بلال الطيب
قاد القاسم بن محمد – مؤسس «الدولة القاسمية» – مُقاومة عنيفة ضد الأتراك، وذلك بعد أكثر من سبعة عقود من تواجدهم الأول في اليمن؛ مُستغلاً ركونهم للاستقرار، وتقليصهم لعدد قواتهم، وقد ساندته في تمرده ذاك قبائل «همدان، وخولان، وسنحان، والأهنوم»، ومن جبل «جديد – القارة» جنوب صعدة أعلن نفسه إماماً «محرم 1006هـ / أغسطس 1598م».
كان الأتراك حينها القوة الأكثر حضوراً، ساهمت جهود الوالي حسن باشا في بسط نفوذهم على معظم المناطق اليمنية، وتركيع أدعياء الإمامة فيها، وحين أعلن القاسم تمرده عليهم؛ تصدى له ذات الوالي، وذلك بعد أن تم إسناده من «الاستانة» بالمال والرجال، استعاد السيطرة على غالبية المناطق الشمالية، وأجبر الإمام الزيدي وثلاثة من أصحابه – هم من تبقى معه – على الخروج من السودة ذليلاً مدحورا «صفر 1008هـ».
توجه الإمام القاسم بعد ذلك إلى شهارة، وفيها تم حصاره لـ «11» شهراً، ليهرب منها مُتخفياً تاركاً ولده الأمير محمد مكانه «3 شوال 1010هـ»، لم يصمد الابن كثيراً، خرج مطلع العام التالي طالباً الأمان، مؤثراً الاستسلام، ليدخل وشقيقه أحمد ومعظم أفراد أسرته مذلة الأسر، أما الأب فقد توجه إلى برط، لاحقه الأتراك إلى هناك، فذهب وجماعة من خُلص أصحابه – لبعض الوقت – إلى منطقة منقطعة حتى انقطعت أخباره، وظن الناس هلاكه.
بداية العام «1013هـ / 1605م»، وبعد «25» عاماً من مقدمه، غادر حسن باشا اليمن، جاعلاً نائبه سنان باشا مكانه، شدد الأخير – في ذات العام – الخناق على الإمام القاسم المقيم حينها في برط، وفي ذلك قال صاحب «أنباء الزمن»: «ولما اشتد الأمر على الإمام، ورأى أنَّ الأيام قد فوقت إليه السهام، أزمع على الرحيل إلى البصرة، إلى أن تأتيه من قبل الله النُصرة».
كان والد القاسم أحد أبرز رجالات الإمام المُطهر شرف الدين، إلا أنَّ أحفاد الأخير وقفوا من الوهلة الأولى ضده؛ كونهم حينها كانوا حكاماً لعدد من المناطق والحصون باسم «الدولة العثمانية»، ويُعد الأمير عبدالرحيم بن عبدالرحمن بن المُطهر – عامل حجة – أبرزهم، تمرد الأخير على الأتراك «1014هـ»، وتحالف مع الإمام القاسم؛ قويت بذلك شوكة الأخير، فاستعاد أنفاسه ومكانته الدينية والقبلية، وعاود بمساعدة ذات الأمير السيطرة على عدد من المناطق، كـ «الحيمة، والسودة، ووادعة، وشاطب، والشاحذية، والأهنوم، وشهارة»، وجعل من الأخيرة عاصمة لدولته، ثم ما لبثا أن اختلفا، وحاربا الأتراك مُنفردين كلاً من جهته.
تم عزل الوالي سنان باشا مطلع العام «1016هـ»، جيء بجعفر باشا بدلاً عنه، عمل الأخير على مصالحة الإمام القاسم، مُعترفاً له بما تحت يديه، مُطلقاً سراح ولديه محمد وأحمد، وباقي الرهائن، لينصرف بعد ذلك لإخماد تمرد الأمير عبدالرحيم، نجح بعد عامين في إلقاء القبض على الأخير، وأمر بنفيه إلى «استانبول».
