27.5 C
الجمهورية اليمنية
1:19 مساءً - 21 نوفمبر, 2024
موقع اليمن الاتحادي
اقلام حرة

همدانيون نواصب في سيئون

بلال الطيب :

توجس «المتوكل» إسماعيل بن القاسم خيفة من طموحات أقاربه، ومن أطماع القبائل المساندة له، واستباقاً لأي طارئ قد يعترض مسار حكمه، وجه بداية العام «1055هـ / 1644م» جيشه القبلي المُنتشي بالنصر جنوباً، وجعل عليه ابن أخيه أحمد بن الحسن، وقيل أن الأخير رغبه في ذلك، لمآرب ستتبدى تباعاً.

وفي الأمير الطامح قال جمال الدين البحيح:
فانهض بعزم باسم الله مفتتحاً
أرض النواصب من سهل ومن وعر

لم تكن الجولة الأولى للحرب لصالح الإماميين، خسروا مئات الأفراد، فأفرد لهم الحسين بن عبد القادر صاحب عدن مقبرة كبيرة احتوتهم، وسميت باسم قائدهم «ابن الحسن»، فيما كانت الجولة الثانية لصالح الأخير، أقتحم عدن ثم أبين، وأمر عساكره بقطع رؤوس مقاوميه، حتى وصلت لحدود رأس فرسه، ليعود بعد ذلك إلى عمه مزهواً بالنصر، بعد أن جعل عليهما من ينوب عنه.

أما صاحبه الحسين بن عبدالقادر، من أواه بالأمس طريداً، فقد «لجأ إلى يافع، بعد أن علم أن ليس له عاصم ولا نافع»، تاركاً أسرته رهينة، وأمواله غنيمة، وما هي إلا أشهر معدودة حتى أعاده «المتوكل» لبلاده، حاكماً عليها باسمه.

وفي العام «1061هـ» رفض أهالي الشعيب دفع الجزية لـ «الدولة القاسمية»، فما كان من الأمير محمد بن الحسن إلا أن وجه إليهم جيشاً قوامه «2,000» مقاتل، خضعوا له بعد أن رفض جيرانهم مساعدتهم، ثم أعلنوا بعد عامين تمردهم، أرسل إليهم ذات الأمير جيشاً آخر، هُدمت منازلهم، فاستسلموا مُجبرين.

وفي سيئون خطب السلطان بدر بن عمر الكثيري لـ «المتوكل» إسماعيل، مطلع العام «1064هـ»، وأشيع حينها أنه أصبح «زيدي» المذهب، بعد مراسلات حدثت بينه وبين الإمام السابق، الأمر الذي ألب عليه كبراء دولته، قبضوا عليه بمساعدة ابن أخيه بدر بن عبدالله، زجوا به بالسجن، ونصبوا «ابن عبدالله» سلطاناً.

الكثيريون هم في الأصل همدانيون، ويرجع نسبهم إلى كثير بن مالك بن جشم بن حاشد بن همدان، أما علاقتهم بـ «الزيدية» فتعود إلى النصف الأول من القرن العاشر الهجري، حيث قام السلطان بدر بن عبد الله بن جعفر الكثيري «بو طويرق» بالاستعانة بـالأتراك، فأمدوه بعساكر منهم، فأضاف إليهم بعض «الزيود»، ورجالاً من يافع ومن الموالي الافريقيين، ومن هؤلاء جميعاً تألف جيشه.

كان هذا السلطان حليفاً للأتراك وحاكما باسمهم، ساندهم في حربهم ضد البرتغاليين، ونكل بالأخيرين في معركة الشحر الشهيرة «942هـ»، وقد أرسل حينها ببعض الأسرى إلى «استانبول».

ذكر «الجرموزي» أن حفيده السلطان عبدالله بن عمر الذي حكم من العام «1021هـ» إلى العام «1040هـ»، كان مثله مُتحالفاً مع الأتراك، مُعارضاً لتمرد «المؤيد» محمد، وأنه لم يقبل هدايا الأخير، وعلى عكسه كان أخوه بدر.

