بشرى العامري:
اليوم نرى بعض الأصوات ترتفع مطالبة بتقديم اعتذار عن ثورة الحادي عشر من فبراير وكأنها كانت جريمة لا تُغتفر أو كأنها هي من أوصل اليمن إلى ما هو عليه الآن.
يريدون منّا الاعتذار عن 11 فبراير، الثورة الشعبية السلمية التي لم تُطلق رصاصة ولم تقطع راتباً ولم تجتث حتى شجرة واحدة، بينما هم بكل وقاحة يرفضون الاعتراف حتى بأخطائهم الكارثية ناهيك عن الاعتذار عنها!
أين اعتذارهم عن 21 سبتمبر يوم الانقلاب الأسود الذي مزّق البلاد وأغرقها في الدماء والفوضى؟ أين اعتذارهم عن تحالفهم الإجرامي مع مليشيا الحوثي الذي أسقط الدولة وفتح أبواب الجحيم على اليمنيين؟.
لم يعترفوا.. لم يعتذروا ولم يشعروا حتى بوخز الضمير تجاه ما اقترفته أيديهم بحق اليمن.
ورغم كل هذا يريدون منّا نحن أن نعتذر عن ثورة كانت حلماً بالتغيير السلمي بينما هم من جعلوا الوطن كابوساً مستمراً من الحروب والدمار.
وعند التمعن في هوية هؤلاء “المعتذرين” نجد أن أغلبهم ينتمون إلى ثلاث فئات رئيسية فهم إما أدوات النظام السابق المخفية والذين كانوا مندسين في صفوف الثورة ليس إيماناً بها بل تنفيذاً لأجندات خاصة.
دخلوا الساحة بوجوه ثورية لكن ولاءهم بقي للنظام الذي حاولوا إنقاذه بكل الوسائل وعندما فشلت محاولاتهم ظلوا يناورون حتى جاء 21 سبتمبر فكانوا أول من احتفل بانقلاب الحوثيين لأنهم رأوه وسيلة للانتقام من فبراير وأبنائه.
أو أنهم في الأصل لم يكونوا جزءاً من ثورة فبراير بل كانوا مجرد مدّعين وربما كانوا حتى ممن شاركوا في الصفوف المناهضة لها وهذا لا يعدو كونه تدليساً وتزييفاً للحقائق فقط بل وخسة لاتغتفر.
وصنف آخر هم من أصحاب المصالح الضيقة وهؤلاء لم ينضموا إلى الثورة من أجل الوطن أو الشعب بل بحثاً عن مكاسب شخصية بحتة.
بعضهم كان يطمح إلى مناصب وآخرون كانوا يريدون امتيازات أو بطولات وحينما لم يحصلوا على ما أرادوا بدأوا بالتشكيك في الثورة والتنصل منها.
بالنسبة لهم اليوم الثورة لم تعد تستحق العناء لأنها لم تمنحهم ما كانوا يتوقعونه فصاروا يتحدثون عن “فشلها” ويتبرؤون منها.
أما أصحاب القلوب المريضة فهي فئة كانت دوماً تحمل ضغينةً تجاه أي مشروع تغييري ليس حباً في النظام السابق ولكن كرهاً لكل ما هو جديد ومختلف.
هؤلاء لديهم مشكلة نفسية مع فكرة الحرية والعدالة والمساواة ويشعرون بالتهديد من أي تحرك شعبي يسعى لكسر الاستبداد، فهم لا يريدون أن يروا شعباً يقرر مصيره لأن ذلك يتعارض مع تصوراتهم المريضة عن السلطة والقوة والهيمنة.
لكن رغم كل هذه المزايدات ستظل ثورة الحادي عشر من فبراير حدثاً مفصلياً في تاريخ اليمن لم تكن انقلاباً ولم تكن مؤامرة، بل كانت صرخة شعب أراد الخلاص من الفساد والاستبداد.
ومن يعتذرون عنها اليوم، فهم إما أدوات مأجورة، أو انتهازيون خابت مصالحهم، أو مرضى بقلوب لا تحتمل رؤية شعبٍ ينهض من أجل كرامته.
الاعتذار الحقيقي ليس عن فبراير، بل عمّن خانها وساهم في إسقاط الدولة وتسليمها للمجهول.
أما ثورة 11 فبراير تلك الانتفاضة الشعبية السلمية التي خرج فيها اليمنيون بأحلامهم وآمالهم في التغيير دون أن يحملوا سلاحاً أو يقطعوا طريقاً أو يمسّوا حتى شجرة واحدة.
فهي ثورة لم تسفك دماء ولم تقطع رواتب ولم تنشر الفوضى بل طالبت بحقوق الشعب في الحرية والعدالة والعيش الكريم.
ورغم ذلك يُصرّ البعض على تحميلها كل أزمات اليمن متناسين أو متجاهلين عمداً ما حدث في 21 سبتمبر، الانقلاب الذي أسقط الدولة ومزّق اليمن وحوّله إلى ساحة حرب مفتوحة.
لا يتجرأ هؤلاء على مجرد الاعتراف بأنهم شاركوا في هذه الكارثة، ناهيك عن تقديم اعتذار للشعب عن ما اقترفوه بحق الوطن.
يريدون من أبناء فبراير أن يعتذروا عن ثورتهم بينما هم يرفضون حتى الاعتراف بخطيئتهم الكبرى في 21 سبتمبر لم يعتذروا عن انقلابهم على الدولة ولا عن سرقة المؤسسات ونهب ثروات اليمنيين ولا عن الحرب التي أطلقوها مع الحوثيين وراح ضحيتها الآلاف.
لم يعتذروا عن رواتب مقطوعة ولا عن جوع تفشّى ولا عن مئات آلاف من النازحين والمشردين الذين دمرت بيوتهم بسبب مغامراتهم الطائشة.
بل حتى عندما حاول زعيمهم نفسه التراجع عن فعلته في الثاني من ديسمبر عندما أدرك متأخراً حجم الكارثة وأنه سيتم التخلص منه بكل سهولة خذلوه وتركوه لمصيره ثم مضوا في غيّهم وكأن شيئاً لم يكن.
لذا.. نحن لا ولن نعتذر عن 11 فبراير، لأنها لم تكن انقلاباً مسلحاً، ولم تكن مشروعاً طائفياً، ولم تكن وسيلة للنهب والاستبداد.
فبراير كانت ثورة سلمية طالبت بالتغيير عبر الوسائل الحضارية لكن تم التكالب عليها وإجهاضها بمؤامرات داخلية وخارجية وذبحها في 21 سبتمبر اليوم الذي تحولت فيه اليمن إلى ساحة حرب لا تنتهي.
وإن كان ثمة اعتذار مطلوب، فليس من فبراير، بل من أولئك الذين انقلبوا على الدولة وأغرقوا اليمن في الفوضى.
عليهم أن يعترفوا بأخطائهم ويواجهوا مسؤوليتهم التاريخية عن الدمار الذي حلّ بالبلاد بدلاً من إلقاء اللوم على ثورة لم يكن ذنبها إلا أنها طالبت بوطن أفضل.
لن نعتذر عن فبراير بل عليهم هم أن يعتذروا عن كل ما فعلوه منذ ٢١ من سبتمبر الأسود وحتى اليوم!