د عبده سعيد المغلس :
جدلية صراع الأضداد، جزء من الوجود، واقع يعيشه الإنسان، وهو حقيقة ربانية عليها قام الخلق وتأسست حرية الخيار.
فالإنسان يعيش جدل الصراع بين الأضداد وفق سنن الله وقوانينه، وعليه الاختيار بكامل حريته ومسؤوليته بين الأضداد، توجهه بوصلة الهداية بين النجدين، وخياره الحر يؤكد جوهره الإنساني ونفخة الروح الرباني، وخياره يحدد المسؤولية والتبعات، وهذا هو محك وابتلاء الإنسان، وهداية النجدين، ووجود الدين الواحد، والرسل والأنبياء والمصلحين، فمصير الإنسان وسعادته ووجوده وكرامته وإنسانيته تقوم على اختياره بين الأضداد.
ابليس واقع ووجود، لكنه لا يلغي وجود الله، والكفر واقع ووجود لكنه لا يلغي وجود الإيمان، والشر واقع ووجود لكنه لا يلغي وجود الخير، والباطل واقع ووجود لكنه لا يلغي وجود الحق.
الفيصل هو خيار الإنسان، أي واقع يختاره ليعيش وجوده، ويحصد تبعات خياره.
وهكذا في صراع جدلية الأضداد ومسيرة الإنسان، نجد أن الواقع السيئ لا يفرض نفسه، ولا يلغي الواقع الجيد، بل هو خيار الإنسان لأي واقع يريد تسليم كينونته، وإنسانيته، وارادته، هل لإبليس أم الله، هل للشر أم الخير، هل للباطل أم الحق، هل للعدل أم الظلم، هل للجمهورية أم الإمامة، هل للوحدة أم الانفصال، هل لليمن أم لغيره، هل للشرعية أم الانقلاب، هل للعمالة أم الوطنية، هل لدولة المواطنة، أم لدولة العصبية والمناطقية.
هناك واقع اختاره اليمنيون للعيش بكرامة ومواطنة متساوية، من خلال توافقهم على مشروع اليمن الاتحادي، الذي يبني دولة يمنية قادرة قوية مستقرة، لها مكانتها وموقعها في الإقليم والعالم، بما تمتلكه من ثروات، وشعب عامل في الداخل والخارج، وبموقعها وسواحلها، وموانيها وممراتها، ووجود هذه الدولة بهذه الامكانيات، يعيق مصالح واقتصاديات، لدول في المنطقة والإقليم والعالم، وهذه المصالح الاقتصادية، بقائها مرتبط بتخلف اليمن وتمزيقه، وجعله دولة فاشلة.
الاقتصاد هو السياسة والحرب، وهو جوهر وحقيقة الصراع والحرب في اليمن، بين الشرعية والانقلاب الإمامي والانفصالي.
وكل العناوين التي يرفعها الانقلابيون ومموليهم وأدواتهم عناوين زائفة، هدفها التغطية على حقيقة صراع الشرعية والانقلاب، ومن أبرز هذه العناوين عنوان “الواقعية” الزائف، هذه الواقعية، التي ينبري اليوم كل أعداء اليمن بأدواتهم وعملائهم، للتسويق لها تحت مسمى “الواقع على الأرض” الذي هو واقع الانقلاب، الذي يخدم اعداء اليمن ويريدون فرضه عن طريق الواقعية، بعد أن فشل فرضه بالانقلاب.
وهناك من يرفعون شعارات الوطنية، والحرص على اليمن، يتحدثون عن الواقع المأساوي الذي يعيشه اليمن بسبب الانقلاب، ويدفعون اليمنيين لخيارات القبول بهذا الواقع، الذي أوجده الإنقلاب ومموليه ورُعاته، ويشرعنون لهذا الواقع بمهاجمة الشرعية، لأنها تقود محاربة ومقاومة ورفض هذا الواقع الإنقلابي، بمشاريعه وأدواته واهدافه ومموليه.
ذريعتهم لذلك “فساد الشرعية” وهم في حقيقتهم فاسدون يمارسون أبشع انواع الفساد “الدعارة السياسية” ببيعهم عقولهم وبنادقهم للأجنبي، والعمل على تدمير مشروع بناء الدولة اليمنية الوطنية والرائدة، وهم انفسهم كانوا مشاركين في الفساد وجزء منه، ولم نسمع لهم موقفاً حينها، ضد الفساد وتغوله وشرعنته خلال عقود مضت، وتحوله لثقافة مجتمع، من الطالب الذي يغش، والمدرس الذي يسمح، مروراً بالطبيب الذي يخدع مريضه، ويتعاقد مع مراكز فحوصات وصيدليات ليسرق مريضه، إلى القاضي والموظف الذي يرتشي، والتاجر الذي يغش بجودة سلعه، وأوراق جماركه وزكاته وضرائبه، فثقافة الفساد انتشرت في المجتمع بمختلف بيئاته وطبقاته رأسياً وأفقياً، دون رقابة ولا حساب، وحده مشروع الدولة الاتحادية هو المشروع الحقيقي لمكافحة الفساد، لأنه يحول الوظيفة العامة التي هي مرتع الفساد وسببه، من وظيفة بيد فرد وأفراد، يستغلونها للفساد وتعيين الفاسدين، الى وظيفة بيد الشعب، فهو يختار من يريد لممارسة الوظيفة العامة، ومن يمارس الفساد عزله وحاكمه، وكل من يقفون ضد الشرعية ومشروعها الاتحادي هم أدوات للفساد ومدافعين عنه.
لو استسلم محمد(ص) وصحبه لواقع قريش وفارس والروم، لما كان هناك اسلام ومسلمون، ولو استسلم المصلحون لواقع وقوة الرافضين للإصلاح، لما كان هناك اصلاح، ولو استسلم ديجول والفرنسيين لواقع احتلال النازية لفرنسا، لما استعادوا فرنسا، ولو استسلم تشرشل لواقع سقوط أوربا وقصف لندن، ما انتصر الحلفاء على النازية، ولو استسلم الثوار لواقع بطش الإمامة، وواقع جهل الناس، لما قامت ثورة ٢٦ سبتمبر، ولو استسلم الثوار لواقع جبروت بريطانيا، لما كانت ثورة ١٤ اكتوبر، أمثلة عدة تؤكد خيار الشعوب الحية، برفض الواقع المغلوط ومحاربته.
إن أنصار الشرعية والمشروع، يدركون حجم التآمر ووسائله وأدواته ومحاولات فرضه، لكنهم لن يستسلموا وسيواصلون رفض مشاريع الإمامة والانفصال حتى النصر.
وهم يدركون أن هذه الواقعية والواقع، المراد فرضهما على اليمن، هما خيانة لليمن، الثورة والجمهورية، والوطن والشعب، والشرعية والمشروع.
د عبده سعيد المغل
١٥ يوليو ٢٠٢١
الخبر التالي
أخبار ذات صلة
جار التحميل....