماعي لها، فالقناة التي كانت أخر قلعة صامدة من المؤسسات الإعلامية الرسمية للدولة أمام مد المليشيات المسلحة الإنقلابية بدايات العام 2015 ، يمكن لها أن تكون منارة الإبراز لقيمنا ومبادئنا المدنية ولروحنا الوطنية التي لسعتها الحرب، وهي بإسمها المحفور في الوجدان الذي مهما شابته من شوائب وبدورها المشهود له بإعلاء قيمة الإنسان والإنحياز لثقافة النظام والقانون ومفهوم الدولة ومؤسساتها ستكون الأجدر والأمثل للقيام بهذا الدور الذي نحتاج إليه جميعا، وستبقى قناة عدن دائما هي القناة التلفزيونية والوسيلة الإعلامية الأكثر قبولا لدى الكثيرين في مجتمعنا.

أخبار ذات صلة

جار التحميل....

يستخدم موقع اليمن الاتحادي ملفات Cookies لضمان حصولك على افضل تجربة موافقة إقرأ المزيد