وفي «ربيع الأول» من العام «1022هـ»، تم عزل الوالي جعفر، وجيء بإبراهيم باشا بدلاً عنه، توفي الأخير قبل أن يصل صنعاء، فأعاد «الباب العالي» الوالي السابق لمنصبه، ليستعر بسبب ذلك الخلاف «التركي – التركي»، الأمر الذي حفز الإمام القاسم على نقض الصلح، والسيطرة على بعض المناطق الشمالية.
في أواخر ذات العام – وبعد إخماده لتمرد أحد القادة الأتراك – وجه الوالي جعفر باشا «17,000» مقاتل لمحاربة الإمام القاسم، نجحوا في أسر ولده الأمير الحسن بـ «عِرة – الأشمور»، وساوموه بالإفراج عنه مقابل انسحابه من المناطق التي سيطر عليها، فكان جوابه لموفدهم: «أنه لا يسعني عند الله ذلك، ولا تجمل بي تلك المسالك».
نجح الأتراك في استعادة «بلاد الشرف، وعفار، وجنب، والمحابشة، والحيمة، ووداعة، وصعدة»، وأقدموا في الأخيرة على قتل الأمير علي بن الإمام، بعد أن أعلنت قبائل تلك الجهات الولاء لهم، استعاد القاسم – في العام التالي – زمام المبادرة، وفتكت قواته بعساكر الأتراك فتكة عظيمة، في معركة «غارب اثلة» الشهيرة، ولكثرة القتلى الأتراك في اليمن، علق أحد قادتهم قائلاً: «ما رأينا مسبكاً مثل اليمن لعسكرنا، كلما جهزنا إليه عسكر ذاب ذوبان الملح، ولا يعود إلا الفرد النادر».
اضطر جعفر باشا للمطالبة بوقف الحرب، وأوعز للأمير الحسن الكتابة لوالده بذلك، وبالفعل تجدد الصلح لعام واحد «رجب 1025هـ»، وأضيف لـ «الدولة القاسمية» مناطق جديدة، فيما أبقي الأمير الحسن في صنعاء رهينة، استقرت حينها الأوضاع نسبياً، بالتزامن مع عزل الوالي جعفر باشا، وتعيين الوزير العادل محمد باشا بدلاً عنه، كان الأخير «ألين من وطئ اليمن قدمه» – حد توصيف المؤرخ العرشي – بدأ عهده بزيارة ضريح الشيخ أحمد بن علوان، وأمر بتوسعة مسجده المشهور، كما قام – فيما بعد – بتجديد سور مدينة صنعاء، وتعمير وتشييد عدد من المساجد والقلاع والحصون.
عمَّ القحط البلاد، وتجددت منتصف العام التالي مواجهات محدودة بين الجانبين، حققت قوات محمد باشا بعض الانتصارات، ثم ما لبث أن أوقف بمبادرة منه الحرب، وبدأ بمراسلة الإمام القاسم، مُجدداً معه الصلح لعشر سنوات قادمة «1128هـ»، مُعترفاً بسلطاته، مُبادراً بالإفراج عن عدد من المساجين عدا الأمير الحسن.
توفي الإمام القاسم بن محمد «12ربيع الأول 1029هـ / فبراير 1620م»، فاختار أعوانه ولده محمد بدلاً عنه، راسل الوالي محمد باشا الإمام الجديد مُعزياً، وخاطبه بالقول: «أن الذي بيننا وبين والدكم رحمه الله من العهود والمواثيق ثابتة أساسها ومرساها ثباتاً وقوة، كما هي الإرادة المرجوة»، وبموجب ذلك استمر الصلح بين الجانبين، ولم يتعكر صفوه لسبعة أعوام قادمة.
عُزل الوزير محمد باشا «1031هـ»، وجيء بـأحمد فضلي باشا بدلاً عنه، استغل الأمير الحسن بن القاسم ذلك، ونجح بعد تسع سنوات من الأسر في الهروب من صنعاء، فيما تعمد الوالي الجديد – والذي اشتهر بكرمه وصلاحه – البقاء في مدينة المخا، مُغدقاً على الإمام محمد بالهدايا الثمينة، مُشدداً على استمرارية الصلح.