مع مطلع العام «1065هـ»، حشد «المتوكل» أكثر من «10,000» مقاتل بقيادة ابني أخيه أحمد بن الحسن، ومحمد بن الحسين، لإخضاع المناطق الجنوبية حتى حضرموت، ممهداً لذلك بمراسلة المشايخ والسلاطين، وحثهم على الانضمام إلى دولته سلماً.

استعد سلاطين ومشايخ الجنوب: علي الهيثمي، ومُنصر العولقي، وصالح الواحدي، وسالم الفضلي، وعبدالله هرهرة، وبدر بن عبدالله الكثيري للمواجهة، فيما تولى حليفهم حسين الرصاص «شيخ البيضاء» قيادة المقاومة، وتنظيم حشودها التي وصلت لحدود «30,000» مقاتل.

خذل سلاطين ومشايخ الجنوب «الرصاص»، وتركوه مع أول مواجهة، نجح الإماميون في تطويقه بـ «نجد السلف» من أكثر من اتجاه، فما كان منه إلا أن قاومهم حتى لقي حتفه، مثَّلوا بجثته، ثم حزوا رأسه وأرسلوه هدية للحضرة الإمامية، حل شقيقه صالح مكانه، وقد انحاز الأخير بأهله وعشيرته وأنصاره إلى البيضاء، مُفسحاً الطريق للعساكر الغازية.

كانت «يافع العليا» الوجهة التالية، رفض شيخها عبدالله هررة الخضوع لـ «الدولة القاسمية»، واحتمى ومن معه بالشواهق العالية، وحين جاءه المدد من حضرموت، بقيادة الشريف سالم الحسيني، تقطع لهم الإماميون في دثينة، ولم يكن أمام «هرهرة» حينها من خيار سوى الصمود، على الرغم من قلة العدة، وضعف العتاد.

نجح الإماميون بقيادة محمد بن الحسين في اقتحام جبل «العر» بوابة يافع الشمالية، بعد أكثر من محاولة فاشلة، فشل أبناء يافع في استعادته؛ بسبب كثرة بنادق الطرف الآخر ورصاصها الذائبة، وما أن علموا بوصول الأمير أحمد بن الحسن ومعه حشد كبير من القبائل، حتى راعهم المشهد، فأعلنوا استسلامهم، طالبين الأمان من صهرهم وحليفهم بالأمس.

دخل سلاطين ومشايخ الجنوب مذلة الخضوع لـ «الدولة القاسمية»، سلموا رهائن الطاعة، وحق فيهم المثل القائل: «أكلت يوم أكل الثور الأبيض»، حتى سُلطان حضرموت أطلق عمه من الحبس، وأعاد الخطبة لـ «المتوكل»، فيما وجه الأخير بإرسال السلطان المفرج عنه إلى ظفار والياً عليها باسمه، لتتوحد بذلك اليمن للمرة الخامسة في تاريخها، إلا أن تلك الوحدة تخللها خلال سنواتها الأولى تمرد في يافع، وثورة في حضرموت، وتقطع في أحور، وعصيان في بلاد الهيثمي والفضلي، وانفصال في ظفار.

طرد أبناء يافع عاملهم شرف الدين بن المطهر حافياً، وقتلوا بعض عساكره الذين عاثوا في بلادهم نهباً وخراباً، أرسل إليهم «المتوكل» إسماعيل ولده محمد بجيش قوامه «15,000» مقاتل، جلهم من حاشد وبكيل، لتبدأ مع وصولهم بحلول العام «1066هـ» حرب عصابات كلفتهم الكثير، قاد تمرد «يافع السفلى» الشيخان «الناخبي» و«العفيف»، هُزم الأخير، فطلب الأمان، أما الأول فصمد وقتل عشرات العساكر جلهم من آنس، وحين استسلم طالباً الأمان، قتله أبناء ذات القبيلة غدراً انتقاماً لقتلاهم.

