28 C
الجمهورية اليمنية
9:37 مساءً - 16 أبريل, 2024
موقع اليمن الاتحادي
اقلام حرة

خارج التاريخ مرة أخرى!

*السفير / عزالدين سعيد الاصبحي :

قريبا على ما يبدو سنتحول إلى كائنات افتراضية، مرد هذا الاعتقاد خواطر إعلامية تداعت في ذهني جراء التحولات الكبرى التي يشهدها عالمنا .

نحن نركض في زمن مجنون يحتاج عقل آخر بجانب ما نملك وليس أن نضيع القليل الذي نملك منه في تفاهات صغيرة.

فصراع العالم على التكنولوجيا ومصادر المعرفة الجديدة والطاقة الجديدة المتجددة وغيرها يجعلك في زمن آخر غير هذا المستنقع الذي يغرق فيه الوطن العربي ومواطنيه.

خذ عندك هذا الإعلام وتطور وسائله لتعرف الفجوة الزمنية .

كان قرار إنشاء صحيفة إخبارية يعد حدثا يستحق أن يكتب عنه الباحث لأهمية ما يمكن أن تصنعه الجريدة في صنع الرأي العام، اما إنشاء إذاعة أو الاستيلاء على تلفزيون فيعني الاستيلاء على الدولة.

الآن الصحافة الورقية تموت حرفيا وصار الفضاء الإلكتروني بديلا يسيطر على كل شيء حتى أني أدرك أنك تقرأ هذه الأسطر من هاتفك وأنت على عجل في مكان لم تتبين ملامحه ولا المحيطين بك لفرط انشغالك بمراسلات الهاتف والتنقل بين عوالم أخرى في فضاء إلكتروني لا علاقة له بالمكان، وليس كما كنت أتمنى أن تقرأ الأسطر وبيدك الجريدة ورائحة الحبر تزاحم نكهة الشاي وأنت جالس رجل على رجل في ناصية مقهى يعج بكوكبة من المثقفين الذين ينشغلون في حوار عن التحديات !.

( أنا من جيل جُبل على جعل أي عمق للنقاش هو عن التحديات أي تحديات لا يهم المهم تحديات).

تلك صورة انتهت وستجد حولك في الطريق المزدحم أو لحظة انتظار إشارة المرور من يضغط على هاتف جوال ويرسل صورة أو عبارة تتحول إلى حدث !.

 وليس انتظار مقال عميق في جريدة، بل مجرد عبارة أو صورة لشخص لا يعرف هو نفسه كيف يقدم حاله إليك يصير حدثا .

لن أتحدث عن التطور في وسائل الإعلام ولكن ما يهمني هذا التكريس المخيف لقيم عالمية جديدة لا نستطيع أن نسهم فيه كمجتمع .

نعم ستنتهي الصحافة الورقية كما سينتهي التلفزيون حيث نرى الآن أن المنصات الإلكترونية تحل محله وأن مراهقة تنشيء قناة على الفضاء الإلكتروني لتصوير جزء من طلاء الأظافر يتابعها الملايين بينما محطات التلفزيون الأرضي ترسل بثا لأيام طويلة ولا ينتبه إليها أحد ( هذا حدث حرفيا ) وليس مبالغة .

كنت مع صديق مسؤل إعلامي كبير وصلته شكوى من ضيف استضافه تلفزيون قنوات الرتابة التي لم تعد تشد انتباه المتابع ويقول له أن القناة بثت اللقاء له دون إكمال المونتاج وان الشريط الذي يمشي الآن يصور الدردشات الجانبية وفيه ملاحظات المخرج والمصور والمرج الذي يتم قبل التصوير ، أي الشريط الخام لكاميرا مثبتة، صعق المسؤل واتصل بالمشرفين فاتضح أن لا أحد من العاملين في البرنامج أو كل القناة يتابعها، لم يكن هناك غير الضيف الكريم .

تلك حالات سنراها تتكرر في تلفزيونات لا تحصى، بينما المجاميع تزحف نحو صناعة جديدة للقيم وفضاء سيتحكم بنا أكثر مادمنا خارج نطاق المعرفة.

وخلال الأيام الماضية حضرت العديد من نقاشات وحوارات المنتديات في عالم التقنية الافتراضية .

ولكن ما لفت نظري هو دعوة بعض الأشخاص ليس بالضرورة شباب لكن يميزهم سطحية القول وتفاهة العرض

وقبل أن أندهش لجعل مثل هؤلاء متحدثين رسميين وموجهين فعليين للرأي العام!.

قيل لي انهم يدعون بصفتهم مؤثرين مجتمعيا، والان يكرس مصطلح ( مؤثر مجتمعي) أمام أسماء عدد هائل من هواة التهريج في الفضاء الإلكتروني وهو مصطلح سترونه ينتشر ويكرس كما تم مع مصطلحات ( ناشط/ة مجتمعي ) ناشط حقوقي وناشط إعلامي الآن لدينا مؤثر مجتمعي.

 وتقوم مؤسسات إعلامية وجهات سياسية دولية بدعوتهم بجدية لمناقشة قضايا تحولات الأحداث بصفة أن لديهم منصات إلكترونية يتابعها الملايين! .

 لأخرج بيقين أن تكريس ( زمن التفاهة ) أبعد حتى مما ذهب إليه

الدكتور آلان دونو في  كتابه “نظام التفاهة.

فنحن في محيط دولي يتجاوزنا معرفيا في كل لحظة، ويكرس بقاء هذه المنطقة كحفرة عميقة للتخلف. بعد أن كانت منصة إشعاع للعقل.

والأدهى من ذلك أننا نهبها مشاعا لكل طامع يكرس فينا حالة من الضياع العربي لم يشهد له التاريخ مثيلا . من صراعات لا معنى لها وتغييب للعقل وتكريس لتفاهات عدة ليس أقلها هذا الفضاء الذي يصنع بدائل مشوهة وصدارة مشهد مخيف .

الأمر ليس ندبا ولطما على الخدود بل ضرورة، وصرخة لإعادة امتلاك منصة المعرفة، من أجل وطن يراد له أن يخرج من التاريخ مجددا، ومن أجل تحرك نخبة تضيع في فضاء لا تدرك خطورة خروجها منه، وجعله في مهب الريح، وصرخة لأنظمة ستجد نفسها أحوج ما تكون لعقلاء يعارضون بدلا من ضخ قطيع يتسيد المشهد وكل فرحته أن يكون مؤثرا مجتمعيا مهمته فقط هدّ المعبد على من فيه.

نحتاج إلى أصوات تعيد نخبة عقل المعارضة قبل أن نصبح خارج التاريخ وفي فضاء كائنات لا نعلم ملامحها.

_ مقال منشور اليوم في جريدة الأهرام المصرية.

* سفير بلادنا في المغرب

أخبار ذات صلة

جار التحميل....

يستخدم موقع اليمن الاتحادي ملفات Cookies لضمان حصولك على افضل تجربة موافقة إقرأ المزيد