بعد ثلاث سنوات من مقدمه، عُزل فضلي باشا، فحل حيدر باشا محله، وهو من قام بأسر الأمير الحسن من قبل، كان الأخير من أسوأ الولاة، وأكثرهم فساداً، وصل حكم الأتراك في عهده إلى الحضيض، اضطرب عليه الجُند، وتذمر منه الرعايا، الأمر الذي فتح شهية الإمام محمد للانقضاض على مناطق «اليمن الأعلى»، مُسجلاً مطلع العام «1036هـ» نقضاً رسمياً للصلح.
اشتعلت المواجهات في أكثر من مكان، وحققت القوات الإمامية انتصارات خاطفة بقيادة الأميران الحسن والحسين أخوي الإمام، تجسدت بدخولهما «الجوف، ثم كوكبان، ثم عمران»، لتسقط صنعاء سلماً بعد عام من الحصار، وبعد أن غادرها معظم السكان، استمات الوالي حيدر باشا في البداية بالدفاع عنها، ثم جنح للسلم، وتم في «13 رجب 1038هـ / فبراير 1629م» تأمين خروجه منها إلى زبيد.
وإلى «اليمن الأسفل» أرسل الأمير الحسن بعساكر من «الحدا، وقيفة» بقيادة الحسين الجوفي، جعل الأخير من مدينة جبلة مقراً له، ومُني في «إب، وتعز» بهزائم متتالية، وسقط من عساكره المئات بين قتيل وجريح وأسير، وطاردة الأتراك بمعاونة سكان تلك النواحي إلى جبل سُمارة.
حشد الإماميون بعد ذلك القبائل الشمالية لنصرتهم، وقاد الأمير الحسن تلك المجاميع صوب «اليمن الأسفل»، سيطر على عددٍ من المناطق، فيما استعصت عليه مدينة تعز، كما حاول كسب ولاء السكان المواليين للأتراك، ونجح في استمالة الشيخين عامر الجماعي، ومحمد الزوم، جعل الأول حاكماً على إب، فيما تزوج بابنة الآخر، وجعله حاكما على جبلة.
مع كل تمرد حدث في اليمن ضد الأتراك، كان «الباب العالي» يُسارع بإرسال المدد تلو المدد، لإنقاذ جنوده، وتعزيز سلطات ولاته، إلا هذه المرة فقد حدث مالم يكن بالحسبان؛ والسبب انشغال «الدولة العثمانية» بصد زحوفات «الدولة الصفوية» التي تجاوز جنودها بغداد، والموصل، وصولاً إلى ديار بكر، يضاف إلى ذلك تمنع الجنود الأتراك عن الذهاب إلى اليمن، خوفاً من أن لا يعودوا إلى بلدانهم مرة أخرى.
توجه عابدين باشا «والي الحبشة» بـ «1,000» مقاتل إلى اليمن، وذلك أواخر العام «1037هـ»، بطلب من «الباب العالي»، ليتشجع بوصوله المخا بعض مشايخ «اليمن الأسفل» على التمرد والثورة، في البدء تمرد أهالي «الزغارير»، ليتوجه الحسن بعد إخماده تمردهم إلى «دمنة خدير» لإخماد تمرد أكبر قاده الأمير علي السلمي.
بعد أن اجتمع له حوالي «5,000» مقاتل، وبمساندة عدد من مشايخ الحجرية، قاد الأمير علي بن حيدرة السلمي تمرداً كبيراً على العساكر الإمامية، رفض إمدادهم بالمؤن والغذاء، وهجم على مراكزهم أكثر من مرة، ليتحصن بعد أن قويت شوكتهم بجبل «الركب»، ومنه فرّ إلى لحج تاركاً خلفه ثورة لم تُخلّدها كتب التاريخ، التاريخ الذي كتبه المنتصرون.
في تلك الأثناء، ومع مطلع العام «1038هـ / سبتمبر 1628م» ارسل عابدين باشا بـ «1,400» مقاتل من المخا لفك الحصار عن مدينة تعز بقيادة إسماعيل آغا، ما أن وصلت تلك القوات إلى «نجد قسيم» حتى باغتها «الإماميون» بهجوم، تصدى الأتراك لهم، وأجبروهم على الهروب، ليقرر إسماعيل بعد يوم شاق البقاء هناك، معتقداً ابتعاد الخطر.