في تلك الأثناء، تمردت قبائل «الأجعود، والحواشب، والصبيحة»، بقيادة الأمير أحمد بن شعفل، وبدعم من الشريف سالم الحسيني، المُحرض الأول والرئيس للثورات الجنوبية السابقة واللاحقة، وقد كان للأخير سلطة روحية كبيرة على الجنوبيين بشراً وحكام، أما «ابن شعفل»، فقد نجح «ابن الحسن» في استمالته، خامدا تمرده لبعض الوقت.

وفي حضرموت، توجه جعفر بن عبدالله الكثيري نهاية العام «1068هـ» صوب ظفار، بإيعاز من أخيه السُلطان، استولى عليها، وطرد عمه منها، وقتل ابنه، ليرسل إليهم «المتوكل» مع نهاية العام التالي ابن أخيه أحمد بن الحسن بجيش كبير، شارك فيه عدد من أبناء يافع.

استبقى أحمد بن الحسن حشد من عساكره في الطريق لحراستها وتأمين وصول الإمدادات، وجعل عليهم محمد بن أبي الرجال، أرسل الأخير «20» فرداً إلى أحور، طالباً من الأهالي جمالهم لحمل بعض المؤن، إلا أنهم رفضوا وفتكوا بالعسكر عن آخرهم، وحين توجه إليهم، اتبعوه ومن جاء معه بهم.

اجتاح أحمد بن الحسن حضرموت منتصف العام «1070هـ / 1659م»، بمساعدة شيخ وادي «دوعن» عبدالله العمودي، وبعض المشايخ الذين راسلهم ورشاهم بمساعدة هذا الأخير، خذل «الحضارم» سلطانهم بدر بن عبدالله، ولم يقاتل معه إلا خواصه، وقيل عكس ذلك.

في رسالة بعثها «ابن الحسن» لعمه «المتوكل»، جاء فيه: «فما زال القتل الذريع فيهم، والأسر، واختزت رؤوس كثيرة، واشتغل الناس بالغنائم لأموالهم وسلاحهم وخيلهم.. وقد احببنا تعجيل هذه المسرة إليكم، سيما بعد انقطاع الكتب بسبب الأعداء المتوسطين».

لجأ السلطان بدر بن عبدالله بعد هزيمته إلى أخواله بجبل «السناقر»، ومن هناك طلب لنفسه الأمان، فيما أمر «ابن الحسن» بأن يزاد في الأذان «حي على خير العمل»، ومنع السكان من ترديد أذكار الشيخ الحداد، وسلم حضرموت لسلطانها «الزيدي» بدر بن عمر، توفي الأخير بعد سنتين، فحل مكانه أولاده محمد ثم عيسى ثم علي.

وفي «شعبان 1071هـ» توجه «ابن الحسن» لإخماد تمرد الشيخ حيدرة الفضلي في أبين، بعد أن رفع الشيخ علي الهيثمي ـ داعمه في ذلك التمرد ـ راية الاستسلام، وحبس في كوكبان بأوامر الإمام، وقد تحقق في صاحبه حيدرة ذات المصير.

أما ظفار فقد استولى عليها سلطان بن سيف، ثاني سلاطين عُمان، وهي سيطرة لم تدم كثيراً، استعادها الكثيريون «1073هـ»، فجعل «المتوكل» عليها الحاج عثمان زيد، ثم الشيخ زيد بن خليل «1079هـ»، ليختلف ابن هذا الأخير مع أهاليها، قتلوا حوالي «20» من أصحابه، فأرسل «المتوكل» عبده الحاج عثمان زيد والياً عليها، ليتحقق في عهده انفصال ظفار عن «الدولة القاسمية»، على يد السلطان عيسى الكثيري، الذي حكم لعام واحد فقط.

وفي العام «1081هـ» قتل الكثيريون عساكر قاسميون كان قد أرسلهم الأمير الحسين بن الحسن لبعض المهام، بدأت حينها نزعة الاستقلال تظهر عند السلطان الجديد علي الكثيري، وقال: «البلاد بلادي ومحلي»، ليتحقق في عهده استقلال حضرموت عن «الدولة القاسمية».

أخبار ذات صلة

جار التحميل....

يستخدم موقع اليمن الاتحادي ملفات Cookies لضمان حصولك على افضل تجربة موافقة إقرأ المزيد