أيقن «الإماميون» حينها أنهم هالكون لامحالة، الأتراك من أمامهم، وأهالي الحجرية الثائرون من خلفهم، وما أن وصل قائدهم الأمير الحسن حتى ارتفعت معنوياتهم، هجموا على الأتراك هجوماً كاسحاً، قتلوا منهم «80»، وأسروا مثلهم، ودانت لهم بعد انتصارهم ذاك تلك النواحي، بعد مناوشات محدودة.
وفي «10 شوال 1038هـ / 2 يونيو 1629م»، وبعد حصار استمر لأكثر من عام، سقطت مدينة تعز؛ وما كان لها أن تسقط لولا قيام حاكمها علي آغا بتوزيع الأعطيات لبعض الجند، الأمر الذي شجع المتذمرين بقيادة عثمان بن أحمد آغا على التمرد، حبسوا الحاكم، وراسلوا الأمير الحسن، واتفقوا معه على أن يفتحوا له أبواب المدينة مقابل أن يُعطيهم الأمان.
استقر الأمير الحسن في مدينة تعز مدة، ومنها صرح بأنَّه ينوي التوجه بقواته شمالاً إلى مصر والعراق، وقد خاطبه حينها شهاب الدين أحمد بن ناصر الحميضة قائلاً:
يا ابن النبي أتاك فتح القاهرة
هذي عنايات وآيات ظاهرة
مصداق فعلك في تعز ترى غداً
في مصر فتكاً مالكاً للقاهرة
بالعودة إلى أخبار عابدين باشا فإنه آثر الاستقرار في مدينة المخا، استحوذ على أموال الوالي حيدر باشا فيها، وشجع العساكر في زبيد على التمرد بعد أن أوهمهم أنَّ الوالي خان السلطان، وتآمر مع الإمام، ليقوم المتمردون بحبس حيدر باشا في جزيرة كمران.
استأثر عابدين باشا بأمر الولاية، وراسل الأمير الحسن طالباً الصلح، ولسوء إدارته توالى انضمام عدد من أمراء الدولة للصف الأخر، كالأمير الحبشي سنبل بن عبدالله، والأمير رجب بن مصطفى، استقر الأخير بـ «مخادر – إب»، وتفنن بزراعة حقل «السحول»، وانشغل بذلك عن السياسة ومغباتها، فيما تولى الأول أمر «عتمة، ووصاب».
في بداية العام «1039هـ»، وبالتزامن مع توغل القوات العثمانية في أراضي «الدولة الصفوية»، وتحقيقها انتصارات لافتة عليها، وعقدها اتفاقية صلح مع تلك الدولة، وذلك بعد «64» عاماً من الحروب والصراعات الصادمة، تحالف خلالها «الصفويون» مع الإنجليز والأسبان، وصل أحمد قانصوة باشا والياً على اليمن.
دخل الوالي الجديد اليمن عبر الحجاز ومعه «9,000» مقاتل، لمَّ شتات بقايا الأتراك، وقتل عابدين باشا، وأفرج عن حيدر باشا، ونجح في استرجاع بعض المناطق التهامية، كما حاول استعادة تعز، ليلجأ بعد هزيمة قواته بـ «نجد المخيرب – شرعب» إلى طلب الصلح من الإمام محمد، وقد تم له ذلك.
ذكر المؤرخ الجرموزي أنَّ علي باشا – «والي الحسا» – بعث بكتاب إلى الإمام محمد، حثه فيه على مصالحة «الدولة العثمانية»، وأضاف أنَّ الأخير رد عليه بجواب مُطول ذكر فيه أن الأتراك أنكروا ما أوجب لأهل البيت من التعظيم والإئتمام بإمامتهم، والتقديم والتمسك بهم، مُستدلاً بأحاديث كثيرة منسوبة للنبي – صلى الله عليه وسلم – منها: «قدموهم ولا تتقدموا، وتعلموا منهم ولا تعلموهم، ولا تخالفوهم فتظلوا، ولا تشتموهم فتكفروا».
اشتهر الأمير الحسن بقتله للأسرى الأتراك دون هوادة، وروي أنَّه أمر بعد انتصاره بموقعة «نجد قسيم» بقتل «26» أسيراً، وأنَّه أمر بعد انتصاره بموقعة «نجد المخيرب» بإعدام العشرات، مُستثنيا شاباً وسيماً أفرج عنه بعد أن علم أن لديه أخت جميلة تقطن مدينة تعز، وقد تزوج منها.
بتوقف الحرب، بدأت بوادر الخلاف تظهر بين «آل القاسم» أنفسهم، اعتزل الأمير الحسين الأمر، وتفرغ للعلم وإدارة شؤونه الخاصة، كان ذا ميول تحررية، أما شقيقه الأكبر الأمير الحسن فقد اختط مدينة «ضوران – أنس»، وبنى بالقرب منها حصن «الدامغ»، وجعل منها حاضرة جديدة تنافس شهارة عاصمة «المؤيد» محمد، وعنها قال صاحب «مطلع البدور» – وهو مؤرخ عاش خلال تلك الفترة – أنها صارت تضاهي مدينة صنعاء.
في ذات العام الذي ثار فيه «القاسميون» على الأتراك «1036هـ»، كانت أبين قد خرجت من سلطة الأخيرين، أعلن حاكمها عبدالقادر بن محمد الجرهمي تمرده عليهم، سيطر على عدن ولحج، وساعد الأمير الحسن أثناء حصاره لمدينة تعز، وقد جعله ذات الأمير حاكماً على تلك المناطق باسم «الدولة القاسمية»، وفي المقابل أعلن سلطان يافع أحمد شعفل محاربة القوات الإمامية، وتحالف مع قانصوه باشا من أجل السيطرة على عدن «1043هـ»، إلا أنَّ محاولتهما باءت بالفشل، لينتقض بتحركهما الصلح القائم بين «القاسميين» والأتراك.
في الوقت الذي انشغل فيه الأتراك بصراعاتهم الداخلية، تفرغ الإمام محمد لتعزيز سيطرته، وتقوية نفوذه، غض الطرف عن طموحات الأمير الحسن أخيه غير الشقيق، ومده بالنصائح التي تحفظ بقاء الدولة، وماء الوجه، ثم وجهه لمحاربة الأتراك، تجددت الحرب «القاسمية – العثمانية»، كانت بادئ الأمر سجالاً، وقد تخللتهما هدنتان، الأولى لثلاثة أشهر، والثانية لعام واحد، كان بإمكان الأمير الحسن أن يحسم المعركة لصالحة؛ إلا أن الأوبئة فتكت بمعظم عساكره، وأحرمته ثلاثة من اقاربه.
أمام تلك الأوضاع المضطربة، تملك اليأس الأمير الحسن وأخاه الإمام محمد، وقد وصل بالأخير أن طلب من التجار والميسورين أن يقرضوا دولته الأموال اللازمة لعساكره المرابطين في ساحل اليمن الغربي، والذين لم يحققوا انتصاراً حاسماً على مدى «20» شهراً فائتة، حتى جاءت الأيام بما يسعون إليه، وبأقل التكاليف.
كان الوالي قانصوه باشا فظاً غليظا، تخلى عنه أغلب الجند، التجأ البعض منهم إلى الطرف الآخر، وفرَّ آخرون إلى مصر، وحينما طال أمد انتظاره المدد، وأدرك أنَّ من تبقى معه غير راغبين به، سلم نفسه بداية العام «1045هـ» للأمير الحسن، وبقي أربعة أشهر بضيافة الأخير، ثم طالب بتأمينه وإقراضه مالاً ليغادر اليمن، فكان له ما أراد.
وفي زبيد اختار الأتراك الأمير مصطفى قائداً عليهم، لم يصمد الأخير كثيراً، راسله الأمير الحسن عارضاً عليه الأمان، على أن يغادر هو وقواته إلى مصر سالمين، وقد تم ذلك في العشر الأوائل من «رمضان 1045هـ / ديسمبر 1635م»، بالتزامن مع حلول القحط وانتشار المجاعة، لينتهي بخروج الأتراك من «موزع، والمخا، وزبيد، وكمران» التواجد العثماني الأول في اليمن.